منذ معرفتي بفكر الأستاذ فتح الله كولن وأنا أتابع جُل ما ينشر ويكتب حول فكر هذا الرجل. لكني لم أجد ضمن من أثاروا اهتمامي من المفكرين الغربيين مثل السيدة “جيل كارول”. و للعلم، ف “جيل كارول” امرأة عالمة من مواليد 1963 بولاية لويزيانا الأمريكية، وهي دكتورة أكاديمية أمريكية متخصصة في علم اللاهوت وفلسفة الدين، مديرة سابقة لمركز”بونيوك” للتسامح الديني بجامعة “رايس” مستشارة ومشاركة  بعدد من المؤسسات الأكاديمية. ومما أثارني في أعمال هذه الباحثة المميزة ثلاثة أمور أساسية. الأول وبحكم تخصصي و معرفتي بفكر فتح الله كولن، فإنها اهتمت بعمق وروح “حركة الخدمة” وهي الصورة الواقعية لفكر و فلسفة الأستاذ كولن. الأمر الثاني هو تشريحها لفكر الأستاذ كولن ورؤيته للقضايا التي بحثتها بشكل يغيب عنه كثير من المحسوبين على الفكر والبحث الأكاديمي. الأمر الثالث هو مقارنة هذه الباحثة لأفكار ورؤى عمالقة الفكر والفلسفة من قبيل أفلاطون وأرسطو وإيميل كانت وكونفوشيوس وغيرهم، بأفكار ورؤى الأستاذ فتح الله كولن، بل و حكمها بتقديم الأستاذ كولن ووضعه على رأس قائمة هؤلاء العمالقة، وهذا أمر يثير التوقف والتساؤل: إلى أي حد يمكن تصديق خلاصات ونتائج بحوث هذه الأكاديمية؟ وهل الأستاذ كولن يمكن فعلا أن يحتل الصفوف الأمامية ويزاحم كبار الفكر والفلسفة في العالم قديما وحديثا؟

في تقديري المتواضع وإعمالا لمنهج أعلام أمتنا الكبار في قبول الأخبار وردها، فإن عديدا من القرائن تؤيد تلك النتائج. منها للتمثيل لا الحصر قضية التواتر؛ فإني أرى والله اعلم ان التواتر المعنوي حاصل من خلال وقائع وروايات تعددت في كثير من ارجاء العالم اليوم. وذلك ما اشتهر على صفحات عدد من مجلات استقصاء الرأي في العالم كما فعلت مجلة “بروسبكت” البريطانية  و كذا مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية لمعرفة أهم مائة مفكر مؤثر عالميا، فكان فتح الله كولن على رأئ القائمة. ثانيا دليل المناطقة الذين يقولون من لم يقنعه دليل الوقوع فلا دليل يقنعه. أي أن تنزيل فلسفة الأستاذ كولن ورؤاه الإصلاحية في عدد من المجالات لقيت استحسانا بل نجاحا باهرا في كل الأماكن التي طبقت فيها عبر العالم وبدون استثناء، وهذا أمر لوحده يدعوا للتقدير والاعتبار. من أجل ذلك فإني أومن بتلكم الأبحاث العلمية التي تنظم منذ سنوات في حرم عدد من المؤسسات الجامعية و الأكاديمية وكثير من مراكز الحوار في كل قارات العالم اليوم، لمدارسة فكر وفلسفة فتح الله كولن والإشادة بها. فلا عجب إذن أن يقارن بعض الباحثين فتح الله كولن ب(جون كافن1567م) المصلح الديني الفرنسي الذي كان فكره من أسباب ودعائم الحركة الإصلاحية في أوروبا منذ ق.السادس عشر…

لا أريد أن أسترسل في استحضار عدد من الأحداث والقضايا التي تجعلني أنظر إلى أعمال هذه الأكاديمية جيل كارول بعين التقدير والاحترام؛ لأنها بكل بساطة أحد تلكم البلابل التي تنشد الحق في هذا العصر العصيب، وتغرد من أجل غد أفضل. ذلك ما ألمسه في اسلوبها كلما أطلت علينا بمقالاتها النوعية. فباسمي الخاص وباسم كل محب للبحث الرصين، أتقدم لهذه الباحثة بخالص الشكر والتحية والتقدير، على هذه المقالات التي تسحر القارئ بدقة مقارباتها ونوعية اختياراتها؛ وآخرها مقالها الشيق المنشور بمجلة نسمات بتاريخ 09/04/2020 الموسوم ” بين كهف أفلاطون وحكمة كولن”.

محل الشاهد في كل ماسلف، أنني لما قرأت هذا المقال وكررته، تزاحمت في خاطري الأفكار، فتسللت إلى قلبي بعض الآثار تذكرني أنني في زمن (سمان يولو) بأسطمبول، قلت شيئا في هذا الموضوع بطلب من أحد الأخيار. نعم إنه الكهف، كهف الفتية، بل كهف كولن، عفوا بل هما معا. لذا قلت حين قرأت مقال “جيل كارول” الآن لعلها تقصد هذا الكهف، فتأملت السطور وقلبت بعض سراديب التاريخ  لأجد كهف أفلاطون بالفعل. نعم إنه هو، ذاك ما وجدته في “جمهوريته”[1]؛ حينها قلت في نفسي: إيه أستاذنا كولن، لقد أتعبت من سيأتي بعدك. فقد صدقت حكاية “كارول” في مقالها، كما كنت أنا في مقالي زمن(سمان يولو) شارحا متمتما بما فهمته من كلام الأستاذ كولن في كتابه (أضواء قرآنية) وهو يفسر بأسلوبه الماتع قصة أصحاب الكهف. لكن ذلك لا يعفيني من البوح بأن “كارول” نجحت في استفزازي لأرجع وأقارب مقالها: ” بين كهف وحكمة” بمقال ظهر لي بين كهفين اثنين. “بين كهف أفلاطون وكهف كولن”. لكني لا اشك في عبقرية “كارول” في رؤيتها و مقارنتها بين كهف وحكمة. ينتميان إلى ثقافتين مختلفتين وإن تقاربت فلسفة صاحبيهما.

ما أثارني في المقال أمرين اثنين. الأول شكلي يتعلق بعنوان المقال، ذلك أني لم أستصغ بلاغيا ضم “لفظ الكهف” وهو اسم لمكان له من الدلالات والحمولات الشيء الكثير؛ إلى “لفظ الحكمة” وهي صفة عميقة المعاني شغلت الناس قديما وحديثا.

الأمر الثاني مقارنة “قصة الكهف” عند أفلاطون، تقتضي أستحضار مثيلتها وهي قصة الكهف عند كولن، خاصة وأن ظلال المعاني وأبعاد السياقات متقاربة أيضا. لذا تسائلت لم جعلت السيدة “كارول” (كهف أفلاطون) مقابل (حكمة كولن)؟ هل ذلك راجع لعدم اطلاعها على موضوع الكهف عند كولن؟ أم أنه اختيار مبني على حيثيات أخرى؟    (يتبع)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] : عولت في هذا الموضوع بخصوص أفلاطون على كتاب أفلاطون ” المحاورات الكاملة- المجلد الأول الجمهورية”- الكتاب نقله إلى العربية ذ.شوقي داود تمراز – إصدار الأهلية للنشر والتوزيع – بيروت -1994.