يعتمد نجاح المشروعات التي ألهمها كولن على عدد هائل من الحلقات المحلية من رجال الأعمال و المهنيين و العمال في المدن و المناطق الحضرية و الريفية التركية حيث ظهر نموذج الحلقات المحلية في ” الجماعة” وهو نوع من المجموعات المجتمعية التي تطورت في تركيا بعد تشكيل الجمهورية وتجريم الطرق الصوفية و إلغاء المدارس الدينية، أنشأها المسلمون المتدينون الذين أرادوا الحفاظ على تراثهم الإسلامي مع تبني الحداثة فشكلوا حلقات حول العلماء و المثقفين الذين يدعمون لمناهج مختلفة، مثل التركيز على الدراسات القرآنية أو المزج بين التدين و شكل معتدل من القومية أو الممارسات الروحية الفردية، و قد سميت لاحقا تلك المجموعات من القراء و المستمعين التي التفت حول الشخصيات الرائدة ” بالجماعات” و هي حركة تشكلت من قاعدة عريضة من الأتراك المؤمنين الذين لا يريدون التخلي عن تقاليدهم الإيمانية بينما يحتضنون عصر الحداثة، و قد أنشئت داخل تلك ” الجماعات” ما يسمى ” بالصحب” و هي مجموعات صغيرة لا تملك عضوية رسمية و ليس لها شعائر انضمام و لا تتطلب وجود مباني لانعقادها و لا تملك إشارات أو تعريفات معينة للعضوية، بل تتكون من أشخاص يلتقون بانتظام لقراءة تفسير القرآن و السنة النبوية و قراءة مؤلفات علماء المسلمين و لتبادل الأفكار و معرفة احتياجات الأشخاص في المجموعة و لتحديد و اختيار المشروعات الخدمية التي ستدعمها المجموعة ماليا.
وكان بين علماء العصر الذين جذبوا انتباه عدد كبير من المواطنين سعيد نورسي الذي نادى بالتناغم بين العلم و المنطق من جانب و الوحي و الإيمان من جانب آخر، و لقد كان نورسي متأثرا بشدة بالتقاليد الروحانية للإسلام إلا أن تركيزه كان على تعليم الإيمان ضد همجية مذهب حب الطبيعة الفلسفي و المذهب المادي. و كما نوقش في الفصل السابق، فقد كان كولن في بداية حياته عضوا فعالا في “جماعة” فتحلق حول تعاليم نورسي و عرف الأخوة و هذا الشكل الفعال من أشكال التنظيم.
ومع انتشار أفكار كولن في تركيا في أواخر الستينات و أوائل السبعينات نتيجة لخطبة و كتاباته، شجع نموذج الصحبة كسبيل لهؤلاء الذين ألهمتهم أفكاره ليتلاقوا و يتناقشوا في أهمية تلك الأفكار للمجتمع التركي المعاصر، وكانت حلقات الدرس المحلية معروفة للأتراك و ينتمي إليها بالفعل العديد منهم وفقا لأعمالهم و أحيائهم و مصالحهم الخاصة، فكان من الطبيعي لتلك الحلقات أن تركز على الأفكار التي يخطب بها هذا الإمام الذي حشد جموعا كبيرة و أوحى بأمل جديد لمستقبل تركيا و خاصة لشبابها.
و جاءت المعلومات في هذا الفصل من مقابلات شخصية تمت مع المشاركين في الحركة الذين هم أعضاء في الحلقات المحلية، و في ربيع عام 2008 قابل دوجان كوتش أعضاء حلقة محلية تتكون من 12 رجل أعمال في أنقرة ورجال أعمال من إسطنبول يعملون في مجال الغزل و النسيج و يقدمون مساهمة جوهرية كل عام للمشروعات المرتبطة بكولن، و قابل أيضا مجموعة من الداعمين في هيوستن بولاية تكساس معظمهم من طلبة الدراسات العليا، و في ربيع عام 2008 أجريت تسع مقابلات جماعية مع حلقات محلية من الداعمين لكولن في تركيا، و في إسطنبول قابلت مجموعة تتكون من ثماني رجال أعمال أثرياء، و حلقة محلية أخرى تتكون من 16 شابا متخصصين معظمهم مهندسون، و مجموعة من 4 أطباء و إداري في مستشفى سما ودائرة محلية تتكون من 12 عاملا من ذوي الياقات الزرقاء ، و مجموعة من النساء تنتمي لإحدى الحلقات، بالإضافات إلى مقابلتي في بورصا مع مجموعة من ثلاث رجال أعمال ممن يتبرعون بمبالغ كبيرة لمدارس كولن، و مجموعة من ثماني أطباء في مستشفى بهار و حلقة من 23 عاملا من ذوي الياقات الزرقاء الذين يتقابلون في حلقة محلية في بورصا، و أخيرا قابلت في مودانيا ، و هي مدينه صغيرة في ضواحي – بورصا مجموعة من ثماني رجال من خلفيات مهنية مختلفة تتضمن موظف مبيعات و مدرس ابتدائي و موظف متقاعد و صاحب مطعم معروف.
بالإضافة إلى تلك المقابلات الجماعية، أجريت أيضا مقابلات فردية مع خمس أشخاص ينتمون إلى إدارة محلية و يقدمون مساهمات مالية ضخمة لمشروعات مستوحاة من فكر كولن في تركيا وخارجها، و تضمنت تلك المقابلات مقابلة صحفيين ورجل أعمال في قطاع الصناعات الغذائية يملك شركة كبيرة في تركيا مالك لشركة غزل و نسيج كبيرة و مدير إحدى مدارس كولن.
إن المقابلات الجماعية و الفردية تمثل المشاركين في الحركة من حيث طبقتهم الاجتماعية و مهنهم و مدنهم الصغيرة و الكبيرة و جنسهم و أعمارهم و طول مدة مشاركتهم في الحركة، و نتيجة لذلك فإن البيانات تعكس التنوع الموجود في الحلقات المحلية فضلا عن التنوع الموجود بين الأفراد الذين هم جزء من هذه الحلقات المحلية، و إطار التحليل في هذا الفصل هو التحليل الاجتماعي من حيث نظريات الالتزام التنظيمية التي تمت مناقشتها في الفصل الأول، وقدمت بيانات لإظهار أن المساهمات التي قام بها أعضاء الحركة تشمل الداعمين الأثرياء مما يبين الالتزام بالمثل العليا للحركة و يولد الالتزام بها في نفس الوقت.
• هيكل الحلقات المحلية
نظمت الحلقات المحلية عادة في شكلين الأول : تبعا للموقع و الحي، و الثاني : تبعا لدرجة التعليم و الوظائف، فمثلا الأطباء في المنطقة الواحدة يلتقون معا و كذا أطباء الأسنان، و المحامون، و المحاسبون، و المدرسون، و عمال المصانع… إلخ، في حين قد يكون المشاركون في الحركة منضمين أيضا لمنظمات مهنية أكبر مرتبطة بالحركة ولديها تجمعات دورية، فإنهم يلتقون كل أسبوع أو أسبوعين ف مجموعات صغيرة تتكون من 10 -12 شخصا، و يتحدث الأعضاء في تلك التجمعات الصغيرة عن أشياء متنوعة منها الدين و العمل التقني و العائلة و أي جانب من جوانب الحياة يطرحه الأعضاء، و أحيانا تقرأ المجموعة القرآن أو السنة النبوية، و في مناسبات أخرى قد تستضيف المجموعة متحدثا. و غالبا ما يلتقي الأعضاء في مثل تلك المجموعات ببساطة لمناقشة أمور حياتهم و مناقشة أي أمر يرونه مهما في الأسبوع الذي يجتمعون فيه، و كما قال أحد الأعضاء ” إننا نجتمع سويا و نناقش أي أمر مهم، و إنني أتفرغ تماما مساء الجمعة من كل أسبوع و أخير أصدقائي ألا يتصلوا بي أو يخططوا لشيء لأن لقاء الحلقة المحلية هو الحدث الأكثر أهمية لدي في الأسبوع”.
