ما زال فتح الله كُولَن منذ عقود علَمًا من الأعلام التركيّة المرموقة، اختير سنة 2008م «المفكِّرَ الأكثرَ تأثيرًا في العالم» في استطلاع رأيٍ عالميٍّ للمجلة الأمريكية الحائزة على جوائز عدّة «فورين بوليسي (Foreign Policy)» المتخصصة في السياسة الدولية، بالتعاون مع مجلة «بروسبيكت (Prospect)» البريطانية؛ جمع كولن بين العلوم الشرعية التي أخذها عن نخبة من علماء أجلاء في شرق تركيَا وبين دراسة مبادئ ونظريات العلوم الاجتماعية والطبيعية الحديثة.
ولما فاز في مسابقة الدعاة بامتياز سنة 1959م، اعتمدت الجهات المعنيّة في أنقرة تعيينه في مجال الدعوة؛ وقد تمكن من أن يصوغ لنفسه قالبًا دعويًّا وفكريًّا صارمًا.
نعم، كان كولن ينأى بنفسه عن سياسة الوطن وصراعاتها، إلا أنَّه لم يألُ في حضّ أبناء الجيل على أن يفعلوا ما عليهم فعله في سبيل الإصلاح ورفاهية الناس والعالم أجمع، ولتحسين أداء تركيا على المسرح العالمي؛ وبرهنت أفكاره المبتكرة عن إصلاح التعليم والمجتمع على مدى ما تتسم به من قيمة بالنسبة للمجتمع عامَّةً، وللجاليات المسلمة خاصَّةً.
لم يقتصر كولن -خلافًا لكثير من الدعاة والكتَّاب- على مِساحة ضيقة من الفكر التقليدي أو القوميّ، فلم يتّهم حكومات معينة في المآسي التي يعاني منها الناس، بل حمَل على عاتقه هموم المظلومين والمهمَّشين وراح يبحث لهم عن نماذج جديدة من الخطاب الدعوي؛ فلم يُعْنَ بدراسة وجهات نظر اجتماعية واقتصادية وسياسية معينة، بل عمَّت دعوته للإصلاح قِطاعات المجتمع كافّة.
وكان كولن ينأى بنفسه عن أيِّ إستراتيجية فيها مواجهة أو تحزّب سياسي، ويدعو دائمًا إلى توحيد الصف على أساس مبادئ الإسلام السمحة، وهذا نظريًّا ليس بجديد على التصوّف، فكثير من الحركات الصوفية كانت -حقيقةً- قريبة من المثل العليا التي ينادي بها كولن، علمًا بأنَّه لم يكن متصوفًا تقليديًّا ألبتة.
ويُعَدّ فكر كولَن وأتباعه نبتًا جديدًا في حقلِ الفكرِ الإسلامي ورعايةِ مصالح الناس بحسٍّ مرهف، وأخصّ بالذكر نشاطهم الفعّال وغذاء الروح اللذين تفتقر إليهما عدة حركات إسلامية معاصرة، أمَّا ما مُنِيت به بعض الحركات السياسيّة الإسلاميّة من فشل فلم ينعكس شيء منه على أسلوب كولَن في الكتابة أو الكلمة، ولم يحُل ظهور الجماعات الدينية الأخرى أو تقاليد الأديان الأخرى بينه وبين صياغة مُثُلِه العليا التي تقوم على ضرورةِ نشرِ تعليمٍ أساسُه القيم، وتنميةِ ما يستهدف الناس من غذاءٍ روحيّ ونشاط ثقافيٍّ.
وها هي ذي الإنسانية في العقود الأخيرة من القرن العشرين تُقبل بشغف على المثل الروحية العليا، فهي ملاذ لحماية ونمو البشر وهو أكرم من على وجه هذه البسيطة؛ يقول كولن في هذا المقام: لما تعرَّض كثيرٌ من القيم الإسلامية الحقيقية للضياع أو للتشويه لاذت جماعات وأحزاب دينية كثيرة إلى المبادئ الدينيّة، فأفرز ذلك قوى سياسيّة متعصبة أو متشددة، والأمر هو هو في العالم الغربي، فمطلع القرن العشرين شهد بداية تاريخ الأصولية المسيحية الحديثة.
ولما ظهرت دول قوميّة تدّعي أنّها إسلاميّة على خريطة السياسة في العالم، ونفثت أفكارًا متطرفة تنسبها إلى الدّين، أضرَّ ذلك بمحاولات إحياء القيم الإسلامية العالمية بصورة حقيقية؛ وتبين خُطب كولن وكتاباته مدى وعيه بما مُنيَت به حركات سياسية سالفة من إخفاق فكري في تعزيز القيم الخُلُقية المستنبطة والمنصوص عليها، كثيرةٌ هي البلدان الإسلامية التي حاولت أن تنهض، وكانت تتخذ من المُثُل القوميّة أساسًا لها، فكثير من الأتراك في السنوات الأولى للجمهورية ومثلهم العرب والفرس عمدوا إلى بناء دولة حديثة مزدهرة، قوامها المُثُل القوميّة، وكانوا يميلون إلى اتخاذ موقف تمييزي تجاه جميع أشكال التقاليد والمظاهر الدينية التي تقوم على معتقدات دينية.
