عدالة الإسلام ثابتة، ولا مراء فيها فيما يخص مراعاته لحقوق الإنسان، وصيانته للكرامة البشرية، وعدم تمييزه بين العباد (إلا بالتقوى)، وفتحه المجال أمام كل من ينتسب إليه ليكون بأهليته وكفاءته صاحب شأن ورأي ومسؤولية حيال الأمة، والإنسانية جمعاء. لأن الإسلام لا يعترف بأدنى امتياز للمسلم على غير المسلم فيما يخص الحقوق الإنسانية العامة، فكلنا عباد الله، بل على العكس من ذلك، يفترض الإسلام على الذي انتسب إليه، أن يكون مسؤولاً عن الخلائق مسؤولية نفع وإصلاح: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ..﴾(آلِ عِمْرَان:110). وهذه آية إلزام، وتكليف شرعي يقتضي من الأمة أن تتوفر على شرط القوة، حتى لا يُستباح الحوض، أو يُنتهك العرض.
من البديهي أن الأمة المستصغَرة، والضعيفة، والمغلوبة على أمرها، لا يمكنها أن تحوز منزلة الخيرية، أو أن تبلغ مرتبة إسداء المعروف، ومنع المنكر، ما ظلت على ضعفها وصَغَارها.
التقوي.. معيار إنساني يتسابق فيه الناس:
التقوى التي وضعها الله عز وجل معيارًا للقرب منه أو البعد، هي تلك الروح المفاعلة للناس، والمتساكنة مع المحيط بانضباط أخلاقي، وتعفّف جوارحي، وتماسك قلبي يلجم الأهواء ويكفّ في النفس الرغبة في التعدي والتجاوز.. فالتقوى بهذا الاعتبار هي الصفة الإنسانية التي يغدو بها العبد حائزًا على مرتبة الاحتساب والإحسان؛ حيث يضحى في مقام يحمد العباد جميعًا منزلته وإنسانيته؛ إذ يجدونها تفيض عليهم بالحسنى والمبرّة والحنو.
إن هذه الأسس الإنسانية التي يمتاز بها الإسلام هي التي ترشّحه في كل عصر، للانتشار. فليس هناك من يستطيع أن يطعن في مبادئ الإسلام، وفي إنسانيته، إلا المتعصب.. وإن تَمَنُّع خصومِه عن أن يفتحوا معه الحوار، لا يوجد له تبرير إلا خوفهم الأكيد من أن يُفتضَحوا ببضاعتهم في ساحة السجال.
هذه الأسس الإنسانية التي يمتاز بها الإسلام هي التي ترشّحه في كل عصر، للانتشار. فليس هناك من يستطيع أن يطعن في مبادئ الإسلام، وفي إنسانيته، إلا المتعصب.
“كولن”، والحراك الشامل:
يجعل “كولن” من الدعوة حراكًا شموليًّا، لا ينبغي أن يقتصر على الجانب التحسيسي والخدمي فحسب، بل إنه يرى أن الدعوة في إطارها الخدمي الحالي كما تنهض بها دفعات الشباب، وكما تتضافر لها اجتهادات أخرى من جهات أخرى، فردية وجماعية، رسمية ومدنية، اجتهادات ما زالت شبه جنينية وغير متصلبة بالخبرة والإمكانات التي لا تجعلها عُرضة للانقطاع، بل والتي هي في أحيان كثيرة مجرد مظهر من مظاهر المزايدة والتباهي والتستر عن التقصير والإخلالات المقترَفة في حق الله والأمة، إن الدعوة بهذا المستوى النشوئي الغض، لا يمكن أن يكون لها المحصول المجدي، والمنتَج الحاسم ما لم تندرج ضمن نهضة شمولية يضطلع بها المسلمون، وينخرطون في بنائها.. نهضة تراهن على إشهار النموذج الحضاري الإسلامي الذي يرى كولن أن كل الترديات الأخلاقية والاجتماعية والثقافية لحضارة الراهن المادية، تنتظره وتتطلع إلى بزوغه، كالفجر إثر ليل دامس.
—————————————-
المصدر: سليمان عشراتي: “الانبعاث الحضاري في فكر فتح الله كولن”، دار النيل للطباعة والنشر، ط 2، 2013، ص: 192-194.
ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.