و يلتقي مجموعة العمال في بورصا في حلقة محلية تتكون من 20 – 25 شخصا، مرة في الأسبوع مع منضمين جدد للحركة و مرة مع أشخاص أمضوا فترة طويلة في الحركة، و كما قال أحد العمال : ” هناك العديد من القيم في ثقافاتنا ضاعت، لذلك نحن نقرأ مواد تحفيزية مثل كتب أو شرائط فيديو لكولن أو أعمال النورسي أو أحاديث من السنة”، و لأنهم ليسوا أغنياء مثل رجال الأعمال و لا يستطيعون دعم مدرسة بأكملها أو دعم عشرة منح دراسية مثل بعض رجال الأعمال، و لكن ربما يستطيع ثلاثة منهم دعم منحة دراسية واحدة. بالإضافة إلى ذلك قامت مجموعة في بورصا بإنشاء ” كور – دير” و هي جمعية تنظم أنشطة في 120 بلدة حول بورصا لنشر رسالة الخدمة التي تتبناها الحركة و لجمع التبرعات و لتحديد احتياجات القرى المحلية، و بينما لا تستطيع مجموعات العمال تقديم مبالغ تبرعات كبيرة إلا أنهم يتبرعون بساعات طويلة لحث الآخرين على دعم المشروعات الخدمية.
و قال أحد رجال الأعمال موضحا : ” إن وجودنا في نفس مجال الأعمال يعني أنه يجمعنا أساس قوي يجعلنا نلتقي و نفهم بعضنا البعض كما أن لدينا شبكة من العملاء نتبادلهم فيما بيننا، لذلك نحن نملك الأساس لمناقشة المشروعات التي يحتاجها مجتمعنا و كيفية مساعدة تلك المشروعات، و نرى أيضا نتائج مجهودنا و هذا ما يشجعنا لنكون أكثر كرما”.
و في الحقيقة فإن فكرة مساعدة أحدهم للآخر ليكون ناجحا في عمله هي فكرة قد روج لها كولن، و في عام 2007 قامت ” توكسان” ، و هي جمعية رجال أعمال مرتبطة بكولن و بها أكثر من 1500 عضو، بعقد مؤتمر في إسطنبول للآلاف من رجال الأعمال من الدول النامية مثل إفريقيا ووسط آسيا حيث دربوا على تطوير أعمالهم. و تعد مساعدة بعضهم البعض في صناعة محددة و التواصل بينهم أحد الأسباب التي تجعل مجتمع كولن معروفا في تركيا بأنه أغنى المجتمعات في البلاد.
و التنظيم على أساس طبيعة المجموعة، مثل المجموعات المهنية أو الوظيفية، يسهل التجنيد. و تعد المجموعات التي تتشارك هويات مميزة و قوية و شبكات ما بين الأفراد كثيفة، منظمة تنظيميا قويا و من ثم يتم تعبئتها بسهولة، و يمثل ( التجنيد الجماعي) مجموعات التضامن الموجودة سلفا و هي الأكثر كفاءة من أشكال التجنيد. ويعد تركيز الحركات على المجموعات القائمة سلفا و المجموعات ” الطبيعية” وربط رؤيتها للتغيير بطبيعية ثقافة تلك المجموعة الموجودة سلفا أكثر فعالية من الجهود المبذول لتجنيد الأفراد المنفصلين. و يتطلب تجنيد الفرد استثمار موارد أضخم وهو أبطأ من التجنيد الجماعي.
كل الحلقات المحلية التي زرتها تفصل بين الجنسين و عندما استفسرت عن الأعضاء من النساء، قيل لي في كل حركة : إن الحلقة مفتوحة للنساء و لكنهن يفضلن اللقاء يبعضهن البعض ويرتحن لوجود نساء مثلهن، و في حالة المهندسين على سبيل المثال فإن 10 % من النساء المهندسات يلتقين في حلقات مختلطة، و هناك حلقات محلية موازية للمهندسات حيث تلتقي نسبة إلى 90% الباقية، وينطبق الشيء نفسه على الأطباء و الممرضات و أطباء الأسنان و المحاسبات و العاملات ذوات الياقات الزرقاء… إلخ، و إن أحد أسباب الفصل، كما قيل لي، يعد لوجيستيا. حيث تفضل النساء الاجتماع باكرا قبل عودة أطفالهن من المدارس للبيت حيث يحتاجون لعنايتهن و أيضا لأسباب أمنية حيث لا تفضل النساء الخروج بعد حلول الظلام وهو الوقت الذي يلتقي فيه معظم رجال الحلقات.
و ظهرت مسألة دور المرأة في حركة كولن بشكل متكرر خلال لقاءاتي، و أكد منتقدي الحركة في كل من تركيا و هيوستن و تكساس على أن المرأة في الحركة تظهر و تتعامل بشكل متدني، و متوقع منها أن تقوم بالأدوار التقليدية من تربية الأطفال ورعاية المنزل و يتم تشجيعهن على ارتداء الحجاب و تهميشهن من التفاعلات الاجتماعية مع الرجال و تنحيتهن عن أدوار القيادة العامة، و من خلال مقابلاتي مع النساء في تركيا و الولايات المتحدة، اكتشفت مجموعة واسعة من الاختلافات بين النساء في كل من حكمهن على كيفية معاملتهن في الحركة مراقبتهن للأدوار التي قامت بها النساء في أنشطة الحركة. فعلى سبيل المثال في سان أنطونيو في تكساس كانت امرأة محجبة هي المتحدث الرسمي و القائم على التنظيم في حفل العشاء السنوي في رمضان الذي حضره مئات الأشخاص من المجتمع، و لكن الحال ليس كذلك في هيوستن و تكساس حيث الرجال دائما ما يقودون الأحداث و يخدمون كرؤساء للمجموعة المحلية، و إن العديد ممن أجريت معهن المقابلات النسائية في تركيا يقدرن حقيقة أنه مسموح لهن و بالتدريس في مدارس كولن و العمل في المستشفيات بينما يرتدين الحجاب هو أمر ممنوع في المؤسسات العامة في تركيا، و العديد من النساء يشعرن بالتمكن بسبب قدرتهن على اختيار ما يرتدين كما يجدن مساحة لهن في المؤسسات المرتبطة بكولن للتعبير عن قدراتهن و شخصيتهن الفردية .
و قد قابلت حلقة محلية نسائية في الجزء الآسيوي في إسطنبول تكونت من خليط من النساء من مختلف الخلفيات المهنية و منها مدرسة سابقة تعمل حاليا في مدرسة مستوحاة من كولن، و محامية و محاسبة و سكرتيرة و مندوبة مبيعات و أم ربة منزل، و عندما سألت كيف يشعرن تجاه إقصائهن من حلقات الرجال قمن بتصحيحي بالطريقة الآتية : ” نحن لم يتم إقصاؤنا، فنحن لا نريد الالتقاء مع الرجال، فنحن نشعر بالارتياح أكثر حين نلتقي ببعضنا البعض حتى يتسنى لنا الحديث عن اهتماماتنا و قضايانا المختلفة عن اهتمامات الرجال”.
و تعلمت أن حلقات النساء تعمل مثل دوائر الرجال، فالمجموعة تلتقي أسبوعيا لقراءة القرآن و السنة و كتابات كولن و الكتب الملهمة الأخرى، و بعد ذلك تتناقش النساء في الموضوع الذي يخترنه و مدى علاقته بحياتهن، و يناقشن أيضا أمور عائلاتهن و المشاكل التي قد يواجهنها في المنزل خاصة مع أطفالهن و المشاريع الخدمية التي تحتاج إلى مساعدتهن، وهؤلاء النساء اللائي يعملن خارج المنزل يقدمن مساهمات مالية لمشروعات كولن، و أيضا النساء المنخرطات في ” الكيمس” و التي تعني الممارسة التركية للأعمال اليدوية ( مثل : التطريز و الكوروشيد و الأعمال الفنية… إلخ) التي يبعونها فيما بعد و يكون العائد للمشاريع التي تحتاج مساعدة.
إن دعم مشروع مطلوب هو جزء أساسي من أي حلقة محلية سواء كان في تركيا أو في أي دولة أخرى. و عندما سألت كيف تعلم المجموعة عن الاحتياجات في المجتمع، قيل لي مرارا إن المجتمع المستوحى من كولن وثيق و متماسك و الناس يعرفون أي المشاريع تحتاج إلى المساعدة، فبعض الناس كانوا على تواصل بالمشاريع التعليمية و دعموها لسنوات و يعرفون ما يجري في مجال التعليم، و آخرون تواصلوا مع المستشفيات و يعرفون احتياجاتها.
وما زال البعض يسافر خارج تركيا و على دراية باحتياجات الدول الأخرى، و تدور الأحاديث عن المشاريع التي تحتاج إلى مساعدة في وقت محدد و يجتمع الناس في الحلقات المحلية لمناقشة ما يمكنهم فعله.
بالإضافة إلى التبرعات المالية طوال العام، يحتفل المسلمون مرتين في السنة بأعياد خاصة تستدعي معنى المشاركة مع المحتاجين، فخلال شهر رمضان عندما يكون المسلمون صائمين من شروق الشمس حتى غروبها و يبذلون جهدهم ليعيشوا حياة فاضلة و منضبطة و أيضا يتطلب ذلك تقاسم رغد العيش مع المحتاجين. فالمسلمون بلا استثناء، حول العالم أسخياء بمساهماتهم الخيرية خاصة في رمضان.