وفي خضم اللعبة السياسية للاستحواذ على الحكم وتعزيزه أُسيء استخدام أسماء رموز إسلامية كثيرة، وطُعن فيها طعنًا شديدًا؛ فإذا بنداء كولن للوسطية والاعتدال يرتفع في لحظة فارقة تشعبت فيها قوى العالم الإسلامي المتشدّدة حول التشريع والعقائد، بدأ ينادي بالوسطية والأمانة والإخلاص لحماية مصالح الأمّة، دون نظر للانتماء الإِثْنِي أو تمذهب الناس على اختلاف أصنافهم.
وبينما سعى بعض الدعاة المعاصرين لكولن في العالم الإسلامي لقلب أنظمة الحكم، نجده لم يسعَ قط إلى الإطاحة بالحكومة العلمانية ليستبدل بها حزبًا سياسيًّا مرجعيته دينية، ولا يرى في ذلك خيارًا محتملًا للقضاء على فساد الدولة والنظام السياسي، بل يرفض ذلك؛ لأنه يعارض مبدأً جوهريًّا يتميز به التشريع ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ (سُورَةُ البَقَرَةِ: 2/256)، بل يرى أنه لن يحدث تغيير حقيقي في أي دولة أو مجتمع بالتحزب السياسيّ؛ فكان يحرص كلّ الحرص في مواعظه وكتبه على الموازنة بين الدعوة إلى تحقيق تعليم نموذجي، ونشر القيم العامّة لبناء مجتمع فاضل.
«رومي العصر الحديث» لقب أطلقه مفكّرون وكتاب كُثُر على كولن في تركيا التي دفن بها الرومي في مدينة قونية، وكان الرومي شاعرًا فيلسوفًا صوفيًّا، عاش في القرن الثالث عشر الميلادي، وله شهرة واسعة بين الأتراك والفرس على السواء، بل تنازعوا كثيرًا في أصله الإثني، لكنّ سلوكه الصوفي تجاوز الحدود القومية والطائفية. نعم، فمنذ ثمانمائة سنة لم يكن للانتماء القومي والإثني دور يُذكر لدى تحديد ما أسهم به المرء في الحضارة الإسلامية، واليوم يأتي كولن ليعيد هذا المعنى العظيم لدى ملايين الأتراك الحداثيين والمتدينين، وليس كولن بشاعر أو متصوف بالمعنى التقليديّ
أو النموذجيّ، وربما وُصِف بالصوفيّ لإصداره سلسلة في التصوف.
ونشاطه الدعويّ مكلَّل بالشفقة والرحمة للناس جميعًا، فلا تشمّ في كتاباته رائحة الكراهية لأحد، ولعل هذا من أسباب وصفهم له بالصوفيّ، ومنها أيضًا سمته المشهود في التقشف والتنسك.
وبينما لا يُطلِق المسلمون على كولن «مهاتما غاندي تركيا أو العالَم الإسلامي»، بدأ بعض الغربيين يطلقون عليه لقب «غاندي المسلم»[1]، فيروْن مواعظه وكتاباته قريبة جدًّا من الرومي وغاندي، فهو ينشد الحقّ دومًا للناس جميعًا بجمعه لهم على قضايا السِّلم والإنسانية دون نظر لعرق أو دين، صحيح أن كلًّا من غاندي والرومي لم يتخل يومًا عن أيِّ شعيرة من شعائره الدينية، إلا أن سماحتهما البالغة مع أهل الأديان الأخرى حالت دون حبّ أو قبول كثيرٍ من المتشددين من أبناء دينهما لهما؛ فقتل غاندي سنة 1948م على يد هندوسي أصولي يعتقد كأمثاله أن غاندي خان قضية الديانة الهندوسية، وأنه متأثر بمفكرين مسلمين في الهند البريطانية وبصوفية رآهم في جنوب إفريقيا.
ويرى كثير من المفكرين المسلمين أنْ لا جدوى من دعوة الغرب إلى الإسلام؛ فالعقليّة الغربية الحديثة تَحُولُ ماديتها المفرطة دون إدراك عظمة الهدي لرسالة الإسلام العالمية الحقيقية؛ ويرفضُ كولن تصوير المادية الغربية الساذج بأنها عائقٌ أمام رسالة السلام التي جاء بها الكتاب والسنة والتي تؤسس لإقامة مجتمع متحابّ متعاطف، فهو لا يرى لدى الغربيين مشكلة جذريّة في تقدير وقبول القيم الروحية النابعة من أصول الإسلام؛ بل مدار الأمر عنده على نجاح المسلمين في تمثيل الإسلام ورسالته العالمية لفتح قلوب الغرب، وبهذا نبني حضارة عالمية أساسها المساواة والسكينة والمعاملة الإنسانية دون نظر إلى نوع أو عرق أو دين.
