صدر اعتراف خطير للغاية من كاتب صحفي معروف منتسب إلى تيار الإسلام السياسي في تركيا من شأنه إزاحة الستار عن المؤامرة التي حاكها الرئيس رجب أردوغان بالتعاون مع حلفائه من خلال ما يعرب بـ “الانقلاب المدبر” في عام 2016 من أجل التمكن من نقل تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي الذي يكون أردوغان في ظله الآمر والناهي الوحيد في البلاد.

في برنامج تلفزيوني أذيع على قناة “خبر ترك”، اعترف الصحفي بجريدة “يني شفق” يوسف كابلان، الذي يعتبر من أهم منظري حزب العدالة والتنمية، بأن حكومة أردوغان اتفقت مع ما سماه “الكيان الكمالي العلماني” في المؤسسة العسكرية، -نسبة إلى مصطفى كمال أتاتورك؛ مؤسس الجمهورية التركية الحديثة- وذلك قبيل محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016.

وقال الكاتب يوسف كابلان: “الحكومة عقدت اتفاقية مع الكوادر الكمالية في الجيش من أجل إفشال محاولة الانقلاب التي أقدمت عليها منظمة فتح الله كولن عليها في 2016″، على حد زعمه.

وتتهم أنقرة حركة الخدمة بتدبير انقلاب عام 2016 وتصنفها “منظمة إرهابية” بينما تنفي الحركة وفتح الله كولن الذي تستلهم من أفكاره ذلك بشكل قاطع.

ومن اللافت أنه على الرغم من مطالبة مقدمة البرنامج الكاتب يوسف كابلان بتزويد الرأي العام بمزيد من المعلومات التفصيلية عن نوعية هذه الاتفاقية بين حكومة أردوغان والكيان الكمالي إلا أنه رفض ذلك مكتفيا بالقول: “هذا كل ما أقوله في هذا الصدد، لن أقول أكثر من ذلك”.

ومن المثير أن الكاتب يوسف كابلان ذاته زعم في مقال نشرته صحيفة يني شفق في عام 2017 أن الأطراف العلمانية الكمالية تخطط لانقلاب جديد ضد حكومة حزب العدالة والتنمية.

‏واعتبر حساب “نبض تركيا” على تويتر، المتابع للأوضاع السياسية في تركيا، أن هذه التصريحات الصادمة التي صدرت من أقرب الأسماء إلى حزب العدالة والتنمية تدل بشكل واضح أن أردوغان تآمر مع العلمانيين على حركة كولن.

ولما وقع الانقلاب الفاشل الذي بدأ زعيم المعارضة وكثير من الكتاب العلمانيين يصفونه بـ”الانقلاب تحت سيطرة أردوغان”، أطلق الرئيس أردوغان حملة مضادة في صبيحة يوم الانقلاب أسماها المعارضون “انقلابا مدنيا مضادا”، أطاح في إطارها بكل القادة في المؤسسة العسكرية التي هي العلمانية والكمالية في جوهرها، وأعضاء القضاء الأعلى المنتمين إلى تيارات مختلفة، بفضل التهمة ذاتها (الانتماء لحركة الخدمة)، سواء شاركوا في الأحداث أم لم يشاركوا، وكانوا منتمين إلى الحركة أو لم يكونوا على أي صلة بها.

وتتهم المعارضة التركية والتقارير الدولية الرئيس أردوغان باستخدام تهمة “الانتماء إلى حركة الخدمة” كذريعة في مساعيه الرامية إلى إعادة ترتيب أجهزة الأمن والقضاء وتصميمها مجددًا وفق أهدافه وتحت سيطرته، من خلال توظيف تحقيقات الفساد والرشوة-2013-، بعد أن كشفت تلك الأجهزة القناع عن فساد حكومته؛ وكذلك المؤسسة العسكرية من خلال استغلال محاولة الانقلاب بعد أن رصدت تلك المؤسسة علاقات حكومته المشبوهة مع المجموعات المتطرفة والإرهابية كتنظيم داعش في سوريا.

اعترافات مثيرة من كتاب موالين لأردوغان

ومما يعضد الرواية القائلة بأن أردوغان اتبع الإستراتيجية المذكورة، أي تقديم حركة الخدمة مسؤولة عن كل السلبيات والجرائم المرتكبة في تركيا، وتوظيف ذلك في تحقيق أهدافه، أن عديدًا من الكتاب الصحفيين المقربين للرئيس أردوغان، وعلى رأسهم “راسم أوزان كوتاهيالي” و”جيم كوتشوك” المعروفان بعلاقاتهما الوطيدة مع أجهزة المخابرات التركية، اعترفوا بأن حركة الخدمة اختيرت “كبش فداء” لإلقاء جريمة الانقلاب عليها وإجراء التصفية اللازمة في مؤسسات الدولة بدعوى تطهيرها من المنتسبين إلى هذه الحركة. فقد قال الكاتب الصحفي راسم أوزان كوتاهيالي بمقاله المنشور في 27 شباط / فبراير المنصرم بجريدة “صباح” المقربة من أردوغان: “مع أن منظمة فتح الله كولن الإرهابية هي من تقف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة، – على حد زعمه – إلا أنها لم تكن وحيدة، بل إنها كانت خيانة جماعية شارك فيها كل الانقلابيين القدماء في المؤسسة العسكرية أيضًا. لكن الحكومة نفذت سياسة مقصودة، وهي واعية بالحقيقة، تمثلت في التركيز على منظمة كولن على وجه الخصوص، والتستر على المجموعات الأخرى المشاركة في ارتكاب هذه الخيانة الوطنية، وذلك من أجل تأمين اللحمة الوطنية والوحدة المجتمعية ضد الانقلابيين”.

كما اعترف كل من كوتاهيالي في مقال لاحق له، وجيم كوتشوك في برنامج على قناة “خبر ترك”، أن معظم الجنرالات الذين شاركوا في محاولة الانقلاب لا ينتمون إلى حركة الخدمة وإنما هم من التيار الكمالي الأتاتوركي، إلا أن الحكومة نفذت حركة التصفية بتهمة الانتماء إلى الحركة عمدًا. إذ ادعى كوتاهيالي أن هذه السياسة كانت نابعة من نوايا حسنة وتعتمد على العقل السليم والسياسة الحكيمة، على حد وصفه، مبررًا ذلك بأنه لو تم التركيز والتأكيد على العناصر الكمالية الإيدولوجية الأخرى المشاركة في محاولة الانقلاب لأحدث ذلك شرخًا كبيرًا وانقسامًا جديدًا في صفوف المجتمع، على حد تعبيره.
ـــــــــــــــــــــــــ

المصدر: موقع زمان عربي