الاحتفال الثاني هو عيد الأضحى وهو يوم التضحية الذي يحين وقته بعد الحج إلى مكة و يكون مرة واحدة في العمر لكل المسلمين القادرين جسمانيا و ماديا، حيث يضحي المسلمون في وم الأضحية بالحيوانات التي تذبح ذبحا حلالا أو تكون صالحة كأضحية في ذكرى التضحية التي قدمها النبي إبراهيم، صلى الله عليه و سلم، لله صلى الله عليه و سلم. وهم لا يأكلون اللحم فقط بل يتم توزيعه بين أقاربهم و جيرانهم و أصدقائهم و أخيرا يتم إعطاء الثلث للفقراء و المساكين، و الهدف من ذلك في المجتمعات الإسلامية هو التكاتف لضمان عدم وجود جار فقير لم يصله طعام الأضحية في ذلك اليوم.
و في عيد الأضحى قبل شهور عديدة لمقابلاتي سافرت مجموعة من رجال الأعمال من بورصا إلى دارفور في السودان حث اشتروا ثلاث ثيران و ذبحوها هناك و أطعموا الفقراء، وقابلوا أيضا رجال أعمال آخرين هناك و أقنعوهم بالمساهمة في بناء مدرسة في إحدى مدن دارفور لكي يضمنوا حصول الشباب هناك على تعليمهم.
• جمع التبرعات للمشروعات المستوحاة من فكر كولن
التركيز الأساسي، و إن لم يكن الوحيد، لرؤية كولن لتركيا و للبشرية هو أهمية التعليم الجيد لتنمية الإنسان ولإيصال تركيا في آن واحد للعصر الحديث للقرن الواحد و العشرين، و لتحقيق ذلك الهدف دعا كولن لفتح المدارس أولا في تركيا و من ثم في جميع أنحاء العالم، و يتطلب تحقيق ذلك التزام جميع من في الحركة بما فيهم الإداريون و المدرسون و المدربون و المعلمون و الطلاب و تقديم الدعم المالي حسب استطاعة كل شخص سواء كان رجلا أو امرأة، و لذلك فكل حلقة ممن قابلتهم تركز على الطرق التي يستطيع بها أعضاء الحلقة دعم بعض المشاريع التعليمية بما في ذلك بيوت الطلبة و الدورات التحضيرية و بناء المدارس و توفير المنح الدراسية للطلاب المحتاجين للالتحاق بتلك المدارس.
لكل مدرسة نظامها المحاسباتي المستقل و محاسبوها الذين يديرون الميزانية و الدفاتر المالية، وهم مسؤولون أمام السلطة المحلية و أمام سلطة الدولة بالإضافة إلى مسؤوليتهم أمام داعمي الصندوق الخيري حيث أن الداعمين يعرفون حالة سير المشروعات على مدار العام في كل الأوقات، و ذلك لأن الكثير منهم مسؤولون عن هؤلاء شخصيا سواء أكانوا مقاولين بناء أو محاسبين أو يعملون في مجلس الإدارة أو مدرسين أو مديري مدارس … إلخ لذلك من السهل عليهم مراقبة كيفية توظيف التبرعات و بالتالي تحقيق الشفافية في القضايا المالية، هذا بالإضافة إلى ما أوضحه أحد رجال الأعمال قائلا :
” أولا و قبل كل شيء أريد أن أخبرك أن الناس في حركة كولن قد كسبوا ثقة الناس على جميع المستويات، و أن الأشخاص الذين يدعمون هذه الحركة لا يقلقهم وصول تبرعات لوجهتها من عدمه، فهم لا يتتبعونها، و لكن إذا ما أردنا المتابعة فكل أنواع المعلومات متاحة في كل نشاط و نستطيع التأكد من صحتها عبر مراجعتها”.
كذلك علق أحد رجال الأعمال المحليين في هيوستن ممن يمولون مشروعات مرتبطة بكولن قائلا : “حتى و إن لم أعرف تفاصيل تلك الأنشطة، فأنا أعرف هؤلاء الناس معرفة جيدة و أثق بهم لذلك فأنا أقدم التبرعات و أنا على ثقة أنه سيحسن استخدامها”.
وعلى سبيل المثال، في ماردين و هي مدينة في جنوب شرق تركيا أدركت حلقة من رجال أعمال محليين – يلتقون منذ أكثر من ثلاث سنوات في الفترة من 1988 – 1991 أن الدولة لا تستطيع توفير التعليم الضروري للطلاب، ليس فقط في مدينتهم و لكن في جميع أنحاء جنوب شرق تركيا، ليتنافسوا في امتحانات قبول الجامعة. و معظم رجال الأعمال قد استمعوا لخطب كولن العامة التي شدد فيها على أهمية التعليم ودعا لبناء المدارس الحديثة، و ألهم رجال الأعمال هؤلاء نجاح مدارس كولن، في أزمير و اسطنبول و غازي عنتاب، و تمييزها عن نظيرتها بتطبيقها نظام التعليم القائم على البحوث و بتحقيقها نجاحا لا مثيل له في مسابقات العلوم الدولية . وخلال زياراتهم لتلك المدارس، شهد أولئك الرجال أن الذين يتبرعون لتلك المدارس ليسوا فقط رجال أعمال و بل منهم أيضا العمال و المدرسون و موظفو الخدمة العامة.
و في ماردين تواصل رجال الأعمال هؤلاء مع المزيد من الأشخاص الذين يشاركونهم رؤيتهم التعليمية و الذين ساعدوهم في دعم تلك المدارس. و تعهد البعض بالمال، و البعض الآخر و عد بالبحث عن أشخاص آخرين قد يتبرعون بالمال، و عرض آخرون توفير مواد البناء و المعدات كتبرع من مواردهم، و التزم آخرون بحجم هائل من الجهد البدني في البناء، و حاليا يدعم كل معلم في مدارس حركة كولن في ماردين شهريا نفقات طالب واحد على الأقل من طلاب المدرسة الإعدادية أو الثانوية.
و سمعت في مقابلة جماعية مع 12 رجل أعمال – لديهم مصانع صغيرة في مجال الغزل و النسيج في أنقره – العديد من القصص حول كيفية بداية مشاركة رجال الأعمال في مشروعات مستوحاة من كولن، و على سبيل المثال، ففي عام 1985 جاء إمام مسجد محلي و طلب من رجال الأعمال هناك أن يساعدوا ف بناء مدرسة للأطفال في المدينة، و بعد رحيله اجتمع الرجال مرتين في الأسبوع لمناقشة تلك المسألة، و التزمت تلك المجموعة بالمساعدة ف بناء المدرسة، فقدم البعض الأموال، و طلب الآخرون الدعم المالي من رجال أعمال آخرين في المدينة، ووفر البعض بضائع و خدمات مثل الخرسانة و الأدراج بل وقدموا حتى عمالة تطوعية. و في وقت قصير فتحت مدرسة المجرة أبوابها أمام أول فصل دراسي للمدرسة الثانوية.
استمر مجموعة من رجال الأعمال يلتقون بشكل روتيني لرصد احتياجات المدرسة و البدء في دعم مشروعات إضافية، فعلى سبيل المثال، و في عام 1991 و بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وقعت مذبحة في أذربيجان و احتاج الناس هناك للمساعدة، و كانت استجابة مجتمع كولن هي قيام ثمانية عشر رجل أعمال من مختلف أنحاء أنقرة بالسفر إلى أذربيجان لتوصيل الأموال و البضائع التي جمعوها من أشخاص متأثرين بفكر كولن في أنقرة. و كما قال أحد رجال الأعمال : ” لقد كانت رحلة هامة بالنسبة لي حيث تعلمت الكثير من هؤلاء الأشخاص في مجموعتنا، فقد كانوا مختلفين جدا، و لم يكونوا متعلمين مثلي، و لكنهم أثروا في جميعا بفهمهم لتعاليم كولن و بأسلوب حياتهم، و منذ تلك الرحلة ارتبطت ارتباطا شديدا بحركة كولن”.