ويدعو كولن إلى نموذج من الأخوة والتحابب الإسلاميّ يعزز أعماق الشعور الروحي، ويرفض التعبير العدواني عن المعتقدات الدينية والدعوة بالإكراه المعنوي، ولما كان يجدِّد الكشف عن هذا الخيط الرفيع من القيم تحاشَى ببراعةٍ الميلَ إلى الغلوّ في تأكيد سمات معينة قد تنسب إلى الغرب أو الشرق، ويكتفي بانتقاد سياسات المواجهات القومية أو الإثنية التي تفرز نزعات تمييزية تجاه الآخرين أو تقسّم الناس ما بين «نحن» و«هم».
ولا ينتقص تعريف كولن للأمة أيّ عرق أو جماعة إثنية، فلطالما كانت الأناضول موطنًا لجماعات إثنية متنوعة، وفيها اليوم أمة واحدة موحدة، بل إنه يتحاشى الغلوّ في الانتماء القوميّ، فيعد خريطة الأناضول الثرية «بوتقة انصهرت فيها شعوب تنحدر من وسط آسيا والبلقان وبلاد الرافدين»، فإذا استقرأت الأعراق في ضوء هذه الفكرة فستصل إلى أن البشرية أبوها آدم والأم حواء عليهما السلام، فالشعوب والأديان كلُّها فيها بذرة الخير كما يرى كولن؛ لذا يؤكد على فضيلة عمل الخير، ويتنزه عن الكلام الأجوف الذي يستعمل في الدعاية العَدائية وإرهاب الآخرين.
يرى كولن أن لدى البشر جميعًا حاجة ودافعًا للوصول إلى طريق النجاة، فبه يَقْدُرون الأسماء الحسنى التي تظهر في كل شيء حولهم حقّ قدْرها، وأنَّ العالم والخلق كتاب منظور يُعرِّف بالله سبحانه، وأن الكتاب المسطور مرآةٌ تجلِّي الحقَّ للبشرية قاطبة.
من اطَّلَع على أفكار كولن هذه ربما يرى أنه عالِم صوفيّ لا غير، فكلماته لن تؤثر في فِتية تركيا العلمانية وأمثالهم، والحقّ أن هذا الافتراض لا أساس له من الواقع، فمعظم من يستلهمون أفكاره من الشباب.
ولكولن نشاط كبير في الدين والمجتمع. نعم، هو يعارض بشدة لعب دور سياسي مع أحزاب أو قوًى سياسية، فحياته الخاصَّة بَراء من الأنشطة السياسية كافة، لكنه غدا كِيانًا مدنيًّا له وزنه في كِفَّة ملايين الأتراك في التخصصات كافّة، بل إنّ الأحزاب العلمانية امتطت أسلوبه في الدعوة والحوار لتكسب الناخبين.
ومن الغربيين مَن يرى أن أسلوب حياته يتسم بالزهد والتنسك كما هو شائع في الشرق، بل ربما يرون فيه «دالاي لاما» أي مسلمًا يجاهد نفسه ليبلغ «النيرفانا» أي مقام الفَناء، فهو في بلاد المهجر بأمريكا لم يكن يطمح قط لجذب الإعلام أو الدعاية أو الشعبية أيًّا كانت، شغله الشاغل في أنشطة الحوار بين أصحاب الأديان، وهب نفسه لأداء واجباته مسلمًا فدائيًّا حقًّا يضحي بالوقت بل بكل شيء في صمت لينفع الآخرين.
وبينما يرى كثير من المعاصرين أهمية كبرى للاختلافات الفقهية أو العقائدية لا يُعنَى كولن في مؤلفاته ومواعظه بها كثيرًا؛ فهي عندهم الطريق السليم لتطهير المجتمع الإسلامي من الشرك والبدع والانحراف عن السنّة، أما هو فالأهم عنده ربط النفس البشرية بآثار أسماء الله الحسنى، ولا أمل برأيه في استعادة مجد حضارتنا الإسلامية الضائع وفي اتساع صدر مجتمعنا وسماحته إلا إذا فدى كثيرون بأنفسِهم القيمَ المعنويَّةَ العليا التي تفرضها مُثُل الإسلام المقدسة، ويعني بها حمل البشر جميعًا على صون الكرامة وحمايتها في سبيل مصلحة الناس كافّةً.
أمَّا الوسائل العسكرية أو السياسية فيرى أنها لا طاقة لها بتحقيق شيء يُذكَر في هذه القضايا النبيلة، فالحوار والتلطّف هما الخيار الأمثل للأطراف المتنازعة جميعها، ورغدُ العيش طريقُه الحكم الرشيد الموجَّه، فهو أفضل بديل عن جشعِ الشركات وعن أنواعٍ من الخداع والتضليل هدفُها استحواذ فئة قليلة على المال.
