من رهانات المُصلح المنتخب الثابتة، العمل بلا هوادة على تحقيق الترقّى بحياته إلى مرتبة أهل الكمال، ليمثل -بحقّ- “الحلقة الذهبية” الرابطة بين أجيال السلف والخلف، وأن يصير روحا مكرَّمة تستمد وهجها النوراني وطاقتها وبركتها من سائر مصادر الإيمان، وتغتني بأسباب الاقتدار عبر تمثل سيرة أهل الحق ورموزه، بدءا بمحمد صلي الله عليه وسلم وسنّته الْمُشرَّفَة، ومرورا بكافة الصفوف من أرباب الاجتهاد في كل عصر ومصر.. بحيث يستحيل كَينونة كبرى، لها إشعاع بسعة الأرض ورحابة الآفاق، لأن روحه كسرت -بفضل العمل الباهر- قيد المحدودية، وامتلكت صبغة الكاريزْما وهوية الإنسان الكامل.
يعمل المُصلح المنتخب بلا هوادة على تحقيق الترقّى بحياته إلى مرتبة أهل الكمال، ليمثل -بحقّ- “الحلقة الذهبية” الرابطة بين أجيال السلف والخلف.
مكابدة المصلح الرباني
الجهد التحولي الذي يكابده الرباني، يراهن على بناء هوية استمدادية إمدادية، فهو لا يفتأ دائباً على تلقّي الحظوظ الماسية، يغترفها من النبع القدسي، كتابا وسنّة، ويستلهما من الاقتداء بسيرة الواصلين، ليعود بكل الغنائم المجتناة في ذلك السبيل الجهادي، ويضعها بين يدي العالمين.
إن حبّ احتلال الصدارة الذي نراه يحتدُّ لدى أهل الدنيا، يتحول عند أهل الكمال إلى إصرار على التماهي في نماذج الكمال من السلف، والتَّوحد معهم، والإمعان في تمثُّل مآثر الكاملين ومناقبهم، وتزكية الروح والقلب والوجدان بنفحاتها، وهو ما يجعل من المقتدي مكافئا للمقتدَى بهم، ومن الفرع أصلاً، ومن المتدرج مثلاً ونموذجاً وقواماً.
إن قراءة كولن للسنة الشريفة هي قراءة طافحة بالمواطن التي تكشف مدى عمق هيامه بشمائل السمو والسلوك التي طفق الرسول يحرِّض عليها ويرغِّب فيها.
إن الجهد المبذول لجهة إِناطة الذات بالنماذج العليا من أهل الكمال، هو النهج الصعب الذي يمضي عبره العبد الصالح وهو يؤدي دَوره في قيادة الأمة.. إذ التربية التي يمارسها الصالح المصلح تبدأ لديه، بالنفس -نفسه هو- والاعتلاء بها، لتشارف القمم، ولتجاور أهل الذرى.. فإذا تأتَّى له بلوغ ذلك المستوى، تهيّأ له عندئذ أن يرود الفئات بلا عناء، فلكأن القوة التي أضحى يبذلها في القيادة والزحف، هي من جنس قوة الأبرار ومن صنف نفاذية أهل الصُّلاَّحِ الخالدين.
إن عكوف كولن على مدارسة السنة، كان مبعثه الإرادة الجارفة لتمثل تفاصيل تلك السنة، وهضم مفردات ذلك الخلق العظيم، والأخذ به قلْبيًّا وحياتيًّا ودعويًّا.
قراءة “كولن” للسنة النبوية الشريفة
إن قراءة كولن للسنة الشريفة هي قراءة طافحة بالمواطن التي تكشف مدى عمق هيامه بشمائل السمو والسلوك التي طفق الرسول يحرِّض عليها ويرغِّب فيها. وإن عكوف كولن على مدارسة السنة، كان مبعثه الإرادة الجارفة لتمثل تفاصيل تلك السنة، وهضم مفردات ذلك الخلق العظيم، والأخذ به قلْبيًّا وحياتيًّا ودعويًّا.
إن مستوى الاستبطان الاستيعابي الذي قرأ به الأستاذ “كولن” وقائع السنة النبوية الشريفة، وتفحص أحداثها ومواطن الاعتبار فيها، هو الأساس الذي بنى عليه فهمه للدين، وأرسى فوقه دعائم فقه التيسير والاعتدال الذي يدعو إليه، وينادي به.
——————————–
المصدر: سليمان عشراتي، الانبعاث الحضاري في فكر فتح الله كولن، دار النيل للطباعة والنشر، ط 2، 2013، صـ92-93.
ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.