أخبرني رجال أعمال آخر في المقابلة الجماعية قصة تشكل الطريق للعديد من الأشخاص للمشاركة في الحركة، ففي يوم من أيام عام 1988 قابل ذلك الرجل طالب حقوق يدعمه ماليا أحد رجال الأعمال في المجتمع السكني الذي يسكن فيه وطلب الشاب أن يعرف رجل الأعمال ببعض من طلاب كلية الحقوق الفقراء الذين لا يستطيعون تحمل نفقات الجامعة، و بع عدة أيام ظهرت مجموعة من طلاب الحقوق في مقر عمل الرجل ولكنهم لم يطلبوا مالا، بل تحدثوا عن مشاكل البلد و مشاكل العالم، و بعد عدة أسابيع دعوا الرجل لمنزلهم حيث يعيش10 من هؤلاء الطلاب الذين جاءوا من كل أنحاء تركيا و معظمهم جاء من عائلات فقيرة، و لم يتحدثوا عن المال، وزار بعض هؤلاء الطلا الرجل في عمله مرة أخرى. و قابلوا ابنه الذي يلاقي صعوبات في المدرسة و عرضوا عليه أن يساعدوا ابنه في الدراسة فتحسنت درجاته بشكل كبير بفضل مساعدتهم، و حتى الآن لا يوجد أي حديث عن المال، و بعد مرور عام كامل على معرفة الرجل بهؤلاء الطلاب معرفة شخصية، بدأ الرجل في تقديم منح دراسية لمساعدتهم على اتمام دراستهم للقانون، و ظل منذ عام 1988 يوفر مثل تلك المنح الدراسية لطلاب القانون المحتاجين.
القصة المذكورة أعلاه تجسد أفعال كولن نفسه في فترة السبعينات و الثمانينات عندما عاش في الحرم الجامعي أو قريبا منه في عدة جامعات في جميع أنحاء تركيا، حيث عمل كمدرس لبعض الوقت و أمضى سنوات عديدة يشرف على الطلاب في المدارس الثانوية أو في مراحل الإعداد بالجامعة، و في بورصا قابلت رجلا محترما كان هو و أخوه قد تشاركا منزلا مع كولن عندما كان في الجامعة في الستينات، و تذكر العديد من الطلاب الجامعيين الذين زاروا كولن في شقته في الطابق الثاني ليلتقيا التدريب و الشجيع، و علق قائلا إنه في رأيه أن هذا الكادر من الطلاب الجامعيين الذين تجمعوا حول كولن هو البدايات لحركة كولن في تركيا.
• المساهمات المالية
العطاء المالي صفة متأصلة في المشاركين في حركة كولن، و لقد علق من قابلتهم مرارا بأن أي أحد داخل الحركة يسهم ماليا تبعا لظروفه الشخصية، و هناك اتفاق على نطاق واسع بين الأشخاص في مختلف الحلقات المحلية أن مبلغ التبرعات يتراوح بين 5 %إلى 20 % مع متوسط 10 % من الدخل السنوي و هناك مجموعة من الأشخاص يقدمون مساهمات مالية أكثر من 20 % .
ترى النظريات التنظيمية أن نجاح أي حركة معتمد بشكل كبير على الفاعلين واسعي الحيلة” أو على النخب، سواء أكانوا سياسين مؤثرين أو دعاة أو رجال أعمال ناجحين أو شركات، و هؤلاء الأفراد هو ” الفاعلون واسعو الحيلة” لأنهم يملكون القدرة على المساهمة بجزء هام مما يستطيعونه لتحقيق أهداف الحركة. و تتحقق تعبئة مجموعة كبيرة فقط عندما يتم تسهيل ذلك بمساهمات من تلك النخب القوية لأنها توفر نوعين من المصادر : المصدر الأول هو القدرة على الوصول إلى الموارد الضخمة و التحكم بها، ثانيا إن مشاركة النخبة تكسب الحركة الشرعية و الوضوح كحركة اجتماعية، و تشكل المصدر الثاني الأساسي لنجاح الحركة.
و من بين الصناعيين الأثرياء الذين قابلتهم في إسطنبول مالك أكبر شركة إليكترونيات، و مالك تجارة أثاث واسعة، و رجل من عائلة تملك شركة سفن، و يتبرع كل منهم بحوالي مليون دولار سنويا لمشروعات مستوحاة من كولن وهو المبلغ الذي يمثل 10 – 15 % من دخله، و اثنان من هؤلاء الصناعيين الأثرياء هم ضمن خمسة رجال داعمين لأحدث المستشفيات المستوحاة من كولن في إسطنبول، و في بورصا يتبرع أحد رجال الأعمال بما يقرب من 3,5 مليون دولار سنويا و ذلك يمثل ثلث دخله، و يمنح رجل أعمال آخر 3-4 مليون دولار سنويا لإحدى عشرة مدرسة في ألبانيا، و يتبرع رجل ثالث آخر بأموال لمدارس في عشر دول و يقول إن له الآن أخوة في كل تلك البلدان و ليس فقط على مستوى تركيا.
و لقد سألنا مجموعة من اثني عشر رجل أعمال في أنقرة ما إذا كانوا يساهمون ماليا في مشروعات مستوحاة من كولن و إذا كانوا يساهمون بالفعل فكم يدفع كل منهم سنويا تقريبا؟ و قال كل واحد من الاثني عشر رجلا أنهم يساهمون قدر المستطاع في مشروعات الحركة، و تتباين مبالغ المساهمات من 10 – 70 % من دخلهم السنوي و تتراوح بين20.000 دولار إلى 300.000 دولار سنويا، و أخبرنا رجل بشكل خاص أنه يتبرع ب 4% من دخله كل عام و الذي يقدر ب 100.000 دولار سنويا و أعرب عن رغبته في التبرع بما يساوي 90% من دخله و لكنه لا يستطيع فعل ذلك لأنه يجب أن يرعى نفسه و عائلته، و قال رجل أعمال آخر : ” نحن نتمنى أن نكون مثل صحابة الرسول صلى الله عليه و سلم و نتبرع بكل ما نملكه و لكن هذا ليس سهلا”. و تتكون تلك المجموعة من رجال الأعمال من رجال كبار في السن كانوا معا كمجموعة منذ سنوات طويلة أنجزوا العديد من المشروعات المستوحاة من كولن في أنقرة و في دول أخرى.
و حاليا كل واحد منهم لديه مدير أعمال يتابع شؤون الأعمال اليومية، و يقضي كل مالك شركة 2 – 3 ساعات يوميا في عمله و يلتقون بعد ذلك يوميا لمناقشة المسائل المرتبطة بالمشاريع التي يدعمونها، و لذلك فإن المجموعة توفر مجتمعا مترابطا يتكون من أفراد لهم عقلية مشابهة و يعملون من اجل قضايا مشتركة، و يؤكد تشيتين : ” أن تضامن المجموعة لا يمكن فصله عن المساعي الشخصية و الاحتياجات اليومية العاطفية و التواصلية للمشاركين في شبكة، و مع ذلك فهي ظاهرة ثانوية و ليست هدفا نهائيا أو غاية في حد ذاتها و لكنها ترافق العمل بشكل طبيعي كنتيجة لإنجاز المشاريع الخدمية”.
و يلقي رجل أعمال آخر ناجع، قابلناه في إسطنبول، نظرة داخلية على المبالغ التي ساهم بها الداعمون لحركة كولن في المشاريع المحلية، وهو يبلغ من العمر 48 عاما و يعمل في الغزل و النسيج و يساهم بنسبة 20% من دخله السنوي الذي يقدر بما قيمته 4 – 5 مليون دولار للمشاريع المرتبطة بكولن، و 8% من أصدقائه المقربين مشاركون في الحركة و يساهمون قدر استطاعتهم في المشروعات، و يقول إنه حظي بصداقات مخلصة جدا من خلال مشاركته في أنشطة الحركة، و علم بالحركة عندما دعاه صديق في عام 1986 إلى “صحبة” حيث يجتمع الناس و يتناقشون في كل من كتابات كولن و المشروعات المحلية التي تحتاج لدعم، و عند سؤاله ما المنافع التي يحصل عليها الفرد من دعم المشروعات المستوحاة من كولن أجاب قائلا :
” أنا لا أتلقي أي منافع دنيوية من دعم حركة كولن، ولو نلت أي شيء سيكون في الآخرة، سوف نراه هناك، و أنا أتمنى أن أنال رضا الله سبحانه و تعالى من خلال تلك الأنشطة و الوقت الذي أقضيه مع هؤلاء الأشخاص الرائعين، و بخلاف ذلك فلا أنا أو أي متطوع آخر لدينا توقعات أخرى، فإنه حين تعطي قلبك لتلك الأنشطة الخيرية فلن يضيعك الله أبدا، فحين نعطي فالله يكافئنا بالمزيد من العطاء، فهو يضاعف ما في أيدينا، و أنا لا أعتقد أن مساهماتي كافية، و لكن عند الله ليس هناك عمل خير قليل أو بلا قيمة طالما يقدم لوجه الله و لخير الإنسانية”.