ولم يجرِّب الأتراك الاحتلال الأجنبي المباشر ألبتة، بخلاف معظم الشعوب الإسلامية، وهذه الخصِّيصَى الفريدة فتحت لهم باب التفكر في عالمية الإسلام أكثر من غيرهم، وهذا يسّر لهم التعايشَ السلميَّ، وعقدَ حوارٍ نوعيٍّ رسمَتْه وجلَّتْه آلاف من مواعظ كولن، وندواته الحوارية بين الأديان، وأفكاره المنشورة في عشرات الكتب.
وبينما كان كولن يرسِّخ القيم الإسلامية أدرَك أيضًا مواجِع القلوب والعقول لدى الأتراك، أدرك أن نفور بعضهم منه محتمل، فأظهر حماسًا هائلًا لإصلاح النظام التعليمي في تركيا، ولم يُتِح في نشاطه هذا لأية طائفة أو حزب أو فئة أن تمتلكه أو تنبذه، فخطته واضحة جدًّا: مَن يعمل الصالحات بأمانةِ المسلم فأنا معه، أمّا أهل المنكر والفساد فأنا عنهم بمعزل.
سَعَت بعضُ القوى المتطرفة عبثًا للإيقاع بكولن بشتى الوسائل لتحقيق غاياتها السياسية، فأشاعت أنه يبتدع إصلاحات دينية مخالفة للهدي النبوي، وما إن فشلت حتى بدأ أعداء الإسلام في تركيا وغيرها يصورون كولن على أنَّه خميني تركيا في المستقبل، ولكن الخميني لم يتمذهب بمذهب أهل السنة رغم أنه أقام عامًا في مدينة بورصة التركية عاصمة العثمانيين سابقًا وخالط الجاليات السنية في تركيا والعراق، وإقامة كولن بأمريكا لن تجعل منه داعية ثوريًّا أو ماديًّا، فسَمْته الحديث لا يحط من تديّنه ألبتة، فهو ليس أصوليًّا ولا حَدَاثيًّا، فتشبيه حركة الخدمة التربوية والثقافية بثورة الخميني في إيران مردُّه الجهلُ بأساليب كثيرة لإصلاح اجتماعي له مآلات واسعة في إحياء القيم الإسلامية، أو عدمُ معرفة الفوارق الكثيرة بين هاتين الدولتين.
ويناضل كولن في كتاباته ومواعظه آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، ويؤْثر الترغيب والبناء وجهاد النفس الفعّال لتغيير الناس بإحداث ثورة في العقول تبلغ به وبهم مراتب الكمال، فدعوته إلى جهاد النفس وحملُه لرسالة المحبة والمودة ذات الصبغة الصوفية لا تمتُّ بصِلة إلى الحرب أو العنف في نشر الرسالة، يقول كولن:
“إن اهتمام الإنسان ببيئته وبمحبته للبشرية -أي قدرته على احتضان جميع المخلوقات- يتوقف على معرفته جوهرَه وفهمِه إياه، وقدرتِه على اكتشاف نفسه، والإحساس بوجود صلة بينه وبين خالقه…
فالاتجاه الإنساني مذهب يقوم على المحبة والإنسانية، وكثيرًا ما يُتحدّثُ عنه في هذه الأيام، إلا أنه يمكن التلاعب به بسهولة من خلال التأويلات المختلفة. ولا سيما أن هناك بعض الجهات تحاول أن تفرض فهمًا إنسانيًّا مجردًا وغير متوازن بإثارتها الشُبَه والبلبلة والشكوك في قلوب العامة من الناس حول مفهوم الجهاد في الإسلام.
في حين أن «الجهاد» في الإسلام أمر يعتمد على بعض الشروط الخاصة التي ترمي إلى الدفاع عن النفس أو إزالة العقبات التي تعترض سبيل إعلاء كلمة الله”[2].
ويتساءل المراقبون الغربيون منذ سنوات طويلة: لماذا لا يقدّم الكتّاب المسلمون وغيرهم ممن لهم شهرة عالمية أي قدر من التوضيح للقضايا الشائكة الخاصة بالإسلام والجهاد؟ ويُعدّ كولن في هذه الناحية صوتًا في غاية الوضوح والاتساق في عرضه للقضايا الإسلامية وعلاقتها المتبادلة بمبدأ محبة الخير للعالم، وبهذا ملأ كولن -إلى حدٍّ ما على الأقل- فجوة فكرية بين العالم الإسلامي والغرب.
وفي المقابل، ما أسهل الطعن والتشكيك في عالمية المفاهيم الغربية لحقوق الإنسان! غير أن الكلام «الفارغ» عن حقوق الإنسان والاتجاه الإنساني لا يحدث أي تغيير إيجابي في سبيل خير أي أمة أو خير البشرية، وخلافًا لمؤسسي أحزاب وحركات سياسية إسلامية منخرطة في الدعوة للقيم الإسلامية حول العالم فإن كولن لا يقدم أي دولة قومية إسلامية معينة على أنها نموذج مناسب لاستقاء نظام شامل للحكم الإسلامي؛ بل شرعت «حركة الخدمة»[3] في المهمة الضخمة بتقديم بديل شامل وأفضل للمجتمع الغربي القائم على الاستهلاك في مجالات التبادل التربوي والثقافي بين الديانات والأمم.
