إن التجرد من الإيمان العقدي (السماوي) لا يقعد بالإنسان عن البناء والترقّي المادي، إنما مغبة المضي في الاستنامة إلى مدنية اللاّإيمان بالله والانخداع بها، مغبةٌ وخيمة، ومصيرُها فنائي، كارثي، درامي. ومسار مدنية العصر الراهن، المعتدَّة بتكنولوجيتها وبفتوح العلم المتواصلة، لا يفتأ يشير لكل ذي عينين، بالمصير المشئوم الذي تنقاد إليه الإنسانية رغم البقية الباقية من الجسور التي لا تزال تربط أوساطا متناقصة في المجتمعات المتطورة، بالدين، إذ الخطر آتٍ من قِبَلِ الرجحان المطَّرد لكفة الكفر على كفة الإيمان، الأمر الذي سينتهي حتما باتساع الهوة بين طريق الرشد (المهجور) وبين طريق الضلال الذي تسلكه المدنية اللاّدينية، وهو ما سيجعلها تخرج نهائيًّا عن الجادة، وترتطم بالصخرة، وتلقى مصير الأمم البائدة.
مسار مدنية العصر الراهن، المعتدَّة بتكنولوجيتها وبفتوح العلم المتواصلة، لا يفتأ يشير لكل ذي عينين، بالمصير المشئوم الذي تنقاد إليه الإنسانية.
إن أهمية الإيمان بالخالق، وإتباع تعاليمه، تضمن دوام عافية الإنسان الروحية، شرط السكينة والاستقرار، وتضمن كذلك سلامة مدنيته واسترسال الحياة على خط من السكينة والحفظ الإلهي لا تشقى معه الإنسانية. وطالما جنح العقوق بالإنسان إلى الكفر، واسترسلت به المدنية المتفحشة، وألْهَتْهُ مباهجُها حينا، لكن الازدهار كان ينتهي دائما بالتراجع، وكان مصير الغرور أبدا إلى الانكسار. وإن من دأب الزمان أن يجُرّ أذياله على ما شاد الظالمون وأعلوا من أسوار.
مدنية الإسلام .. تتعافي وتنبعث من جديد:
وها مدنية الإسلام في ألفيّتها الثانية، قد مرت بأطوار من الرثاثة والضمور، ثم ها هي ذي تنبعث كالفجر من بين ثنايا الظلام، رقّت كشعرة الحرير ولم تنقطع، والعلة أنها مدنية نهضت على دعامة الإيمان بالله، فهي حتما تتعافى بعافية الدين، وهي أيضا تَختلّ باختلال العقيدة وتراجع حرارتها في الضمائر. لقد كتب الله أن تكون أمة الإسلام هي أمة البقاء والخلود لأنها الأمّة التي انغرست فيها روح العقيدة السماوية بأصالة، وذلك بحُكم الخاتمية، بحيث لا يمكن أن تنفكّ عنا شريعة الله التي ارتضاها للعالمين، فالموثق جعلنا الحداة الهداة.
لقد كتب الله أن تكون أمة الإسلام هي أمة البقاء والخلود لأنها الأمّة التي انغرست فيها روح العقيدة السماوية بأصالة، وذلك بحُكم الخاتمية.
نحن حملة الوحي وصانعي طبوع البرّ والإحسان بما أناط الله تعالي بنا شرف تبليغ أزكى رسالاته إلى الأرض وإلى العالمين. فمدَنيتنا القرآنية لا تحول، وهي محفوظة بنصّ ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾(الحِجْر:9).
—————————————————————
المصدر: سليمان عشراتي، الانبعاث الحضاري في فكر فتح الله كولن، دار النيل للطباعة والنشر، ط 2، 2013، صـ 62-64.
ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.