بدلاً من أن تقوم السفارات التركية حول العالم بأداء مهامها في تعميق الروابط الدبلوماسية البينية، إلا أنه يومًا بعد يوم تتكشَّف حقائق تثبت تورط السفارات التركية في أعمال التجسس على أنصار الأستاذ فتح الله كولن في عدة دول، بما يُعدُّ مخالفة صارخة لقواعد القانون الدبلوماسي المنظم لأعمال السفارات.

فقد كشفت وثائق قضائية تركية نشرها موقع “نورديك مونيتور” السويدي المختص في الشؤون العسكرية والأمنية، أن عناصر الشرطة التركية المكلفة بحراسة البعثات الدبلوماسية في عشرات الدول الأوروبية، قد جُنِّدت من أجل التجسس على أنصار المفكر الإسلامي التركي محمد فتح الله كولن.

الوثائق التي حصل عليها موقع “نورديك مونيتور” السويدي فضحت قائمة من نشاطات المراقبة والاستطلاع التي استهدفت المؤسسات التابعة لحركة الخدمة ومنتسبيها، ومن بين الوثائق خطاب موجه من مديرية الاستخبارات إلى المحكمة بتاريخ 6 يناير الجاري، تحدث عن “نشاط تجسس غير قانوني” لرجال الشرطة في السفارات التركية، على المؤمنين بأفكار فتح الله كولن، الذين اصطلح على تسميتهم بـ”جماعة الخدمة” في 92 دولة.

وطبقًا لوثائق محكمة أنقرة الجنائية العليا الرابعة ضمن ملف القضية رقم 2016/238، والمؤرخة 16 يناير الجاري، فإن وزارة الخارجية التركية وضعت قائمة طويلة من الكيانات الأجنبية التي كان يملكها ويديرها من تعدهم مقربين من الحركة، بهدف رصدها ومراقبتها وأصحابها عن كثب.

الوثيقة رقم 8211250 المرسلة من الوزارة إلى مكتب المدعي العام في 21 أغسطس 2015، وحملت اسم المستند رقم 2 في الملف، أقرت صراحة بأن الوزارة جمعت معلومات أمنية سرية في العديد من البلدان في الأمريكيتين وأوروبا وآسيا وأوقيانوسيا.

ومن بين الدول التي تدير فيها الشرطة التركية عمليات مراقبة غير قانونية بحسب الوثيقة، الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وسويسرا والسويد والصين والدنمارك واليابان والفلبين وكوريا الجنوبية وأوكرانيا وأستراليا والهند.

وأوردت الوثيقة أيضا دولاً عربية تتجسس فيها الشرطة التركية لصالح أنقرة، من بينها ليبيا ومصر والسودان والصومال.

تركيا تستخدم المساجد الأوروبية في أعمال تجسس

أوردت الكاتبة أوزي بولوت الصحفية بمركز أبحاث “غيتستون إنستيتيوت” الأمريكي، في مقال لها حسب وسائل إعلام تركية، أن مؤسسة الشؤون الدينية في الحكومة التركية (ديانت) تقوم بجمع معلومات استخبارية حول المواطنين الأتراك في 38 دولة، عبر أئمة مساجد وغيرهم من الموظفين الأتراك التابعين للمؤسسة المذكورة إلى جانب مؤسسات أخرى. وقد برر الإعلام التركي هذا الأمر بالقول إن “الهدف من ذلك هو تتبع مسارات ونشاطات فتح الله كولن”، المتهم بمحاولة انقلاب في يوليو/تموز 2016.

قلق ألماني

وفقًا لتقرير ألماني صدر في شباط/فبراير 2017، أوردته إذاعة صوت ألمانيا الدولية، فإن “ديانت”، والملحقين الدينيين في القنصلية، والموظفين الأتراك في المؤسسات التابعة لمنظمة الاتحاد التركي الإسلامي الناشطة في ألمانيا، جميعهم ينفذون أوامر سياسية قادمة من أنقرة، مغلفة باسم الدين. ووفقًا للسياسي الألماني فولكر بيكه، فإن “الاتحاد التركي الإسلامي ينفذ خدمات سرية على الأراضي الألمانية”، وهو ما دفعه إلى تقديم شكوى جنائية للقضاء الألماني في ديسمبر/كانون الأول. وأضاف بيكه أن “عمليات جمع المعلومات من خلال المؤسسة التركية لا تقتصر على ألمانيا، بل تتسع في عدد من بلدان العالم، ويتجلى هذا في حقيقة ملاحقة السلطات التركية لأسر الناس المذكورين في نصوص تقارير المؤسسة”.