وإنّ كولن نفسه ربما لا يستطيع أن يتصور ما له من تأثير الآن على وجدان الجمهور التركيّ، ثمّ على صياغة إستراتيجية جديدة سلمية تمامًا لإقامة الجسور بين الشرق والغرب أو بين العالم الإسلامي وبقية العالم، فهذا التأثير حقًّا تقدم فكري هائل صنعه كولن بمفرده تقريبًا، يقوم على دعواته المقنعة إلى السلام والكرامة من أجل البشرية جمعاء، ويتبدى بوضوح في جميع كتبه تأكيده على ضرورة إقامة نظام تعليمي مبني على القيم دون تلقين لمذاهب وتحزبات معينة؛ وهذا التأكيد أدى إلى تأسيس مئات المدارس في جميع أنحاء العالم يرعاها تربويون ورجال أعمال أتراك، يحاول فيها المعلمون تطبيق المثل الرفيعة في إطار منظومة تربوية مبنية على أساس قِيَميّ.
وما زال هناك المزيد مما يمكن أن يقال عن الخصائص التركية السُّنيّة التي تتسم بها حركة الخدمة، نظرًا لأن من يتقدم صفوفها هم مسلمون من أهل السنّة ذوي الأصول التركية، وربما يتساءل المرء: كيف تستطيع دولة متطرفة في العلمانية مثل تركيا أن تنتج مصلحًا اجتماعيًّا وثقافيًّا وتربويًّا مثل كولن، ولكن يبدو أن تكريس العمر في سبيل القضايا العالمية للإسلام والإنسانية قد يؤدي في النهاية إلى نتيجة كهذه؛ وإن من يستلهمون أفكار كولن لا ينخرطون ألبتة في الأجندات القومية أو الطائفية أو الغلو في القوميّة أثناء نشر القيم الإسلامية أو نظام تعليمي وثقافي معين داخل المجتمعات الإسلامية وخارجها، وهذا هو سر النجاح الكبير الذي تتمتع به حركة الخدمة اليوم، وهو ما جعله أسطورة حية، وغدا المفكر الأكثر تأثيرًا في العالم لسنة 2008م.
الخطوط العامة للكتاب:
اعتلى كولن قمة مفكري العالم في استطلاع رأي أجرته مجلتا «فورين بوليسي» و«بروسبيكت» سنة 2008م؛ كان ذلك إبّان تأليف هذا الكتاب؛ وهدفه بيان مدى إسهام كولن في الفكر الروحي والديني للإسلام والقضايا الحضارية.
كثير من المفكرين الإسلاميين والدعاة المعاصرين ألفوا كتبًا كثيرة في شرح المبادئ الأساسية للإسلام، وكيفية تطبيقها، ومكانتها في سياق الحداثة وفي مجتمعات ودول صناعية تحركها التكنولوجيا؛ فموضوع كولن لا يبدو جديدًا، إلا أنه على مدار حياته مؤلفًا وداعية منذ بداية الستينات من القرن العشرين صاغ أفكاره بطريقة لا مناص للعاقل الحصيف من التفكير فيها بجدية قبل القبول أو الرفض لشيء من شرحه للقيم الإسلامية والإنسانية وآليات الحوار بين الأديان.
ويلحظ كولن بصفته نصيرًا للمثل والقيم الإسلامية اختلافات المذاهب والمشارب، فلا يأخذ بمذهب على نحو ينتقص من قدر المذاهب الأخرى، فهو يسعى لإيجاد سبل جديدة للتأمل والمقاربة بين التصوّف والشعائر الدينية والآفاق الروحية، وقد نجح في وضع رؤية شاملة يمكن بسهولة أن تتضمن كثيرًا من القضايا المعقدة والخلافية في الإسلام سياسيًّا أو تربويًّا، وهي رؤية لا تعادي أي نظامٍ حاكمٍ.
وقد ساعد موقف كولن الودود الرؤوف تجاه البشر جميعًا -أيًّا كان معتقدهم الديني أو السياسي- على تسنُّمه لقمة الحياة الروحية الإسلامية التي أُضعفت وأُسيء تفسيرها في كتابات كثير من معاصريه في البلدان الإسلامية وفي العالم كافَّة.
وظهرت القيود السياسية التي واجهها كولن في وطنه عبئًا ثقيلًا أمام رقيّه الروحي والفكري، ومِن قبله بديع الزمان سعيد النُّورْسِي (1877-1960م) مؤلف «رسائل النور»، أحد أشهر وأعمق من مثلوا مواطن القوة الفكرية والخلقية والروحية للإسلام، كان يواجه مثل تلك العقبات أثناء الرحلة الشاقة والمؤلمة لتنوير شعبه، كان يقول: “أعوذ بالله من الشيطان ومن السياسة”؛ ويستطيع المرء بسهولة أن يلاحظ في كتابات كولن أنه لم يحاول ألبتة توجيه رسائل مفرِطة في السياسة أو في التنظير، بل لطالما كان يجلّ إستراتيجية النُّورْسِي في إصلاح المجتمع وفقًا لمستوى نضج الشعب سياسيًّا وروحيًّا.