ويتبرع بعض رجال الأعمال و المهنيين بثلث دخلهم، بعد دفع الضرائب، لمشروعات حركة كولن، و على سبيل المثال خصص رجل أعمال في إسطنبول ثلث دخله ليستثمر في أعماله مرة أخرى، و الثلث الآخر لرعاية عائلته، و الثلث الأخير للمشروعات المرتبطة بكولن، و في حين لم أستطع التأكد من دخله السنوي فإن قيمة أعماله تبلغ مليار دولار، و تعد مشاريعه التجارية من أكبر المشاريع في القطاع الاقتصادي الذي يعمل فيه في تركيا، ولذلك فأنا أستطيع التخمين أن دخله السنوي يبلغ عدة ملايين من الدولارات. و يعرفه العديد من الأشخاص في الحركة بأنه واحد من أكبر المساهمين في المشاريع الخدمية خاصة المدارس.
وتعد المساهمات الكبيرة التي يقوم بها رجال الأعمال المقاولون الأثرياء في الحركة هامة ليس فقط من حيث نتائجها المالية التي تحدد ما يمكن إنجازه فيما يتعلق بإقامة مشاريع مكلفة و استمراريتها، بل لأن مثل هذا الدعم أيضا يمنح الحركة الشرعية و الظهور، و من خلال المقابلات فغالبا ما يشار إلى رجال أعمال بوصفهم قادرين على تحقيق أهداف الحركة.
وليس فقط رجال الأعمال الأثرياء الذين يساهمون ماليا في الحركة بل كل حلقة محلية تساهم على قدر استطاعتها لدعم المشاريع التعليمية، و هناك مجموعة من المقاولين الشباب في إسطنبول، و العديد منهم مهندسون و ينتمون إلى منظمة مهنية تتكون من 1000 عضو جميعهم مشاركون في حركة كولن، و تتبرع تلك المجموعة بنحو 6 مليون دولار سنويا للمشروعات المستوحاة من كولن، و يأتي نصف المبلغ منهم و النصف الآخر من أموال جمعوها من عائلاتهم و شركائهم في العمل.
وإن متوسط التبرع هو 10 % داخل الحلقات المحلية و يسري هذا ليس فقط على رجال الأعمال و المهنيين و لكن أيضا على العمال ذوي الياقات الزرقاء في إسطنبول وبورصا و ماردين، و يعمل العديد من المشاركين المتأثرين بكولن كمندوبي مبيعات و كاتبي حسابات و موظفي بلدية و عمال صيانة و موظفين في المصانع، و يختلف المعدل السنوي لرواتب هؤلاء العمال و المتوسط هو 15000 دولار إلى 30000 دولار في السنة، و مع ذلك فهناك اتفاق عام على أن متوسط التبرع لأعضاء الحلقة هو 10% لمعظم السنوات و إذا لم يستطع الفرد أن يصل بتبرعاته لنسبة 10% فإنه يتعهد بجمعها من معارفه لتعويض الفارق. ورتب أحد العمال في بورصا لرئيسه في العمل – الذي لم يكن يعلم شيئا عن حركة كولن- الفرصة ليزور ألبانيا و يرى مدارس كولن هناك، و هو معجب بالمساهمة المالية الكبيرة التي يقدمها الآن رئسه في العمل للحركة كل عام، و العديد من الأشخاص الذين طلب منهم المساهمة في مشروعات محددة ليسوا أعضاء في الحركة، بل هم من أفراد عائلات و أصدقاء ة معارف من خارج الحركة ممن يرغبون في دعم الطلاب المحتاجين ماليا أو دعم المشاريع الخدمية التي تستحق خاصة خلال شهر رمضان حيث يتوقع من المسلمين أن يتبرعوا للأعمال الخيرية.
وتميل حلقات العمال إلى دعم المنح الدراسية بدلا من المدارس بما أن الأخيرة تحتاج إلى موارد مالية أكبر، حيث أن الإقامة في أحد بيوت الطلبة لحركة كولن تكلف ، 1800 دولار سنويا. ويشعر العمال بأن في استطاعتهم تحمل هذا النوع من المنح سواء أكان الواحد منهم سيدفع المنحة منفردا أو بالتعاون مع عضو آخر في الحركة.
ويساعد العمال أيضا الأعضاء المحتاجين بينهم، و غالبا ما يعرف العمال و أعضاء الحلقة الطلاب المحتاجين في بيوت الطلبة الموجودة في أحيائهم، و يزور الطلاب أيضا أعضاء الحلقة و يساعدون من يحتاج للمساعدة، و يستطيع أطفال الأعضاء في الحلقة غالبا الإقامة في بيوت الطلبة دون تكلفة، و يفضل الآباء ترتيب هذا النوع من المعيشة لأبنائهم لأنها تساعد على الدراسة و لقاء أنواع الأصدقاء الذين يفضلهم الآباء.
ومن العادات الطريفة التي تمارس في كل الحلقات المحلية التي قابلناها و هي أن يعلن كل شخص على الملأ التبرعات السنوية التي يقدمها للمشروعات المستوحاة من كولن، و يتم التشديد على أن التبرعات السنوية التي يقدمها للمشروعات المستوحاة من كولن، و يتم التشديد على أن التبرعات جميعها تطوعية و حسب المقدرة الشخصية، و أكد من قابلناهم أن هناك منافسة بين أعضاء الحلقات أيهم يتبرع بمال أكثر، خاصة بين الأعضاء الأثرياء الذين يتحدثون بعضهم لزيادة قيمة التبرعات. و بالإضافة للمنافسة، أكد العديد من المشاركين في الحركة أن مجرد سماعهم بتبرع زميل لهم، له تقريبا نفس الدخل المادي، بمبلغ معين، و أصبح ذلك دافعا لهم ليحذو حذوه. وقال أحد المهندسين : ” هناك بعض المنافسة، و نحن نعلم بشكل عام مقدار المال الذي يجنيه كل واحد، و نستطيع المقارنة، و عندما أرى أحدهم يتبرع بنسبة 10% فإنه يشجعني على فعل الشيء نفسه”.
وهناك حوالي 50 مجموعة حوار بين الأديان في الولايات المتحدة تتكون من أفراد ألهمتهم تعاليم كولن و حياته، وتلك المجموعات مستقلة تنظيما ولو كان الأعضاء يعرفون بعضهم البعض و يتشاركون الأفكار و المشاريع بشكل غير رسم، و لقد أنشئت مؤسسة حوار الأديان من أجل السلام العالمي (IID ) في أغسطس عام 2002 في أوستن بتكساس، و بعد عام انتقل المقر إلى هيوستن. و تنظم مؤسسة (IID ) أنشطة في أكثر من 16 مدينة في جنوب الولايات المتحدة، منها تكساس ولويزانا و أوكلاهوما و كنساس و أركنساس و الميسيسبي، و الهدف من تلك المؤسسة غير الربحية، كغيرها من المؤسسات في الولايات المتحدة هو الترويج لفكرة التفاهم و الحوار بين الأديان.
و لتحقيق ذلك الهدف تنظم المؤسسة عددا هائلا من الأنشطة في كل المدن التي بها أعضاءها و تدعمها، و من ضمنها العشاء الرمضاني السنوي للحوار بين الأديان و جائزة العشاء السنوية لتكريم أشخاص في مجتمعاتهم المحلية الذين ساهموا بشكل كبير في الحوار بين الأديان، وورش العمل خلال العام، و الرياضة الروحية و السنوية، و العدد الهائل من رحلات الحوار بين الأديان إلى تركيا، و يمول تلك الأنشطة مساهمات المتطوعين الملتزمين بالمؤسسة و أغلبهم من الأتراك المسلمين الذين ألهمتهم تعاليم كولن، و العديد منهم طلاب أتراك في جامعات في جنوب الولايات المتحدة، بالإضافة إلى مساهمات قلة من رجال الأعمال و المهنيين المهتمين بالأمر.
و على غرار النموذج التركي للحلقات المحلية التي تدعم المشروعات المستوحاة من كولن، تأتي نسبة كبيرة من ميزانية مؤسسة (IID ) من مساهمات بسيطة نسبيا مقدمة من أكثر من 500 من الأتراك و الأتراك الأمريكيين في الولايات الجنوبية للولايات المتحدة الأمريكية ممن يدعمون مشروعات مؤسسة (IID ) ما يقرب من مليون دولار كتبرعات سنويا. ويأتي 80% من تلك التبرعات من المجتمع التركي الأمريكي المحلي و تأتي نسبة ال20 % الباقية من المجتمع المحلي غير المسلم.
