إن التأثير في الآخر يتحقق عن طريق الظهور المدني والصناعي المتميز، وبما تكسبه الأمم في مجال التدافع والتنافس، وهو ما لم نتهيأ له بعد. إذ أغلب الأقطار الإسلامية رهن التخلف، ويتحقق التأثير كذلك بالمسلك المثالي، والرجاحة المعنوية المعبرة.

لا بدّ للدعوة أن تعمل على بث الطمأنينة في البيئات التي تنشط فيها، حتى داخل المجتمع الإسلامي. وإن شرط الاستئلاف أمر أساس في كل جهد تنويري، إذ إن الثقافة المعاصرة صلَّبت في النفوس روح التعنت والاعتداد، وطمست في الضمائر منابض الإيمان والقداسة، لذا بات يتعذر على الداعية ورجل الخدمة أن يحقق الهدف التنويري ما لم يتسلحْ بترشيدية تأخذ بعين الاعتبار سيكولوجية مدنية الراهن، واستفحالات الغلظة والتهمج الروحي فيها، وأن يدرك مدى ما يسكن قلب هذه المدنية من كراهية وتحامل شرس على الإسلام بخاصة. وإذا كانت الحال هكذا فكيف للمسلم أن يتسبب في تهييج الجموع المسعورة ضده، وهو يرى أن سياسة الإثارة والاستفزاز والعدوان باتت من صميم أيديولوجية بعض الأوساط الغربية في رؤيتها للإسلام.

 بات يتعذر على الداعية ورجل الخدمة تحقيق الهدف التنويري ما لم يتسلحْ برشد يأخذ بعين الاعتبار سيكولوجية مدنية الراهن، واستفحالات الغلظة المعنوية، وأن يدرك مدى ما يسكن قلب هذه المدنية من كراهية وتحامل شرس على الإسلام بخاصة.

تميز حضاري منشود:

إن التميز التشكيلي المنتظر أنْ تحققه الحضارة المنشودة، يكون ذا معنى وفحوى متى حرص على إرساء خصوصيات الإسلام، وإبراز كفاءة هذا الدين المثالية في التجاوب مع مطامح الإنسان، بغضّ النظر عن زمان هذا الإنسان ومكانه. إذ كما يوفر الإسلام للإنسان شرط التحصين الذي يقي الإنسان من مخاطر الزلل التي طفقت تعصف بالمدنيات عبر العصور، يوفر كذلك له شرط الحرية وإفساح المجال واسعاً أمامه لأنْ يستثمر إمكاناته في الخير والتعمير وتحقيق دوره في الخلافة في الأرض.

 قتل الإنسان الغربي “فكرة الألوهية”، وها هو يقتل نفسه. وإن استنقاذ البشرية من مصيرها المشؤوم لا يكون إلا على يد المسلمين ووفق تعاليم الإسلام المتميزة.

وفي انتظار تهيُّئ الشروط التي تمكّن من إرساء مدنية الإسلام، على الأمة أن تعمل بلا كلل على تحقيق التميز، وسد باب التردي. إن السد الذي أخبر القرآن بأن ذا القرنين أقامه حاجزا بين أهل الإيمان والكفر، يجدر بنا أن نقيمه على الصعيد المعنوي، لكي يقينا من رياح التدمير، ريثما تتهيأ الشروط، فننهض ونعود لحماية العالمين من شرور النفس وزيغها المدمر.

————————————————

المصدر: سليمان عشراتي: “الانبعاث الحضاري في فكر فتح الله كولن”، دار النيل للطباعة والنشر، ط 2، 2013، ص: 178-179.

ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.