تتمتَّع الشورى والوعي الجمعيّ -وفقًا لِرَأْيِ فتح الله كُولَنْ- بأهـمّـيّة لا غِنى عنها بالنسبة لأيَّةِ حركةٍ إيجابيّة، فهو يرى أن الوعيَ الجمعيَّ هو العقلُ والفِكرُ المشتَرَكُ بين الأشخاص المثاليّين الذين يُفَكِّرون في مصلحة المجتمع؛ فَيُقَدِّمونها على مصالِحِهم الشخصيَّة، متلاحمين مع حاضر المجتمع وغَدِهِ مندمجين معه، سائرينَ على الأمل والوفاء والإخلاص والصدق، مختارين الفناءَ والتواضعَ والمحويّة بدلًا من الشهرةِ، مُؤْثِرِينَ الآخرينَ على أنفسِهم، معتبرينَ التفكيرَ في ذلك أمرًا أساسيًّا بالنسبة لهم، وهذا الفكرُ والعقلُ مع اعتمادِهِ على الله تعالى في كلِّ أمره؛ فهو لا يُخطئُ التدبيرَ في كلِّ عملٍ يُباشِرُهُ، فيأخذ بكلِّ الأسباب اللازمة، حسَّاسٌ لأقصى درجةٍ في مواجهةِ ما يحدث من حولِهِ، لا يتصرَّفُ بمشاعِرِهِ لا في الأعمال الدنيوية ولا الأخرويّة، يَزِنُ كلَّ حملاته وحركاته بميزان رضا الله تعالى، لا يتناقض ولا يتضادّ مع الأشياء والحوادث، يتحرَّكُ حركةً تُوافق القوانين الإلهيّة التي هي موضوع العلوم المتعلّقة بالحياة والكون .
الفردَ المنغلِقَ على أفكاره الشخصية، الذي لا يحترم آراء غيره يتعرضُ لمزيد من الأخطاء والكبوات -وإن كان سليمَ الفِطرةِ ساميها، راجح العقل والفكر.
ويرى فتحُ الله كُولَنْ الشورى “وصفًا حيويًّا، وقاعدةً أساسيّةً”، وأنها الشرطُ الأوَّلُ لصحّة وسلامة أيّ شأنٍ أو قرار، ويقول:
“تأكَّدَ وتبيّنَ أن ما اتُّخِذَ من قراراتٍ تتعلَّقُ بالفرد والمجتمع دون تروٍّ في التفكير، ودون استماعٍ لآراء الآخرين وانتقاداتهم انتهى في كثير من المرّات بخسرانٍ ونتائجَ وخيمة”.
فيرى أن الفردَ المنغلِقَ على أفكاره الشخصية، الذي لا يحترم آراء غيره يتعرضُ لمزيد من الأخطاء والكبوات -وإن كان سليمَ الفِطرةِ ساميها، راجح العقل والفكر، بل حتى وإن كان داهيةً- أكثر من أي إنسان عاديٍّ بسيطٍ يأخذُ بمبدإِ الشورى في كلِّ آرائه، ويدافع عن الشورى قائلًا:
“الإنسان الأعقلُ هو الأعظم اعتدادًا والتزامًا بالمشورة، واستفادة من أفكار الآخرين” .
ويذهب كُولَنْ إلى ما هو أبعد من ذلك فيقول:
“ولا ينجو الـذي يكتفي في عملِهِ وبرامجِهِ بأفكارِهِ، أو يسعى لفرضِها على غيره؛ من فقدان قدرةٍ حركيَّةٍ مهمَّةٍ، وَزِدْ على ذلك نفورًا وكرهًا واستثقالًا يلقاه ممّن حوله لا محالة، فالمشورةُ هي الشرطُ الأوَّلُ لاستحصال المرءِ خيرَ حاصلٍ من كلِّ عملٍ يعمله، كذلك هي الوسيلة المهمَّة لاسـتمداد قدرةٍ تزيد على قدرتِهِ وطاقتِهِ أضعافًا مضاعفةً، فينبغي إجراءُ أوسع استشارةٍ وتحرٍّ قبلَ مباشرةِ أيِّ عملٍ من الأعمال، والجدُّ في الأخذ بالأسـباب والتدابير، حتى نتجنَّبَ الوقوعَ في تصرُّفات مُضِرَّة تُضاعِفُ المصيبةَ في النتيجة، مثل تَجْرِيحِ القدَرِ أو اتِّهامِ الوسطِ القريب” .
إن فتح الله كُولَنْ إذ يُؤَكِّدُ على الشورى دائمًا يقفُ ويركِّزُ بحساسيّةٍ شديدةٍ على أن هذا العصرَ هو عصرُ الوعي الجمعيِّ.
إن فتح الله كُولَنْ إذ يُؤَكِّدُ على الشورى دائمًا يقفُ ويركِّزُ بحساسيّةٍ شديدةٍ على أن هذا العصرَ هو عصرُ الوعي الجمعيِّ ولا يُمكنُ الوصولُ إليه إلا بإبداءِ كلِّ ذي رأيٍ رأيَهُ وبإفصاحِهِ عن فِكرَتِه، ويؤمن بأنه يمكن عَبرَ ذلك فحسبُ تحقيقُ وتطبيقُ الأفكار والنيات التي تبنّاها الجميع والْتَفُّوا حولَـها واستقرَّتْ في القلوبِ والأذهانِ، ويستشير مَنْ حولَهُ ومَنْ يَثِقُ في علمه من الأشخاص حتى في المسائل المتعلِّقة به شخصيًّا، ولذلك يستطيع كلُّ صاحبِ رأيٍ أو فكرةٍ أن يُصرّح برأيه أمامه، ناهيكم عن أن فكرةَ التسلسلِ الهرميّ، ومظنَّةَ أن أفرادًا أسمى من غيرهم، وحسّ السبقِ والتفوُّق، مِنْ أكثر الأمور التي تُزعِجُ فتحَ الله كُولَنْ.
المصدر: علي أونال، فتح الله كولن ومقومات مشروعه الحضاري.