بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام علي سيدنا محمد خاتم الرسل والنبيين

 أتحدث اليوم عن المفكر فتح الله جولن مؤسس حركة الخدمة التي تنتشر في بقاع المعمورة كافة.. ولعلي أتوجه الي طلابه لأهنئهم بما نالوه من ذخيرة علمية ودينية  وروحانية بقربهم من العلامة الكبير.. فهنيئا لهم .. فا أنتم ثلة من أبطال القلوب وفدائيي المحبة وعشاق العلم وناشرو رسالة نبيلة هي رسالة إعمال العقل.

وربما أسرد علي الطلاب بعض مناقب الأستاذ وكلهم مدركين لها قبلي..ولكني ربما أغوص فيما قاله الأخرون عن المفكر جولن الذي بدأ حياته بتعريف أهمية القراءة لأنها توسع مدارك الإنسان وتحلق به في فضاءات فسيحة لتجود علينا بعلم غزير وأفكار خلاقة لما يجب أن يكون عليه أي مجتمع راق ومتحضر..

وأبدأ بما قاله الدكتور جون باول في كتابه الرائع”فتح الله كولن..حياة في الخدمة..لماذا يحظى عالم مسلم مقيم في بنسلفانيا باهتمام العالم” إن الاستاذ عندما نشر مدارس الخدمة في افريقيا..لم تكن قاصرة علي المسلمين هناك، بل كان أغلبية الطلبة من المسيحيين..ما يعني انتفاء فكرة التحيز عن حركة الخدمة.

 مثال آخر ضربه باول في الكتاب عن نبذ المفكر جولن للعنصرية بل مقتها.. فعندما افتتح مدارس الخدمة في منطقة كردستان العراق تعرض لاتهام أنه ينشر يستغل مدارسه كهيئات دعاية للايديولوجية التركية..ولكن الاستاذ رد علي هذا بقوله:تهدف حركة الخدمة الي الالتزام الاخلاقي وبناء السلام والحفاظ عليه..وتوفير تعليم علي مستوي عال يوازي المستوي العالمي… للحاق بركب العالم المتقدم في ظل احترام الاعراف المحلية..كل ما يهمنا هو بناء حوار وتوافق وتمهيد الطريق للابتكارات العلمية والتكنولوجية وتعزيز السلام العالمي.

يدافع الدكتور جون باول في كتابه عن كل الاتهامات التي تعرضت لها الخدمة، فهو يوثق كيف كانت مدارس الخدمة تلتزم  بالشفافية مع كل منطقة تعمل بها..ليس هذا فقط.

ويقول االكاتب: كان جولن يدعو في الحقيقة الي السلم وينبذ الارهاب، بل كان يعتبر التعليم هو البديل الحقيقي للعنف وسفك الدماء في أي منطقة.

وينقل عن الاستاذ قوله:  علينا أن نبني للمستقبل ونترك آلام الماضي وراءنا..كما يجب علينا ايضا الامتناع عن المشاركة في اي نوع من انواع الصراع والقتال أو التحريض علي أسس عرقية أو طائفية…وعلي الناس ان يحرصوا علي عدم تأجيج الكراهية واستفزاز الايديولوجيات المختلفة.. ويجب منح فرصة للتضامن والعمل الخيري والجماعي علي قواعد ثقافية واقتصادية.

 فالتعليم في مدارس الخدمة كما رآه الاستاذ والمعلم والمفكر جولن استهدف توليد القيم الاجتماعية التي تمنع الصراعات المادية.

 حقا.. يا له من عطاء وسمو فكر، أن يدعو المفكر جولن الاتراك الذين يعيشون في أوروبا علي السعي لتحقيق الاندماج الكامل في البلدان المضيفة..مع الحفاظ علي ممارسة شعائرهم الدينية..وأن يكونوا جسرا لنقل الثراء الثقافي والديني الي المجتمع الاوروبي

 وفي إطار الصفات التي عددها الدكتور جون باول عن الاستاذ، قال إن المعلم جولن دعا الي التراحم لأنها خلق  وطريق السلام ودليل علي مجتمع متحضر..وينقل عنه قوله: يمكن للشعب أن يحلم بمستقبل مشرق.. وأن خلاص المجمع ككل يتحقق عن طريق ضمائر حرة وإزالة العراقيل من أمام الديمقراطية..ويمكن للرحمة وحدها ان تنقذنا جميعا

ومن هنا كانت دعوة الاستاذ الي التراحم وسيلته في خلاص المجتمع معتمدا علي نوع مختلف من القوة أكثر من القوة المطلقة..وأن إحياء القيم التي دُمرت في قلوب افراد المجتمع تأتي من خلال الشعور بأهمية الاخذ بيد الآخرين..ما يعني أن قدرة الفرد علي ممارسة رحمة الله التي تربط بين السلوك الشخصي وسعادة المجتمع هي ما تجعلنا نضع في الاعتبار دوما أن حياة المرء هدفها الارتقاء بالاخرين بعيدا عن المصلحة الشخصية.

 كما رسخ المفكر جولن في طلابه دور حقوق الانسان في الدين الاسلامي وأن العمل علي إقامة السلام هو إعلاء لرحمة الله في الدنيا وكذلك في الآخرة.

 كما رسخ الاستاذ في طلابه ان السعادة ليس بما ننفقه أو نجمعه من أموال..ولكن السعادة هي ما تحمله انفسنا من طمأنينة وآمان واستقرار ورحمة فيما بيننا..هذه هي أسس حركة الخدمة كما عرفتها عن قرب عندما تواصلت مع القائين عليها في مصر..حركة لم تكلف مؤسسها سوي العزيمة والصبر والاجتهاد..