وهذه محاولة متواضعة لتحليل فكر كولن وفقًا لكتبه تُبيِّنُ أنَّ كولن قد تبحر في فكر النُّورْسِي من نواحٍ كثيرة، وأضاف أبعادًا أوضحَ وبنَى قِممًا أعلى في تلك الحركة الدينية الثقافية القائمة على النشاط الروحي والمشتملة على آفاق للنمو والتطور الفكري ما زالت تتسع باطّراد.
وتكاد الأوساط الدينية والقومية تتفق بأن كولن هو روميّ العصر الحديث، فلا يمكن عدّه رجل دين مغاليًا، فدولة مثل تركيا بها نخبة علمانية صغيرة لكنها قوية ومسلحة، فما أشقّ الجهر فيها بالتأييد للأفكار الدينية الغالية عند الدعوة إلى القيم الإسلامية! ورغم اعتدال كولن يحاول بعض العلمانيين العدوانيين تصويره على أنه داعية أصولي؛ ليوهنوا مصداقية داعية لقيم إسلامية قادرة على إصلاح أي مجتمع وتوجيهه في اتجاه أفضل.
كان الرومي صوفيًّا شاعرًا، ثم اتبع منهج التيسير في نشر الإسلام والدعوة إليه، ولم يسمح له عصره أن ينشط في الدعوة ليغدو داعية في المقام الأول، بينما تيسر الأمر لكولن بفضل التراث الروحي لبديع الزمان سعيد النُّورْسِي.
“كان بديع الزمان ينظر إلى القرن العشرين وما به من أحداث وعلو شأن المادية والشيوعية على أنه آخر الزمان، وكان مصرًّا قبل كل شيء آخر على أن المقدّم في النضال ضد هاتين الفلسفتين هو إنقاذ الإيمان وتعزيزه؛ وهذا هو السياق نفسه الذي به يقيَّم إصرار بديع الزمان على طلاب رسائل النور أن يمضوا نحو «التحرك الإيجابي» و«الجهاد السلمي» أو «الجهاد المعنوي»، ويمر الزمن ويفهم الناس توجيهات بديع الزمان وتنبؤاته للمستقبل، وتتبين صحة أحكامه عن المسار الذي ينبغي اتباعه، ويتضح لهم مدى عظمته وأهميته، فيوم أن بدا العالم الإسلامي أنه صار لقمة سائغة لأوروبا، تنبأ هذا الرجل بنهضته، وأيقن بغلبة القرآن في المستقبل على عصر العقل والعلم”[4].
ويسير كولن على خط الرومي والنُّورْسِي لتشجيع المزيد من الناس في العالم كله على اللحاق بالمسيرة السلمية لجماهير تركية طالتها قيود صارمة وضغوط قاسية لميلها الفطري إلى القيم والثقافة الإسلامية؛ وفي الفصل الأول من هذا الكتاب تركيز على هذه القضية الحيوية قضية الصراع بين الأيديولوجيات الإسلامية ذات الجذور السياسية والإسلام ذي الطبيعة الثقافية والروحية، وفيه نحاول أن نبين حرصَ كولن الدؤوب على الموازنة بين ممارسة القيم الإسلامية والنشاط الاجتماعي لحمل المسلمين خاصّة والناس عامّة على التضحية في سبيل خير طبقات المجتمع كلها.
والفصل الثاني يكمّل الأول، ويتناول «التصوف بين النظرية والتطبيق» عند كولن من خلال مجموعته «التلال الزمردية: نحو حياة القلب والروح»؛ فالتصوف عنده ليس فكرًا دينيًّا أيديولوجيًّا أجوفَ، ولا أسلوب تفكير
أو حياة غارقة في الغموض أو خوارق العادات، بل هو بحث شامل وسعي متواصل لنيل السعادة الأبدية بالامتثال لمشيئة الله، فالإسلام نظام شامل يستهدف جلب المنفعة ودرء المفسدة في جوانب الحياة كلها من المهد إلى اللحد.
قد يقول المسلم: إنّه لا جديد في هذه الفرضية أو الأطروحة، ولكن أمام الهجمة الشرسة التي تشنها اليوم الفلسفات العدوانية من علمانية وقومية ومادية واشتراكية ضدّ القيم الدينية كان لا بد من إعادة صياغة تلك الأطروحة الإسلامية لتصبح قابلة للتطبيق في النظام التربوي والاجتماعي في المجتمع؛ فمحور الفصل الثاني هو الإعراب عن التقدير لقنوات كثيرة منها كتب كولن، التي تبْلُغُ بك إلى روحانيات الإسلام من خلال العبادات والنشاط الاجتماعي؛ وقد حاولت أن أبين كيف يزيل كولن الغموض عن كثير من المفاهيم والممارسات المعقدة في الحياة الصوفية، ويكيّفها مع الإطار الأوسع للشريعة الإسلامية، فهو يقدم لنا سبلًا متاحة للإبداع ضمن ثوابت الشرع والأخلاق الإسلاميّة.
