لقد من الله تعالى على العبد الضعيف كاتب هذه السطور، بزيارة تاريخية لأحد معاقل العلم ببلاد المسلمين في أرض الكنانة مصر. وقبل تقليب النظر حول بعض أعمال وأعلام هذه الزيارة وأخذ العبر، أجدني مطوقا بالشهادة على معلمة الشريف الأزهر، التي يصدق فيها قول الشاعر:
سألت البذر في ليل الصحاري لماذا لست تظهر في النهار
فقـال أنــا ألاحق نـور شمس وأعشقها فتلك هي اختياري
لطالما قرأت عن جامعة الأزهر و درّستُ ذلك لطلبتي وأنا أفاخر بالمعاقل العلمية في عالم المسلمين، وخاصة جامعة الأزهر الشريف وجامعة الزيتونة ثم جامعة القرويين. لطالما وقفنا على بيان الوضع العلمي والمعرفي المتميز الذي كان عليه حال أمتنا، في زمن كنت لاتجد فيه من يفك رموز الخط أو يتلو رسالة، كما قالت الأكاديمية الألمانية “زيغريد هونكيه”.
لقد تشرفت في رحاب جامعة الأزهر المنيفة بالتعرف على بعض أعلامها المقتدرين وتبادل أطراف الحديث معهم، من أمثال الشيخ العالم الفاضل “الدكتور محي الدين عفيفي”، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية؛ و الشيخ الفاضل الدكتور “جمال فاروق” عميد كلية الدعوة. وقد كنت في غاية السرور وأنا ألاحظ مستوى ووعي هذين العالمين الجليلين بالظروف التي تمر بها أرض الكنانة بوجه خاص، والأمة الإسلامية بوجه عام. كما زاد من أملي في غد أفضل ما سمعت منهما حول واقع وآفاق جامعة الأزهر، من حيث الشكل كما المضمون. أما من حيث الشكل فإني أحي عاليا، بل أشد على يد كل من ساهم من قريب أو من بعيد في استصحاب جامعة الأزهر لما عُرف عن جامعاتنا الإسلامية العتيدة عبر التاريخ من تكامل في المعرفة وشمول في الرؤية. الشيء الذي لم يبق له نظير بخصوص أخواتها الزيتونة و القرويين .
الذي يثلج الصدر أن تجد توافقا غريبا في فكر الأستاذ كولن وعدد كبير من أعلام وشيوخ الأزهر اليوم. بخصوص تحصين الأمة بالعلم وتحملها المسؤولية التاريخية في مهمة الإحياء الحضاري.
و إنه لو افتخر الشعب المصري الأبي بشيء، لحق له أن يفخر بجامعته الأزهرية المنيفة. هذه الجامعة التي طالما تغنى بها المسلمون في كل بقاع العالم، نظرا لما تقوم به من أدوار ريادية في عملية الإحياء الحضاري للأمة. و بهذه المناسبة أجدني محاطا بآهات الماضي وأشواق المستقبل. آهات التيه العلمي والحضاري الذي يطارد أمتنا كلما غفلت عن مقومات نهضتها و ريادتها. آهات المسؤولية الملقاة على عاتق علمائنا ومؤسساتنا العلمية نحو الأمة بل تجاه الإنسانية جمعاء. وحفظ الله الشيخ الفاضل و الداعية الكبير فتح الله كولن الذي طالما ردد هذه الآهات تحرقا على وضع الأمة وأملا في انعتاقها من كل عقال. يقول الرجل:”إن أمتنا ابتداء، ثم الإنسانية جمعاء، بحاجة ماسة إلى فكر سام يقوي إراداتنا، ويشحذ هممنا، وينوّر أعيننا، ويبعث الأمل في قلوبنا، ولا يعرضنا للخيبة مرة أخرى. نحن بحاجة شديدة إلى أفكار وغايات وأهداف سامية، ليس فيها فجوات عقلية أو منطقية أو حسية، وتكون محصَّنة ضد النواقص التي ذكرناها آنفاً، وصالحة للتفعيل والتطبيق بأقصى درجة كلما سمحت الظروف.”
لو افتخر الشعب المصري الأبي بشيء، لحق له أن يفخر بجامعته الأزهرية المنيفة. هذه الجامعة التي طالما تغنى بها المسلمون في كل بقاع العالم، نظرا لقيامها بأدوار ريادية في الإحياء الحضاري للأمة.
والذي يثلج الصدر هو أن تجد توافقا غريبا في فكر الأستاذ كولن و عدد كبير من أعلام وشيوخ الأزهر اليوم. بخصوص تحصين الأمة بالعلم وتحملها المسؤولية التاريخية في مهمة الإحياء التي تعد هاجس العلماء والدعاة عبر التاريخ. وإن نسيت فلا أنسى دعوة الشيخ الجليل والعالم الكبير سعيد النورسي رحمه الله حين اتخذ على عاتقه مهمة الإحياء عبر العمل على إنشاء جامعة شبيهة بجامعة الأزهر و اختار لها اسم”الزهراء” تأسيا بالأزهر الشريف. إلا أن خصومه حالوا دونه وهذا المشروع العلمي الإحيائي الكبير. وشاءت الأقدار أن تجد آمال الشيخ النورسي من المخلصين من يتلقفها ويحتضنها بأرض الكنانة و في قلب جامع الأزهر وجامعته، و ذلك من خلال بحوث العديد من الطلاب المقتدرين، ودروس نخبة من شيوخ العلم العاملين أمثال فضيلة الشيخ “فتحي حجازي” الذي شرع ومنذ زمن في دراسة وشرح كتاب”النور الخالد” في السيرة النبوية العطرة للأستاذ فتح الله كولن. والمطلع على هذا الكتاب سيجده دراسة للسيرة النبوية بروح العصر، وأفكار الشيخ “كولن” التي يتقاسم فيها مرارة التخلف والفقر والفرقة التي تعيشها الأمة الإسلامية. مرارة مليئة بأنفاس الشيخ النورسي عبر دعواته الشاهدة، الأمة الإسلامية للرجوع إلى روحها الملية وعقيدتها الإيمانية.
وأنا أتنقل بين مجالس هؤلاء الرجال الكبار، وأشنف سمعي بجميل كلامهم المعطار، تجول في خاطري مشاهد المعاناة التي كابدها الشيخ النورسي رحمه الله من أجل بلوغ الأمة بر الأمان، عبر جناحي العلم والإيمان. وأجدني أطيل التفكير في واقع جامعة الأزهر المشرفة، فتتزاحم في خلدي شجون جامعة “الزهراء” وأهلها قديما وحديثا، ثم أرجع لنفسي متسائلا حول معاناة الأمة اليوم: لعلها صفعة القدر لتخليصنا من بعض أدرانها؟ أو هي محنة في طيها منح لايعلمها إلا باريها، فهو ولي ذلك والقادر عليه سبحانه.
هذا غيض من فيض الرحلة الأزهرية إلى الديار المصرية، التي سأحاول في مقبل الأيام – إن شاء الله تعالى- أن أذكر بعضا من نسماتها، وأخط قليلا من دروسها وعبرها؛ حيث خالطت حضارة نيلها طيبة قلوب قاطنيها، ثم زكتها روح الدين حتى غدت ساحة غناء تسر الناظرين. (يتبع)