لماذا؟

لأنه صنعها بفكره وعقله..ومن همي سُمي بالمفكر والأستاذ والمعلم..فقد عمل مجاهدا علي تصدير الإسلام وتعاليمه السمحاء الي كل بقاع الأرض

شرقا وغربا

شمالا وجنوبا

فاجتمع حوله ملايين الطلاب والباحثين والمريدين

تعلموا منه صحيح الإسلام برحمته وفقه السنة الرشيدة..ليكونوا رسل سلام ومحبة وعلم الي الآخرين..وليكونوا مثل معلمهم الذي بدأ حياته بإعمال العقل..فانتشر فكره وامتد الي أجيال وأجيال..ويتخطي حدود بلاده الي شتي أنحاء المعمورة.

 لقد آمن طلاب المعلم جولن بسلاحه الضخم، الذي أشهره نحو العالم ليغزو به العقول والقلوب..سلاح عبارة عن كلمة وفعل.. لا يتناقضان..

ولم يكن سلاحه مدفع او دبابة يقتل بها القلوب والعقول والانسانية.

 وتحضرني هنا قصة قصيرة للروائي البرازيلي  باولو كويلهو الحائز علي جائزة نوبل للاداب..

وتحكي عن رجل كان يقرأ صحيفته مساء وطفله يلعب حوله ويزعجه ويشغله عن القراءة..فمرق صفحة من الجريدة بها خريطة العالم وقال لطفله : أعد تجميعها مرة أخري.. لعل الطفل ينشغل بهذا لمدة طويلة ويستمتع هو بالقراءة.

 فوجئ الأب بطفله يعود إليه بعد دقائق معدودة وبيده الصفحة وخريطة العالم، فسأله: كيف فعلت هذا بسرعة..هل درست الخريطة من قبل؟..رد الطفل بالنفي، ثم أدهش والده عندما قص عليه أنه اكتشف أن الخلفية للخريطة بها جسم إنسان، فأعاد تجميع الجسم بسرعة وبالتالي تمكن من تجميع الخريطة..

 المعني..أن من يبني إنسانا يستطيع بناء العالم والسيطرة عليه.

وهنا أكرر أن المفكر ..العلامة..فتح الله جولن اكتشف هذه الحقيقة منذ بدء العمل العام

 فعمل عيل بناء الإنسان عن طريق مخاطبة العقل، فبني مجتمعا متعلما صالحا مؤمنا ..فكانت حركة الخدمة سلاحه الذي خاطب به العقول لينتشر بفكره وعلمه وتعاليمه وأفكاره، وليخرج من حدود بلاده الي  حدود أرحب.

فالمفكر جولن تمكن من غزو العالم بأدراكه السليم للاسلام واستطاع تجنيد آلاف البشر مجانا باسم الدين والإسلام عبر مخاطبة العقل.

فهذا هو سلاحه لتصدير أفكاره..لم يطلق رصاصة واحدة في وجه أحد وإنما اطلق الاف الحكم والمواعظ لتستقر في عقول طلابه ومريديه وتلاميذه الذين يتكاثرون كالعشب.

فالعلامة جولن كالبوصلة والشمس..

القلوب تتجه إليه..وتنتظر دفئه دائما في وقت وحين.

إذا أردنا تعريف فتح الله جولن..

فليس هناك سوي كلمات قليلة

فهو

الإنسان

        المفكر

                    الداعية

                              المسلم الحق

فهو نعم الإنسان..المعلم..العلامة..عمل طوال حياته علي تعليم الإنسان والسمو بفكره وعقله

 إن حلم المفكر جولن لن ينتهي..فهو بني أجيال واعدة..وعمل من أجل سلام فاق العقل وتخطي الحدود الظاهرية للمكان والزمان..ولم يعمل من أجل تولي منصب، فالسلطة في فكره تكمن في الحق وان سلطة تقام علي غير ذلك فقد حكم عليها بالفشل..ومن هنا ستظل حركة الخدمة علي العهد دوما..حركة علم وسلام .

 خاتمة..

 كتب الاستاذ جولن قصيدة بعنوان “مغترب” يتمني فيها العودة الي وطنه من منفاه في امريكا..ولعل بعض كلماتها تعبر لنا عن مدي ما يعانيه المهاجر قسرا تاركا بلاده..تقول بعض الابيات:

لقد نسيت فرحي ومرحي

منذ اليوم الاول الذي تركت فيه وطني

إنني اليوم أتوق الي تلك الايام الخوالي

الغربة تشغل عقلي دائما

فليس في السماء رعود تقرع

لا يحيا الجمال في النقوس هنا

وبساتينك يا وطني لا تفارق مخيلتي

فأين أيام الربيع الخضراء

انهض أيها النور

انهض من أعماقي

ارزقني صوتا من أغانيك القديمة

 وإذا كان المفكر جولن قال :”المؤمنون مثل الاشجار..يظلون أحياء ما داموا يثمرون”.. فشجرته ضاربة في جذور الأرض..وثماره ستظل مثمرة.. وأنتم أيها الفرسان ستظلون أيضا منارة تشع علما وإنسانية..وتشع قلوبكم محبة..فا أنتم نبراسا لقيم الإنسانية ومنارة لنشر الطمأنينة والسلام.