تمرُّ تركيا “أردوغان” حاليًا بأسوأ عصور الحريات منذ عقود مضت، ولا سيما بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016م، الذي وصفته عِدَّة تقارير دولية بـ”بالمدبر”. وأصبح هناك ما يُشبه الإجماع لدى الحقوقيين والمحلِّلين على تراجع الديمقراطية في تركيا بشكلٍ متسارع.
سياسة أردوغان القمعية التي أدت إلى اعتقال آلاف المدنيين والعسكريين، وتوجيه أصابع الاتهام للمنتمين لحركة الخدمة بالمسؤولية عن الانقلاب ودعم الإرهاب دون أي سندٍ قانوني أو دليل يدعم تلك الاتهامات؛ أوجد في قلوب الآلاف منهم يقينًا بأن بلدهم تفتقر لأبسط قواعد المحاكمات العادلة؛ مما دفعهم للهروب من جحيم أردوغان وتقديم طلبات لجوء إلى كندا وألمانيا واليونان ودول أوربية أخرى.
زيادة مطَّردة في أعداد المهاجرين
ارتفع عدد المهاجرين القادمين من تركيا إلى أوروبا في الفترة الأخيرة ارتفاعًا غير مسبوق، حيث نُقل عن معهد الإحصاء التركي قوله: إن “عدد مَن هاجروا من تركيا عام 2017 وصل إلى 250 ألفا و640 شخصًا بواقع 42%، كما أن الشريحة العمرية الأهم بين المهاجرين تدور بين 25 و29 عامًا.
كما كشف تقرير أعده حزب الشعب الجمهوري، حول استنزاف العقول، أن عدد الأتراك الذين يرحلون عن البلاد زاد 63% العام الماضي، ليصل إلى نحو 113 ألفا في 2017.
ارتفاع مستمر في طلبات اللجوء
من ناحية أخرى كشف تقرير صادر عن مكتب دعم اللجوء في أوروبا بعنوان “وضع اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي في عام2017” تزايدًا في أعداد اللاجئين الأتراك المقبول طلبات لجوئهم التي تقدموا بها إلى الدول الأوروبية.
حيث بلغ إجمالي طلبات اللجوء التي تقدم بها الأتراك إلى الدول الأوروبية مرحلة جديدة بعد تسجيله زيادة بنسبة 42 في المئة، ففي عام 2016 وصلت أعداد طلبات لجوء الأتراك 10 آلاف و660 طلب لجوء، وفي عام 2017 ارتفعت هذه النسبة بواقع 46 في المئة لتصل إلى 15 ألف و570 طلب لجوء.
ألمانيا في المقدمة
تصدرت ألمانيا قائمة أولى الدول التي تقدم الأتراك بطلبات لجوء إليها بواقع 52 في المئة، وفي عام 2017 ارتفع عدد الأتراك الذين لا تزال السلطات الألمانية تبحث إجراءات لجوؤهم بنسبة 40 في المئة ليصلوا إلى 19 ألف تركي.
كما ذكر تقرير أعدَّته جريدة Deutsche Welle الألمانية أن مكتب دعم اللجوء في الاتحاد الأوروبي قد كشف عن نتائج دراسة أجراها حول أعداد طلبات اللجوء المقدمة من مواطنين أتراك، مشيرًا إلى أن عددها وصل إلى ألفين و880 طلبًا خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2018، كما أوضحت الدراسة إلى أن عدد المواطنين الأتراك الذين ينتظرون الرد على طلبات لجوئهم سجلت 17 ألفًا و300 مواطنًا تركيًّا، مشيرًة إلى أنها الأعلى في تاريخ طلبات اللجوء التركية.
في النرويج تجاوزوا السوريين
في تقرير عن حالة اللجوء عام 2018 الصادر عن جهاز الشرطة النرويجية كشف أن الأتراك تصدروا عدد اللاجئين، بعدما كان السوريون والصوماليون والإريتريون بالمراكز الأولى في السنوات الماضية، حيث تخطى عدد الأتراك اللاجئين بالنرويج عام 2018 السوريين الذين تحولت بلدهم إلى ساحة للنزاعات الدولية، بـ765 شخصًا يليهم السوريون بـ 465.
استنزاف العقول التركية
هذه السياسة القمعية تسببت في نزوح الآلاف من خيرة العقول التركية خاصة العاملين في قطاع تكنولوجيا المعلومات، الذين كان معظمهم من المدربين المحترفين في مجال تطوير البرمجيات والذين قد بلغ عددهم ما يقرب من 24 ألف مهندس.
رئيس جمعية الصناعة التركية للبرمجيات، أُفق جونيش، أبدى قلقه من تزايد هجرة مطوري البرمجيات قائلاً: ” حاجتنا لأشخاص مؤهلين تتزايد بسبب وجود مستوى خطير من الهجرة إلى دول أجنبية.. ففي الآونة الأخيرة انتقل عدد كبير من مطوري البرمجيات الشباب إلى دول أجنبية، وما زالوا يرحلون”.
خوف مبرر
هلع الأتراك من حملة الملاحقة الأمنية المسعورة في البلاد، تفسر تزايد أعداد الفارين، حيث تمتلئ سجون النظام التركي-بحسب مركز ستوكهولم للحريات نقلاً عن إحصائيات أصدرتها وزارة العدل التركية-بأكثر من 260,144 شخصًا مسجونون في مختلف أنحاء البلاد، بتهم دعم الإرهاب أو محاولة قلب نظام الحكم أو الانتماء لحركة الأستاذ فتح الله كولن، في حين أن 82 ألفًا من هؤلاء المعتقلين لم توجه لهم أية تهمة حتى الآن.