و يتعهد عدد هائل من الطلاب الخريجين الذين يحصلون على رواتب من تركيا أو من جامعاتهم الأمريكية بالتبرع بنحو 2000 – 5000 دولار سنويا رغم أن مثل هذه التبرعات تعد تضحية كبيرة من جانب الطلاب، و ليس غريبا أن يتبرع طالب، يتقاضى 1500 دولار شهريا، لمؤسسة (IID ) بمبلغ 100 – 150 دولار شهريا وهو ما يعد تقريبا 10% من دخله، و بعض الطلاب يعملون في وظائف إضافية ليساهموا ببعض المال في أنشطة مؤسسة (IID ) ، و العديد منهم يتطلع للتخرج و الحصول على وظائف جيدة ليستطيعوا المساهمة أكثر من دخلهم لذلك الغرض، و كما قال أحد الطلاب : ” يصعب علي و أنا ما زلت طالبا أن أتبرع بمبلغ ضخم و لكني على أمل أن أتبرع أكثر بعد التخرج”.
إن حوالي 50% من أعضاء مؤسسة (IID ) من مهنيين ورجال أعمال في المجتمع، و العديد منهم أكمل دراسته في الولايات المتحدة الأمريكية و اختاروا العمل هناك في الوقت الحاضر، و تشكل مساهمات هؤلاء الأفراد النسبة الأكبر من دخل مؤسسة (IID ) ، فعلى سبيل المثال هناك رجل أعمال محلي وهو مهندس و له بعض الاستثمارات العقارية يتبرع بنحو من 50000 إلى 70000 دولار سنويا إلى مؤسسة (IID ) و يمثل هذا المبلغ 40 % من دخله، و يمول بمفرده مأدبة الإفطار السنوية، و في عام 2006 دفع أيضا ثمن التذاكر ل 16 أمريكيا لزيادة تركيا في رحلة حوار بين الأديان مدعومة من مؤسسة (IID ) ، و أعرب عن أسفه لأن جدوله المزدحم يمنعه من المشاركة بشكل أكبر في أنشطة مؤسسة (IID ) ، و مع ذلك فإنه شعر أنه يستطيع أن يؤثر في مشاريع (IID ) بتوفير دعم مالي كبير، بالإضافة إلى ذلك فهو ينضم إلى أصدقائه كل أسبوع في ” الصحبة” و هي لقاء جماعي لمناقشة أفكار كولن و كيفية تفعليها في مشاريع محلية.
و في حين تم التركيز في الأدبيات التنظيمية على أهمية المال و الشرعية كمصادر للعمل الناجح أكد بعض المنظرين على أن العمل التطوعي لا يجد اهتماما مساويا، و تعتمد غالبية قوة الدفع للعمل و الأنشطة اليومية- التي تدفع بالحركة نحو تحقيق أهدافها – على جهد أعضاء الحركة. كما أن لامركزية السلطة و الهيكل التنظيمي الذي تقوم لجان المتطوعين من خلاله بمهامها، من شأنه تعزيز حيوية الحركة، و هذه الحقيقة تنطبق على مؤسسة (IID ) كما تنطبق على مجموعات كولن المحلية الأخرى، و المساهمات المالية المباشرة لا تمثل الصورة كاملة عن التبرعات لمشاريع كولن فالمشاركون يتبرعون بالوقت و الموهبة و الغذاء للعديد من الأنشطة التي تدعمها مؤسسة (IID ) ، فعلى سبيل المثال، فإن مؤسسة (IID ) تنظم بشكل متكرر مآدب الغذاء و العشاء، و يطلب من النساء في المنظمة باستمرار إعداد الأطعمة التركية لهذه التجمعات الكبيرة و الصغير منها، و لا يدفع لهن تكلفة الطعام و لا يتم تعويضهن ماليا عن المشاركة في إعداده. و يقوم متطوعون من الحركة بتصميم المواقع الإلكترونية و صيانتها، و تصميم المنشورات و الكتيبات و عمل أفلام مرتبطة بأنشطة (IID ) و تنظيم الفعاليات و قيادة رحلات الحوار بين الأديان إلى تركيا استضافة الناس من المجتمعات الدينية الأخرى في منازلهم خلال رمضان، و التواصل داخل شبكة مجتمع حوار بين الأديان عن طريق متطوعي المنظمة، و ليس مستغربا في أنشطة حركة كولن ، فالعديد من المشاركين في الحركة هم من طلاب منتظمين في الجامعات المحلية. و لو أن تلك الأنشطة استعانت بمصادر خارجية أو حسبت تكلفتها فإن تبرعات أعضاء مؤسسة (IID ) ستكون كبيرة جدا.
ويرى بعض منظري الحركات الاجتماعية بأن في وجود هيكل تنظيمي ذي طابع رسمي مع تقسيم واضح للعمالة يؤدي إلى حركة أكثر نجاحا. و أن مركزية الهيكل التنظيمي لصنع القرار يزيد فعالية العمل و تعبئة الموارد، إلا أن الأبحاث الأخرى تظهر أن الترتيبات البيروقراطية أقل فعالية في تعبئة المشاركة الشعبية، و أن الهياكل التنظيمية اللامركزية أكثر نجاحا في تحفيز مشاركة الأعضاء ووجودهم. أما في حالة حركة كولن، فإن السلطة و الهيكل الإداري اللامركزي يعززان من مشاركة الأعضاء و الشعور بالمسؤولية من جانب ملايين المشاركين الذين أسهموا إسهاما ماليا شخصيا في إنجازات الحركة.
• الدوافع المحركة للمساهمات المالية :
عندما سألنا لماذا يعطون مليون دولار أو أكثر كل عام لمشاريع الحركة أجاب مجموعة من رجال الأعمال قائلين :
1- لتحسين شؤون الإنسانية كما يشجع كولن.
2- لتعليم شبابنا.
3- لرضا الله.
4- للحصول على أثواب في الآخرة.
5- ليكونوا جزءا من حركة أكبر لعالم أفضل.
6- لإعطاء الأمل لشعبنا في تركيا وحول العالم.
وكان من بينهم اثنان من رجال الأعمال الذين كانا من أوائل الأعضاء في الحركة و ممن استمعوا لخطب كولن في السبعينات و أعجبوا بأفكاره و التقوا مع رجال أعمال محليين آخرين ليروا كيفية تنفيذ رؤية كولن.
قال رئيس شركة تصنيع غزل و نسيج إن أفكار كولن عن الخدمة حفزته و أضاف ما نصه : ” لقد زاملنا أشخاصا من الحركة و هذا حفزنا على المشاركة في المشاريع، ما هي مشاريعي المفضلة؟ غاية منيتي القلبية هو رؤية هؤلاء الطلاب الذين تخرجوا يحصلون على وظائف حكومية و يصبحون أشخاصا صالحين في الحكومة و الوظائف الأخرى، فعندما أرى هؤلاء الطلاب الخريجين في تلك المناصب أكون غاية السعادة، و أرى أن مجتمعي و حكومتي يتطوران نحو الإقامة و الخلو من الفساد”.
ونقل رجال أعمال ثري – وهو من إسطنبول و يعد من المساهمين الأساسيين – قصة أول لقاء لجمع تبرعات لبناء أول مدرسة مستوحاة من كولن، وهو الحدث الذي ألقى فيه كولن كلمة مؤثرة، و قال فيها إنه من المهم مساعدة الطلاب المحتاجين وضرب أمثلة من التاريخ الإسلامي من حياة النبي صلى الله عليه و سلم و صحابته الكرام، و في هذا الحدث رأيت أشخاصا يكتبون شيكات و يدفعون أموالا نقدية و البعض تبرع بخواتم وأساور من الذهب ” لقد تأثرت جدا بذلك المشهد الذي رأيته، ذلك العطاء الفور و السخي. و منذ هذا الانطباع الأول فكرت في أن أكون جزءا من هذا العمل و بعد ذلك رأيت نجاح المشروعات فأصبحت جزء من الحركة”. و توسع في ضرب أمثلة أخرى على العطاء التي أثرت فيه، فقد رأى عمالا من ذوي الياقات الزرقاء الذين يكسبون القليل جدا من المال كل شهر و لكنهم يخصصون 20 % من دخلهم للدعم بما يعادل نصف أو ربع منحة دراسية لطالب محتاج، و لاحظ أن هؤلاء العمال ربما يستقلون الموصلات العامة إلا أنهم يمنحون المال لمساعدة الطلاب، و اشترك لاحقا في لقاءات جمع التبرعات ورأى ما يفعله الناس لجمع المال للمشروعات المستوحاة من كولن، فالبعض يتبرع بمفاتيح سيارتهم، و بساعاتهم الذهبية، و تتبرع النساء بحليهن لدعم الطلاب، و كان أحدهم في أزمير يخبز البيتزا و يبيعها من عربة و يخصص ريعها لبناء بيت صغير للطلبة في بلدة صغيرة مجاورة، و كلما شاهد تلك الأمثلة أصبح لديه دافع أكبر ليقوم بدوره في دعم المشروعات المستحقة، والتزم بتخصيص ثلث دخله لتعزيز أعماله التجارية و ثلث لرعاية عائلته و الثلث الأخر لمشروعات كولن.