والفصل الثالث عنوانه «منهجية كولن في التدريس: التنوير التربوي في الداخل والخارج»، وفيه نتناول إنجازات النظام التعليمي القائم على أفكار كولن، فهو يدعو إلى تعليم مبني على القيم، وينبه طلابه إلى تجنب الانزلاق نحو أساليب التدريس المُسيّسة أو المغالية في التلقين المذهبي، ومحور رؤيته هو أن يكون رجل التربية تجسيدًا حيًّا للقيم الإسلامية العالمية مع ضرب القدوة والمثل في الالتزام بتلك القيم دون فرضها على أي شخص أو جماعة؛ فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي ونظم الحكم الشيوعية في بلدان شرق أوروبا، تساءلت شعوب كثيرة عن كيفية إقامة نظام تعليمي مبني على القيم ليحل محل النظام التعليمي الاستبداديّ السابق الذي كان يتبنى الفكر الاشتراكي ومعاداة الدين.
وعند تقييم ما تمّ حتى الآن باسم التعليم الشرعي، نجد غالبًا علاقة مشوهة بين العبادات والفرائض المنصوص عليها وبين المقاصد المستهدفة منها، فالالتزام الظاهري بالدين في العبادات اليومية والأسبوعية والشهرية والسنوية قد يكون قناعًا زائفًا يخفي وراءه صورةً أخرى للمجتمع؛ ولم يحدث أن عانت تركيا القومية والعلمانية من تلك المشكلة، ولكن الشريحة المتدينة من المجتمع ينقصها الوعي بأن استخدام العبادات للتمويه أو لإبراز الهوية سلوك خطير يؤدي إلى النفاق الصريح، فينبغي تجنبه دائمًا.
وهب كولن نفسه لإنتاج أفضل تعليم إنساني للجميع دون سعي وراء شهرة ودعاية لأعماله الدعويّة، وظل يمارس قيمه الدينية مع تضحية كاملة بالذات، فلم يطلب أجرًا ماديًّا أو معنويًّا من أية جهة استفادت من رسالته؛ ويدعو كولن الناس لئلا يبخلوا أبدًا على إقامة مدارس نموذجيّة يحتذَى بها، يدعو كلَّ متأهب لوقف حياته كلها لإيجاد تعليم أفضل للأطفال من كلّ عرق ودين، ولمن ليست لهم معتقدات أو شعائر دينية أيضًا.
ومن أهم ما يشغل كولن في التدريس الوسطيةُ والرقي في السلوكيات والآداب العامة مع التميز في المستويات والإنجازات المهنية، وهو ما سنناقشه في الفصل نفسه.
والفصل الرابع بعنوان «القرآن والمجتمع المثالي عند كولن»، وفيه بيان لِما للتوجيهات القرآنية من أهميّة وفائدة في بناء أساس متين لنظام اجتماعيٍّ مثاليٍّ يصون الكرامة الإنسانية للجميع أيًّا كانت العقيدة أو الثقافة؛ فالقرآن عند العلماء والجماعات الإسلامية كافّة هو مركز الثقل في الفكر السياسيّ والشرعي والاقتصادي والثقافي الإسلامي بأكمله، إلا أن الفهم الخاطئ للرسالة القرآنية غشِي الشعوب والجماعات الإسلامية كلها؛ لذا كان كولن حذِرًا في شرحه لآيات القرآن وتنزيلها على الواقع، فالقرآن هو المصدر الإلهي الإلزامي الوحيد للرقيّ الفكري والروحي للبشر جميعًا، والرسالة القرآنية عند كولن هي الرسالة الخاتمة والغاية من النبوة ومنتهى حكمتها، جاءت لإنجاز المهمة الكبرى، المتمثلة في إقامة العدل للناس جميعًا؛ فلا خير ينتظر من وراء الظلم، فالظلم مفسدة لأي مجتمع.
وقد خرج كولن بهذه الرسالة القرآنية مجددًا إلى النور بطرق كثيرة متنوعة في كتاباته التي تأتي في سياق عصر التكنولوجيا، وهذا هو الموضوع الرئيس للفصل الرابع.
هناك اعتقاد خاطئ خطير بأن رسالة القرآن لا تصلح لإقامة نظام فعال مزدهر في أي أمة أو دولة من الدول، والمؤسف أنَّ الوضع السيئ لمعظم الدول القومية الإسلامية يُسهِم بشدَّة في ترسيخ هذه المغالطة،
لا سيما أنّ معظم تلك الدول لم يبلغ مستوى مُرضيًا في جوانب الإبداع والإنتاج وتعزيز القيم الإنسانية للجميع، وهي الناحية التي تؤدي فيها حركة الخدمة أعمالًا جليلة في جميع أنحاء العالم انطلاقًا من العالم الإسلاميّ.
