يمكن القول إن فتح الله كولن يتناول الرواية والقصة والمسرح التي توَجَّس منها العالمُ الإسلامي خيفةً ما يقرب من قرن أو قرن ونصف فلم يتفاعل معها جيِدًا، كما يتناول السينما التي عارضها العالم الإسلامي أيضًا في أوائل القرن العشرين، ولأن العلاقة بين الإسلام وبين فروع الفنّ هذه دائمًا ما شكَّلت مثار نقاشٍ وجدل، فهو يرى تركيا-بصفة خاصَّة- متأخِّرةً كثيرًا في مجال الرواية والقصة والمسرح والسينما مقارنة بالغرب، وإن كان السلوك الافتراضي الذي تبنَّاه الإسلام في هذه المواضيع اضطلع بدور جزئيٍّ في هذا الشأن؛ فإن السبب الأصلي هو الإهمال الذي حدث في تلك الفنون.

ينوِّه كولن بعدم تحريمٍ ومنعٍ قاطعٍ وجازمٍ في أيٍّ من فروع الفن هذه، وبينما يُفكِّر حول هذه المواضيع ويُحلِّل الأمر يبين ضرورة النأي عن الإفراط والتفريط في هذه المسألة.

الحكم الشرعي لهذه الفنون

بعد هذا التقرير ينوِّه كولن بعدم تحريمٍ ومنعٍ قاطعٍ وجازمٍ في أيٍّ من فروع الفن هذه، وبينما يُفكِّر حول هذه المواضيع ويُحلِّل الأمر يبين ضرورة النأي عن الإفراط والتفريط من قِبل الجانبين، وينقل أن انتقادات خطيرة وُجِّهَتْ بحق الرواية بين المثقفين لا سيما “جميل مريج”([1]) الذي كانت له انتقادات خطيرةٌ بشأنها، أما العلماء المسلمون فمنهم من حكم على الرواية بأنها “إحياء الموتى”، وعلى السينما بأنها “إظهار الموتى” وكأنهم يتحركون، وعلى المسرح بأنه “نبش الأموات الراقدين في قبرٍ فسيح يُسمَّى الماضي، ووضعُ أرواح الموتى في أجساد الأحياء”، ويذكرُ أنه يجب ألا يُفهم من هذا أن هؤلاء العلماء عارضوا الرواية والقصة بالمعنى المطلق؛ لأنهم أنفسهم ذهبوا مذهبًا استخدموا فيه القصص التمثيلية في بيان كمٍّ كبيرٍ من الحقائق مثلُهم في ذلك مثل الكثيرين من العلماء المسلمين الذين سبقوهم، ويلفت إلى أن هذه القصص التمثيلية لا تختلف كثيرًا عن القصص والروايات من حيث الجوهر والمغزى، ويُصرِّحُ قائلاً: “إذًا فالإطاحة بالروايات والقصص تمامًا والعصف بهما وبما يرتبط بهما من أعمال كالمسرح والسينما، ووصمهما بـ”الممنوع” تصرُّفٌ خاطئٌ غيرُ قويم، وإذا كان الأمر كذلك فيجب تناول المسألة من ناحية الحث عن ماهية المواضيع التي تحتويها تلك الأنواع الأدبية، وليس تناولها بالنظر إلى وجودها أو عدمه.

يستحيل قبولُ أيِّ تصويرٍ أو قصٍّ أو عرضٍ من شأنه أن يعني التشويق أو الترويجَ لما حرَّمه الإسلام من أمور تحريمًا قاطعًا (كالزنا والفاحشة والخمر والمخدرات والقمار والسرقة وقتل النفس…).

رأي كولن في تصوير المحرمات

يوافق كولن الجميع على أن عدم تجويز تصوير الباطل مسألةٌ ضروريةٌ، وهذا باتفاق الكلِّ، وإلى جانب أنه يستحيل قبولُ أيِّ تصويرٍ أو قصٍّ أو عرضٍ من شأنه أن يعني التشويق أو الترويجَ لما حرَّمه الإسلام من أمور تحريمًا قاطعًا (كالزنا والفاحشة والخمر والمخدرات والقمار والسرقة وقتل النفس…)، وإلا فإنه ليس من الصحيح معارضةُ الرواية والقصة ولا غيرها، وأظن أن القصص والمشاهد التمثيلية الواردة في القرآن، وبيانات سيدنا رسول الله ﷺ وعباراته المتعلقة بالموضوع ربما تُعدُّ دليلاً كافيًا ومرشدًا هاديًا إلى الطريق الصواب في العثور على الحلِّ الوسط في هذه المسألة”([2]).

لا يجوز – في رأي-أن تُمثَّل الشخصيات المثالية والقدوات العظيمة السامية التي عرفها العالم الإسلامي وعلى رأسها الأنبياء والرسل عليهم السلام والصحابة الكرام رضي الله عنهم.

حكم تمثيل الأنبياء والرسل والصحابة    

يلفت كولن الأنظار بعد ذلك إلى موضوع آخر مهم، وهو حقيقة أنه من الضروري تمثيل الأشياء بمثلها، ويقول انطلاقًا من هذا المبدأ:

” لا يجوز – في رأي-أن تُمثَّل الشخصيات المثالية والقدوات العظيمة السامية التي عرفها العالم الإسلامي وعلى رأسها الأنبياء والرسل عليهم السلام والصحابة الكرام رضي الله عنهم.

كيف نمثلهم إذًا؟

يرى كولن بديلاً عن هذا:

“أنه يستحيل القول بضرورة استخدام الأشخاص في الحديث عنهم وتقديمهم، ولا سيما في يومنا هذا الذي تعدَّدت فيه إمكانيات التعبير والتناول بأشكال مختلفة.. فيمكن الحديث عن القضايا المرغوب في التعبير عنها بكل يُسرٍ وسهولة وراحة، بواسطة مؤثِّرات الضوء واللون استخدامًا للإمكانيات التِّقنية، وأظن أم مثلَ هذا أصحّ وأكثر تأثيرًا، والواقع أن ثمّة تحوُّلاً من المُشَخِّصِ إلى المُجَرَّدِ في يومنا الحاضر مما يُمثِّل حقيقة لا مجال لمناقشة مدى ملائمتها وموافقتها لروح الإسلام”[3]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1] ) جميل مريج: (1916- 1987م) كاتب ومترجم ومفكر تركي، ترك بصمة على صفحات التاريخ التركي، وألَّف عديدًا من الكتب في مجال العلوم الاجتماعية خاصة اللغة والتاريخ والأدب والفلسفة.

([2] ) فتح الله كولن، سلسلة الفصول2، صـ330، 331.

([3] ) المصدر السابق، صـ332.

المصدر: فتح الله كولن ومقومات مشروعه الحضاري، علي أونال، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ1ـ 2015، صـ333/ 334/ 335.

ملاحظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف محرر الموقع.