و عندما سئل أحد المهندسين لماذا يعطي 10 % من دخله السنوي للحركة قال ” لا يوجد سبب آخر غير رضا الله سبحانه و تعالى، و إلا يكون العمل لأجل الذات، وهذه أنانية”، و استمر قائلا : “إننا في حركة كولن نكرس لروح خدمة الإنسانية التي علمنا إياها كولن”.
وقد استلهمت فكرة أن يبدو كولن جديرا بثقة العمال من ذوي الياقات الزرقاء، و كما قال أحد العمال : ” لقد أعجبت به عندما سمعته يقول إنه لا يأمر بفعل شيء إلا و قد أتى بمثله”، و قال عامل آخر إنه رأى الصراع و اللوم يقع بين الجماعات الأخرى في المجتمع، أما كولن فرأى المحبة و الأشياء الإيجابية. و أعجب بفكرة أن كولن لم يكن لديه لحية مثل معظم الأئمة، و أنه يدعو أن تتبنى تركيا و الدول الإسلامية الحداثة و العلم و العولمة، و عبر عامل آخر عن حقيقة أن أراد أن يتعلم و لكن لم تتح له الفرصة، وهو الآن يشعر أنه يتيح الفرصة لشخص آخر ليتعلم.
ولقد سمعت في العديد من الحلقات المحلية أشخاصا يعبرون عن حقيقة أن كل ما ينعم الله به على المرء يجب أن يشارك به غيره و إن الله يريد أن يكون الناس وسائل تسخر للمشاركة، و كما قال أحد العمال : ” لقد رأينا آخرين في الماضي يؤثرون على أنفسهم و يتشاركون مع الآخرين كأنهم وسائل من الله لذلك فإننا فقط نشعر بالتواضع أمام ما يمكننا القيام به”.
وهناك تقليد تركي يدعو للفصل بين المتبرع و المتلقي بحيث لا يتم خلق شعور بالالتزام عند الشخص الذي نساعده، و أيضا يعتبر المعطي وكيل نقل من الله و ليس مقدم إحسان، و هناك رجل أعمال في بورصا تبرع بأرض لبناء مدرسة و لم يرسل أولاده إلى تلك المدرسة فهو لا يريد أن يمزج الدافع الشخصي مع أعمال الخير، و علق شخص آخر قائلا : ” نحن لا نريد الخوض في تفاصيل كثيرة بشأن ما نقدمه من دعم مثل الطلاب الذين يتلقون المنح الدراسية لأن الأمر يصبح شخصيا جدا، لذلك فنحن نتبرع للصندوق الذي يساعد الطلاب المحتاجين و لكن لا أحد منا يعرف من يساعده”. و مع ذلك فبعضنا على اتصال مع الطلاب الذين يتلقون المساعدة لذلك نحن على علم بكيفية استخدام الأموال :
وقال رجل أعمال من إسطنبول يبلغ من العمر 48 عاما : ” يحول الناس في حركة كولن أفكارهم إلى مشاريع فهم يرون كيف يحققون نجاحهم، و الناس يثقفون فيهم ولو طلبوا منهم إقامة مشروع، فهم يعتبرونه أمرا لهم من الخالق سبحانه و تعالى و ليس من المخلوقات، و هذا في اعتقادي السبب الذي وصلهم للنجاح، و إذا أتى أي شخص من الحركة إلى مدينتي و طلب المساعدة فسوف أفعل كل ما في استطاعتي لمساعدته و أشجع أصدقائي من حولي لفعل ذلك”، و استطرد قائلا : ” إن مثل هذا العطاء يقدم بروح عبادة الخالق سبحانه و تعالى من خلال خدمة شعبه و غالبا ما يكون نتيجة مثل هذا العطاء تطوير علاقات قوية بين المتبرعين”، كما أكد تشيتين قائلا :
” إن المشاركة في الخدمة تأخذ شكلا دائما نسبيا من أشكال الشبكات، و يأتي الأفراد و يذهبون و يحلون محل بعضهم لكن المشاريع تبقى دائما موجودة و متواصلة، و إن الاحتياجات الفردية و الأهداف الجماعية لا يقصى بعضها البعض، بل ه الشيء ذاته، و هذه الاحتياجات و الأهداف متزامنة و متمازجة مع فعاليات حركة كولن بشكل وثيق مع بعضهم البعض في الحياة اليومية، كما إن المشاركة في تقديم خدمات حول هدف محدد له منتجات ملموسة تثمر المزيد من التضامن و تعززه”.
و يقول أحد المهندسين إن الناس يقومون باستثمار أموالهم في حياتهم و ينالون الجزاء في الحياة الآخرة، و إنه يشعر أن الطلاب يصنعون استثمارا كبيرا لحياتهم وهو يريد مساعدتهم لاستثمار حتى يتسنى لهم عيش حياة منتجة و نيل الجزاء في الآخرة و مساعدة الآخرين لتحقيق ذلك الاستثمار حين يصبحون متعلمين.
بينما لا يحدد النجاح المالي الدافع للعطاء، يعلق عدد ممن أجرينا معهم مقابلات، على كل المستويات الاجتماعية- الاقتصادية، قائلين بأنه غالبا ما يأتي العطاء للمشروعات المستحقة بمكافآت مادية على المعطي، فيجني رجل الأعمال أرباحا أضخم، و تزداد رواتب العمال و يرتقون في وظائفهم، و تعد تلك النجاحات بركة من الله لمن يعطون و كما قال أحد العمال نصا : ” عندما يعطي المرء يزيد دخله، فالله يجزل له العطاء الموفور”.
• الثقة في مشروعات كولن و الاطمئنان إليها
يعرب أعضاء كل حلقة محلية قابلتها عن ثقتهم في كيفية توظيف تبرعاتهم، و يقول الذين قابلتهم مرارا إنهم لم يقلقوا قط بشأن كيفية توظيف أموالهم، و لهم تعليق آخر متكرر وهو : “إننا نرى نتائج”، و يعنون بهذا أنهم يرون طلابا يؤدون أداء أكاديميا جيدا في المدارس و الدورات التحضيرية، فهم يرون طلابا من المدارس المستوحاة من كولن يقبلون في أرقى الجامعات في تركيا و في الخارج، و الكثير منهم يصبحون أعضاء في الحركة و ينضمون إليها غالبا عندما يلتحقون بالجامعة، و من الشائع سفر بعض أعضاء الحلقات المحلية لوسط آسيا و البلدان الأخرى، التي يوجد بها مدارس مستوحاة من كولن، لرؤية الإسهامات التي تقوم بها تلك المدارس. و يسمح الداعمون أيضا قصصا عن المرضى الذين يعالجون في المستشفيات المستوحاة من كولن، و يسعدون جدا للمعاملة الإنسانية التي يتلقاها هؤلاء المرضى من قبل الأطباء و الموظفين. و تتكرر قصص العديد من الطلاب المحتاجين الذين تقدم لهم المعونة هيئة ( هل هناك من أحد) الإغاثية، في الحلقات المحلية و يتعزز في الإعلام، و بما أن مجتمعات كولن تحافظ على تواصل جيد من خلال حلقات “الصحبة” ووسائل الإعلام، فإن قصص نجاح كولن تحكى و تكرر و بذلك يضمن المساهمون أن أموالهم يحسن استخدامها و تحقق نتائج ملموسة.
• الانضمام للحركة
سمع العديد من المشاركين في الحركة عنها لأول مرة عند إقامتهم في بيوت الطلبة أو حضورهم للجامعة مع أشخاص من الحركة أو عند ذهابهم إلى أحد الدورات التحضيرية، و سمع عنها آخرون من خلال العائلة أو الأصدقاء. فعلى سبيل المثال كان لرجل أعمال في إسطنبول أخ في كلية الطب دعاه إلى أنقرة عندما كان في المدرسة الثانوية و أقام مع 20 من طلاب كلية الطب في أحد بيوت الطلبة التابعة لكولن، و قال على الفور إن هؤلاء الطلاب مختلفون عن أي طلاب جامعة أخرى من حيث قيمهم و طموحهم و مواقفهم تجاه بعضهم البعض، و يعطي مثالا أنه نام لوقت متأخر في صباح أول يوم، فانتظره أحد الطلاب ليعد له وجبة إفطار كبيرة قبل ذهابه للدراسة، و لقد تأثر بالمجموعة ورغب في معرفة ما يحفزهم للعيش معا في بيت طلبة، و علم أن الكثير منهم حاصل على منحة للإقامة هناك، تمول تلك المنح من قبل رجل أعمال محلي، و أضاف عندما أصبحت رجل أعمال تذكرت تجربتي و أردت أن أصبح جزء من الحركة من خلال دعمي للطلاب المحتاجين.