ويجلّي الفصل الخامس اهتمام كولن بالبشر جميعًا وبالحضارة العالمية، وعنوانه «مفهوم الخدمة والصالح العام لدى كولن: من الإستراتيجية إلى خطة العمل»، وفيه يمكن للمرء أن يرى بوضوح أن كولن ليس منظِّرًا أو فيلسوفًا عاديًّا يكره مواجهة معضلات الواقع، فهو يطرح أفكاره على الناس ليكون لديهم وعي ومسؤولية تجعلهم يصنعون جيلًا ذهبيًّا يهب نفسه لبناء مجتمع عادل للجميع؛ ويمكن عدّ هذا الفصل وسابقه روح الموضوع الرئيس للكتاب، وهو كيفية بناء مجتمع إنساني أفضل يُجلُّه وينعم به كل إنسان.
والفصل التالي «أفكار كولن حول الديمقراطية الحديثة»، نبين فيه أن كتابات كولن تتفق اتفاقًا كبيرًا مع الفكر الديمقراطي، فهو يرى أن القيم المنبثقة عن الإسلام تساعد على قيام نظام ديمقراطي حقيقي وحكم سليم؛ فمعظم المجتمعات اليوم تتجاهل في الغالب مسألة الصالح العام أو تخلط بينها وبين العائد الماديّ؛ أمّا كولن فيؤمن إيمانًا عميقًا بأنه لا ازدهار ولا تحرر للفرد أو المجتمع بدون اليقظة الروحية، فقضية كولن الرئيسة هي أن الإسلام لا يفرض طريقة أو شكلًا معينًا من أشكال الحكم على أي دولة أو مجتمع ألبتة، ويدلُّ كلامه على أن لديه قدرًا كبيرًا من الوضوح في رؤيته للعلاقة بين نظام الحكم ومبادئ الإسلام:
“الإسلام دين يركز تركيزًا أساسيًّا على ثوابت الحياة والوجود، أما النظام السياسي فيهتم بالجوانب الاجتماعية من الحياة فقط؛ فمبادئ الإسلام الأساسية من إيمان وعبادة وأخلاق وسلوك لا تتغير بتغير الأزمنة، ولا يقدم الإسلام شكلًا معينًا ثابتًا للحكم أو يسعى لتشكيله وصياغته، فهو لم يعمل مطلقًا على طرح أو إقامة نظام ثيوقراطي باسمه، بل أرسى أصولًا ومبادئ توجه الشخصية العامّة لنظام الحكم؛ فالسياسة لا يمكن أن تكون طرفًا في تمثيل الإسلام أو في توجيه سلوكيات المسلمين ومواقفهم باسم الإسلام”[5].
وإذا أدرك المرء هذه الأطروحة المحورية التي بينها كولن في كثير من كتاباته وخطبه وحواراته، صار من السهل عليه أن يدرك كيف يمكن للمسلمين التعايش في سلام مع أتباع الديانات الأخرى، فالإسلام يقدّر أي محاولة سلمية من أي مؤمن بالله تعالى حقًّا، تسهم في جمع أبناء الديانات والأيديولوجيات المختلفة على تحقيق أهداف مشتركة من سلام وهدوء في الحياة الشخصية والعامة؛ وقد ظلت حركة الخدمة -كما يسمِّيها كثير من المراقبين- تنحو هذا المنحى أكثر من أربعة عقود داخل تركيا وخارجها.
والفصل الأخير «الجهاد والتسامح والإرهاب عند كولن»، هو خاتمة الكتاب؛ يبين مدى حرص حركة الخدمة على أن تحقق -على الأقل- بعض الأهداف الأساسية المشتركة للإنسانية قاطبة؛ وبهذا تتوافق تفسيرات كولن لرسالة القرآن أو رسالة الإسلام العالمية مع حقوق الإنسان العالمية الحديثة، ولا تقبل هذه الحركة أي ازدواجية في المعايير فيما يتعلق بهذا تحت أي ظرف من الظروف.
وبهذا يمكن أن نرى مدى عظمة رجل يدعى «محمد فتح الله كولن»، داعية وكاتبًا ومفكرًا وفيلسوفًا وشاعرًا قدم من الأناضول، فنال شهرة هو جدير بها في جميع أنحاء العالم، كلّ ذلك بفضل تفانيه ونشاطه الدؤوب من أجل إحداث نهضة حقيقية للقيم الإسلامية على أساس التفاهم والتراث المشترك للبشرية.
[1] A Communitarian Imperative: Fethullah Gülen’s Model of Modern Turkey, The Fountain, Issue 61, January–February 2008.
[2] فتح الله كُولَن: سلسلة العصر والجيل-7، أفق يلوح منه النور، نشر دار النيل التركية، إسطنبول 2010م، (لما يترجم عن التركية)، ص 49-50.
[3] الخدمة: اسم يُطلق على النهج الذي يتبناه فتح الله كولن ومحبوه في خدمة الإسلام والإنسانية.
[4] Şükran Vahide, «Bediüzzaman Said Nursi›s Official Biography,» http://www.witness-pioneer.org/vil/Books/SV-Nursi/Conclusion.htm.
[5] http://www.foreignpolicy.com/story/cms.php?story-id=4408.
Leave a Reply