لا شك أن من أخطر المصائب التي قد تتعرض لها تركيا هي نشوب انقسامات بين الحركات التي كرست نفسها لخدمة أبناء المجتمع، وللأسف نلاحظ في الآونة الأخيرة هذا الانقسام حيث تزداد المشاحنات والخلافات بين أبناء هذه الحركات يومًا بعد يوم بشكل يهدد البنية الاجتماعية لهذا البلد.
ولا أقصد هنا بالحركات حركة “الخدمة” أو الحركات الإسلامية الأخرى فحسب بل أقصد بذلك جميع الطرق الصوفية والفرق الدينية والجمعيات وغيرها من المنظمات الأخرى التي تباشر أعمالها وفق مبادئ الإسلام الأساسية في تركيا.
الإصلاح بين الفئات المتنازعة
من المعلوم أن ديننا الحنيف يأمرنا بالوحدة وينهانا عن التفرقة والتشتت ونلتمس ذلك في قول الله تعالى:﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ… ﴾(سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 49/10) هذا ويجب اللجوء إلى القرآن والسنة عندما ينشب نزاع بين فئتين من المسلمين كما تتحمل الفئة الثالثة مهمة الحكَم بينهما. إننا نعلم هذه الأمور جيدًا ولكن هل نطبق ذلك في حياتنا اليومية؟
نظَّم الصحابة نمط حياتهم في ظل الوحي الإلهي الذي هو بمثابة الحامي لهم وذلك في الفترة ما بين (610-632م)، حيث كانت جميع الأمور في مكة والمدينة تسير وفق الوحي الإلهي وتحت إشراف النبي ﷺ.
وقد رأينا في الآونة الأخيرة في تركيا تشرذم العائلات وتباعد الأشقاء وتزايد معدلات الطلاق والاستقطاب الشديد بين فئات المجتمع وذلك بسبب الخلافات السياسية التي نشبت في البلاد، أضف إلى ذلك أن هناك أصدقاء قدامى باتوا يمتنعون عن تبادل السلام فيما بينهم، ولا شك أن انقسام المجتمع بهذا الشكل سيؤدي في نهاية المطاف حفظنا الله إلى ضعفه وانهياره في النهاية، فلنفترض أن هذه الصداقات كانت لا تستند إلى أرضية سليمة ولذلك تباعد هؤلاء عن بعضهم ولكن كيف يمكننا أن نفسر ونوضح تشرذم العائلات بسبب الخلافات السياسية؟
خلاف الصحابة
فلو نظرنا في حياة الجيل الأول من المسلمين لوجدنا أن الخلاف كان قد وقع بين بعض الصحابة أيضًا، ولكن هناك سؤال يتبادر إلى الذهن في هذا الصدد كيف يمكن أن يحدث خلاف بين الذين تلقوا التربية من النبي محمدﷺ؟
إن الخلافات التي نشبت بين بعض الصحابة لم تكن نابعةً عن العصبية القبلية، وفي معركة الجمل وحدها قُتل أكثر من 20 ألف شخص بينهم صحابة وتابعون، فترمل آلاف النساء وتيتم آلاف الأطفال، والسؤال هنا في سبيل ماذا مات هؤلاء؟
إن نظرتنا السُنّية لهذه الأحداث تمنعنا عن الخوض فيها بالنقد، ولكن ألا يجب علينا التفكير والتمعن في تلك الأحداث المؤسفة لاستخراج الدروس والعبر؟
نرى اليوم تباعد الأشقاء وتزايد معدلات الطلاق والاستقطاب الشديد بين فئات المجتمع بسبب الخلافات السياسية، بالإضافة إلى أن هناك أصدقاء قدامى باتوا يمتنعون عن تبادل السلام فيما بينهم.
وحين أفكر في معركتي “الجمل وصفين” فإني أفهم سياسة اليوم بشكل أفضل، فما دام بعض الصحابة سفكوا دماء بعضهم فلا عجب في أن نرى قيام بعض المسلمين الضعفاء بإبادة بعضهم في أيامنا هذه، كما أننا إذا نظرنا إلى الأحداث بمنظور العلوم الاجتماعية لوجدنا أن هناك عوامل مختلفة لعبت دورًا فيها، لكن هناك عامل آخر أبعد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية هو الذي يتسبب في نزاع المسلمين قديمًا وحديثًا وهذا ما سنتحدث عنه في السطور القادمة.
الصحابة ونمط الوحي الإلهي
إن الصحابة رضي الله عنهم قد نظموا نمط حياتهم في ظل الوحي الإلهي الذي هو بمثابة الحامي لهم وذلك في الفترة ما بين (610-632م)، حيث كانت جميع الأمور في مكة والمدينة تسير وفق الوحي الإلهي وتحت إشراف النبي ﷺ الذي كان يتلقى الوحي من الله عز وجل من حين إلى آخر، وفي حال حدوث أي خلاف بينهم كان النبي ﷺ يتدخل لحله، لكن مع انتقاله إلى الرفيق الأعلى وانقطاع الوحي زالت الحماية الإلهية، ولم يعد هناك نبي ينظم الأمور، وعندئذ وجب على المسلمين أن يقيسوا الأمور وفقًا للمنهج الإلهي الذي جاء به النبي ﷺ ويفرقوا بين الحق والباطل والصواب والخطأ، فساداتنا عائشة والزبير وطلحة ﷺ لم يكن بينهم الرسول ﷺ كي يراجعوه ويسترشدوا برأيه بل وجدوا أنفسهم أمام امتحان صعب عليهم أن يتخذوا فيه قراراتهم في ضوء ما يعلمون ويفهمون من الكتاب والسنة، وكما كانت هناك أسباب سياسية واجتماعية متعددة توجه تصرفاتهم السياسية، فكذلك اليوم توجد أسباب خارجية عديدة تساهم في الفتن والانقسامات التي نعيشها في الوقت الراهن، لكن نفوسنا أيضًا توجهنا وتدفعنا إلى القيام ببعض التصرفات والسلوكيات الخاطئة، فالعالم الإسلامي اليوم يعيش معركتي الجمل وصفين من جديد، وأضحى المسلمون يقتل بعضهم بعضًا كل يوم، أما تركيا فتُعد محظوظة بعض الشيء فلا تسيل فيها الدماء كما في سورية والعراق وليبيا واليمن.
يجب اللجوء إلى القرآن والسنة عندما ينشب نزاع بين فئتين من المسلمين كما تتحمل الفئة الثالثة مهمة الحكَم بينهما.
لنتعلم الدرس
وأنا أقول يا أيها المسلمون! لنتعلم الدروس ونستخلص العبر من الامتحان الذي ابتلي به الصحابة، فلنحاسب أنفسنا، ولنكبح جماح أنفسنا، ونلتزم بحدود الله، فإن نجحنا نحن في تركيا في تحقيق ذلك وسلكنا طريق السلام والصلاح نصبح عندئذ نموذجًا للعالم الاسلامي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: علي بولاج، آمال كبيرة وحقائق مريرة قراءة في الواقع التركي، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ1، 2015م، صـ193/ 194/ 195/ 197.
ملاحظة: عنوان المقال، والعناوين الجانبية من تصرف محرر الموقع.