أنا لست عضوًا في مشروع الخدمة، ولا تربطني علاقة مع أحد منهم إلا قراءة ودراسة كتب وأعمال فتح الله كولن، ولكنني على اطلاع بما تقوم به الخدمة من أعمال حول العالم، فقد كانت لدي فرصة لزيارة دول البلقان وتقابلت هناك مع كثير ممن هم على علاقة بالخدمة، ورأيت هناك مدارس الخدمة العظيمة وبها جميع المراحل السنية، كما رأيت الكليات والجامعات المرتبطة بالخدمة، ورأيت العمل الذي يقومون به في دول البلقان، كما أنني على معرفة واطلاع على الأعمال التي يقومون بها في السنغال في المدارس التابعة للخدمة هناك، وأنظر إليهم من زاوية قوله تعالى: “وَلْتَكُن مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُون بِالْمَعْروف”، والمعنى المقصود ليس فقط دعوة الناس للخير، بل أن يكونوا هم أنفسهم روادًا في فعل الخير.

بالنسبة لي كأكاديمي ودارس للإسلام وتاريخه فأنا لا أتاثر بالكتابات فقط كفتح الله كولن، بالنسبة لي أرى أن رسالته لا تكمن في كتاباته بل حياته هي رسالته ولذلك أراه مهما لأجيالنا الحالية والمستقبلية، فلدينا كثير ممن ينطبق عليهم”يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم”. نعم رأينا الكثير من قادة المسلمين هكذا عبر التاريخ “يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم”، لكن كولن منذ 1958م بدأ الوعظ في المقاهي والمساجد وفي نواصي الطرقات، وحياته وصل بها إلى نقطة أنها أصبحت هي رسالته، وعندما يحترمه ويوقره الناس في كل أنحاء العالم ويكون لديه مشروع مرتبط به كالخدمة يتبرع الناس فيه بملايين الدولارات من أجل خير العالم، وأنت تراه كيف يعيش، وأين يعيش، وماذا يرتدي، وماذا وكيف يأكل؟

لذلك أنا أعتبره نموذجًا؛ لأنني أعتقد وأشاهد هذا في المؤتمرات الدولية في كل أنحاء العالم. إننا لا نحتاج إلى حفَّاظ للقرآن الكريم، فلدينا ما يكفي منهم، ولم يعد لدينا حاجة إلى مزيد من الشيوخ المتخصصين في الشريعة فلدينا الملايين والملايين منهم، ما نحتاج إليه هو نماذج حية، أُناس يتمثّل فيهم الإسلام، هذا ما يفتقر إليه الإسلام اليوم.

عندما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء”، لم يكن يتحدث عن مسألة العدد، كان يقصد الأخلاق. في بداية البعثة كان الإسلام غريبا من حيث العدد، فكان المسلون آنذاك قلة، ولكن عودته غريبا ليس متعلقا بالعدد، لأن المسلمين عددهم يفوق المليار. إذن عمَّ يتحدث، ما هو الغريب وغير المعروف اليوم؟ إنها الأخلاق لم تعد موجودة، والنماذج الحية، الناس الذين يتمثل فيهم الإسلام بقيمه ومبادئه لا نراهم اليوم، الناس الذين يقولون: “حياتي هي رسالتي” مثل فتح الله كولن، هذا ما نفتقده.