ينظر فتح الله كُولَنْ إلى الإنسان أولًا في إطار قول الشاعر:

دواؤكَ فـيــك ومــــا تُـبـصِــر وداؤكَ مـــــنــــــكَ ومــا تَـشْــعُــــــرُ

أتحسَبُ أنّــك جـــرمٌ صغيرٌ وفيــكَ انطوى العـــالمُ الأكــبرُ

أي إنَّ الإنسان وإن كان يبدو بالنسبة إلى مظهرِهِ وطبيعتِهِ وكأنه “جِرم” صغير؛ فإنه أسمى من الملائكة باعتبار ماهيته؛ إذ تتجلّى فيه جميعُ أسماء الله تعالى التي تمنح الكونَ الوجودَ، ولذلك فإن خلاصة العوالم والوجود كامنةٌ فيه، ومثلما أن الفاكهة نتيجةٌ وخلاصةٌ وجوهرٌ يحوي في داخله -بشكلٍ أو بآخر-حياةَ الشجرة وجميع عناصرها؛ فالإنسان يُمثِّلُ باعتباره ثمرة شجرة الخلقة الغايةَ من الخلق والنتيجة والخلاصة التي تحتوي في ذاتها كلَّ شُعَبِ الوجود.

الوظيفة الأولى للإنسان هي اكتشافُ نفسه وتعرّفُه عليها، ثم التوجّه إلى ربِّهِ بعد وضوح ماهية نفسه أمام عينيه.

وهكذا فإن فتح الله كُولَنْ الناظر إلى الإنسان من هذه الزاوية الوجودية يرى أنه لا يمكن إنتاج فلسفة ولا الوصول إلى العلوم ما لم يوضع الإنسان في الحسبان، ويبدو أنَّه يُقيّمُ الإنسان ويعتبره موجودًا يصعبُ فهمه بكلِّ جوانبه نظرًا لموقعه ومكانته عالية الخصوصيّة بين الموجودات؛ إذ توجد فيه جميع العوالم والموجودات المخلوقة بكل خلاصتها وماهيَّاتها الخاصة، ولذا فإن فهمَ الوجود ينبعُ -في رأيٍ- من التعرُّفِ على الإنسان أو فهمِه، والأمر لا يقف عند هذا؛ ففهم الإنسان هو الوظيفة الأولى بالنسبة للإنسان نفسه؛ ذلك لأنه يُمَثِّلُ في الوقت ذاته النافذةَ المنفتحة على التعرُّف على الخالق، وهنا يصل فتح الله كُولَنْ إلى هذا الحكم:

يرى فتح الله كُولَنْ أنه لا يمكن إنتاج فلسفة ولا الوصول إلى العلوم ما لم يوضع الإنسان في الحسبان.

“الوظيفة الأولى للإنسان هي اكتشافُ نفسه وتعرّفُه عليها، ثم التوجّه إلى ربِّهِ بعد وضوح ماهية نفسه أمام عينيه، أما الذين لا يتعرّفون على ماهيّة أنفسهم ولا يدركونها ولا يستطيعون تأسيس علاقة مع خالقهم الجليل… هؤلاء من ذوي الحظوظ النكدة، يمرون بهذه الدنيا ويفارقونها وهم لا يعرفون قيمة الكنـز الذي يحملونه بين جوانحهم كما يمُـــرُّ الحمَّالون الذين لا يعرفون قيمة ما يحملون من كنوز”.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: علي أونال، فتح الله كولن ومقومات مشروعه الحضاري، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ1، 2015م، صـ306/ 307.