و مثل الكثير ممن أجريت معهم مقابلات، سمع أحد المهندسين لأول مرة عن الحركة في الجامعة، في وقت كان يبحث لحياته عن معنى، و عرفه ابن عمه على أشخاص ملهمين بفكر كولن و كانوا طلابا في الجامعة و يعيشون معا في بيت طلبة فانضم إليهم و أصبح جزء من مجتمعهم.
كما أصبح مهندسون آخرون في المجموعة بالإضافة إلى عدد من الأطباء الذين قابلتهم على علم بحركة كولن عندما حضروا الدورات التحضيرية في مدة عديدة في أنحاء تركيا، فعلى سبيل المثال كان احد المهندسين يبحث عن شراكة فكرية في حياته و لم يجدها في المجموعة القومية اليمينية التي كان ينتمي إليها، ويقول : ” عندما وجدت الأشخاص الملهمين بفكر كولن في الدورات التحضيرية وجدت كل شيء أبحث عنه : وجدت الدين و القومية و العلم و العقلانية و الرؤية العالمية التي أستطيع دعمها” ثم سمع كولن وهو يتحدث و يدعو كل شخص ليس للقتال بل لفهم أحدهم الآخر، و يقول إننا جميعنا بشر في سفينة واحدة، ويقول : إذا اعتبرت نفسك قويا يصبح كل شخص عدوك. و عندما تسمع كولن تعرف أنهم جميعا بالفعل إخوة و على نسق واحد، فقد أرانا كيف أن المسيحيين و اليهود و المسلمين يأتون من نفس الجذور، ” فلقد فتح كولن أعيننا لنرى أننا أصدقاء للآخرين. و قبل أن نراهم كأشخاص مختلفين عنا علمنا كولن أن نراهم مقربين منا” و استمر ليقول بأننا نستطيع أن يساعد أحدنا الآخر حتى في أعمالنا التجارية و مهننا، و يجب أن نفكر كونيا، و ندعم أصدقاءنا للذهاب حتى إلى الخارج بدلا من التركيز على تركيا.
و التحق عامل بدورة تحضيرية تدعمها الدولة في إسطنبول و لكن رأى أن الطلاب الذين أنهوا الدورة لم يكونوا ناجحين بالقدر المطلوب في تحصيل درجات كافية لدخول الجامعة، و قابل بعض الطلاب الذين التحقوا بدورات تحضيرية مستوحاة من كولن فكانوا أكثر جدية في الدراسة و تلقي التعليم لذلك انتقل إلى تلك الدورات، و هناك عرف أعضاء حركة كولن و احترمهم، خاصة المعلمين و المتفانين في عملهم و يقضون وقتا إضافيا مع الطلاب بعد الحصص المطلوبة للتدريس، ورغب في معرفة ما يحفزهم للعمل و بدأ التحدث معهم عن كولن و أفكاره و أعجب بهم بشدة و أراد أن يكون مثلهم.
• توليد الالتزام
و من النتائج الرئيسية التجريبية التي توصلت لها دراسة كانتر لليوتوبيا الأمريكية تأثيرها اللاحق على أدبيات الالتزام أنه لكي يبقى المجتمع فهناك ثلاثة تحديات أساسية تواجه الالتزام لا بد من معالجتها، التحدي الأول هو أن يرى الأفراد أن مصلحتهم المستدامة في المشاركة الجماعية، ثانيا أن يشعر الأفراد بتضامنهم بفاعلية مع المجموعة، و ثالثا أن يختبر الفرد السلطة الأخلاقية العليا في المجموعة. و يمكن أن تختصر تلك الآليات في شكل استراتيجيات تحاول بها المجموعة التقليل من قيمة الالتزامات الأخرى الممكنة و الزيادة من قيمة الالتزام نحو المجموعة، و بعبارة أخرى يعالج كلا الأمرين الانفصال عن الخيارات الأخرى و الربط بالمجتمع. و يظهر بحث كانتر بشكل خاص وجود علاقة إيجابية بين التضحية و الاستثمار فيما يتعلق بتوليد الالتزام، فكلما كانت التضحية مكلفة عظمت القيمة التي يسهم بها الفرد لتحقيق أهداف المجموعة. و تؤيد المعلومات في هذا الكتاب حجة كانتر و ذلك بإظهار أن المساهمات المالية للمشاريع المستوحاة من كولن لا تعكس فقط الإيمان بأهداف الحركة بل تبين أيضا أن العطاء هو نفسه آلية للارتباط بالمجموعة.
و في مفاهيم كانتر، تصبح أهداف المجموعة منصهرة في هدف حياة الفرد و معناها. و إن أهداف المجموعة تغذي شعور المرء بنفسه و بالمجموعة و تصبح امتدادا له، مما يربط الفرد بالمجموعة ارتباطا وثيقا، و بذلك تواجه أول التحديات الأساسية لكانتر لبقاء و نجاح المجموعة. و قد بينت المقابلات الشخصية مع الداعمين في حركة كولن أنهم يرون في أهداف الحركة أهدافا شخصية لهم، فمحور هويتهم هو كونهم جزء من حركة كولن و مشاركتهم في الحلقات المحلية، و تقديمهم المساهمات للمشروعات التي تدعمها الحركة.
تحقق الروابط الفاعلة – التي تنشأ داخل المجموعة أثناء العمل معا في مشاريع مجدية – تحدي كانتر التنظيمي الثاني، و تضيف حقيقة – أن العديد من الحلقات المحلية مبنية على أفراد يتشاركون المصالح في الأعمال التجارية أو الوظائف – مزيدا من التضامن الذي نشأ في المجموعة. وكلما اندمج الفرد في المجموعة زادت درجة مشاركته، و تعد المشاركة تعبيرا عن الانتماء إلى فئة اجتماعية معينة و تلقي المكافآت الفردية لكون الفرد جزء من جماعة أكبر، و كلما زادت كثافة المشاركة الجماعية في شبكة العلاقات كانت تعبئة الحركة أمتن و أسرع. و هكذا زادت تسهيلات حركة كولن من رغبة الفرد في المشاركة في المشاريع الخدمية من خلال علاقته مع أصحاب التفكير المتشابه الآخرين و من لهم نوايا متشابهة.
و التحدي الثالث، وهو تجربة السلطة الأخلاقية الأعلى في المجموعة و تمثله المناقشات المستمرة لتعاليم كولن و المشاركة في قراءة القرآن و الأحاديث النبوية، و بالتالي فإن الأهداف و الدوافع خلف المشاريع الخدمية هي أكثر من مجرد مساعدة للآخرين بل هي متجذرة في اعتقادهم بأنهم جزء من خلق الله و رعايته الدائمة لعباده.
و ترى كانتر أن وجود آلية أخرى للالتزام الفردي تجاه حياة المجموعة و أهدافها هو نوع من التضحية، إن تقديم المرء وقته وموارده للمجموعة لا يعد فقط مؤشرا على الالتزام نحو المجموعة بل هو منشأ الالتزام نفسه، كما هو الحال في حركة كولن حين يعطي الناس من مواردهم الشخصية لحياة المجموعة و مشاريعها، فإن فعل العطاء نفسه ينتج عنه تكثيف الالتزام نحو المجموعة و قيمها العليا.
و تعمل المثل الإسلامية الأساسية – التي تدفع أعضاء حركة كولن للمساهمة بالوقت و الطاقة و تقديم التبرعات المالية للمشاريع الهامة المستوحاة من كولن في نفس الوقت – على بناء التزام قوي من جانب الأفراد نحو الحركة، و إن القوة الرئيسية للحلقات المحلية هي المناقشات المستمرة لهذه المفاهيم التي تستند إلى القرآن و السنة النبوية و أعمال كولن، و بالتالي فالحلقات توفر الدافع الروحي للعطاء و يبقى لها دور أكبر بكثير من كونها مجرد أماكن لجمع التبرعات. و سواء كان ذلك عن وعي أو بدونه، فإن الهيكل الذي تطور داخل حركة كولن قد ترسخ في مبادئ تنظيمية سليمة تنجلي في نمو الحركة في جميع أنحاء العالم.