يختلف فكر محمد فتح الله كولن عن الفكر الغربي اختلافاً جذريًّا في العديد من النقاط. أو بالأصح فهو يعارض الأسس الأيدولوجية والفوضوية التي تسللت إلى الفكر وإلى العرف العلمي للغرب. فهو ينتقد أوّلاً البعد المادي في الفكر الغربي. لأن الفكر الغربي يُبعد الوحي السماوي عن المصادر العلمية، ويحصر العلم والمعرفة في نطاق الظواهر والوقائع المادية التي يحصل الإنسان منها بواسطة حواسه، على المعلومات العملية والتجريبية. حيث يرى أن هذا الأمر يضيق قنوات المعرفة والعلم، ويحرم الإنسان من المعارف الميتافيزيقية. كما يَعُدُّ الفلسفة الوضعية (Positivism) والفكر التقدمي والعقل الصرف، أداة أيدولوجية في العلم الغربي حيث يظهر ارتباط العلم بالقوة والغلبة.
يقول محمد فتح الله كولن في مقدمة كتاب له: “منذ بضعة عصور شرعت النظريات المادية والوضعية، بالهيمنة على ساحة العلم والفكر والضغط عليها. حيث فُسّر الوجود والجماد، والكون والحوادث تفسيراً وضعياً، وأُقصي الفكر الميتافيزيقي عنها تماماً. هذه النظرة المادية أرجعت تفسير الكون والظواهر فيه، إلى نوع واحد فضيقت بذلك قنوات الوصول إلى الحقيقة. وعلى الرغم من قيام الغرب بفحص الوجود والطبيعة كرات عديدة وبأسلوب تجريبي، إلا أنه لم يتناولها بآلياتها الداخلية، ولا بأجزائها وذراتها ضمن وحدة متكاملة بين الطبيعة وما وراء الطبيعة. وكانت النتيجة أن الإنسان وجد نفسه في تناقض مع عقله فكره وروحه. وأمام هذه الضغوط المستمرة شعر روح الإنسان تجاه حقائق نفسه أي تجاه “الحقائق الأنفسية”بالغربة”وبمعنى آخر، فإن محمد فتح الله كولن يرى أن “أزمة الغرب وضياعه وحيرته يعود إلى إيمانه بالفلسفة الوضعية والفلسفة الطبيعية”. وبمضي الوقت أصبحت الغاية من البحوث في الغرب، هي “الدنيوية” (Secularism)، أي مسح كل أثر ديني، بل تحولت الغاية إلى إنكار كل شيء وإلى إرسائه على أساس من الإلحاد. ثم إنه يرى أن أساس النزاع بين الدين والعلم في الغرب، هو مرحلة هذه الفلسفة “الدنيوية”. (218-217) وهو يقوّم هذه المرحلة من الناحية الفكرية، فيقول بأنها المرحلة التي فُقد فيها التوازن بين الله والكون والإنسان. ولم تستطع الكنيسة صيانة هذا التوازن. لأن ممثلي الكنيسة أعطوا انطباعاً روحياً (Spiritual) مبالغاً فيه، واستهانوا بالطبيعة وبالبحوث العلمية وبالفكر التجريبي. وأكدّوا على الجانب الملكوتي للأشياء، وأن غاية الحياة هي فهم معنى الروح وجوهره. كما احتقروا الجانب المادي من الأشياء واستهانوا به، بل انكروه. وكلما اتجه هؤلاء إلى الجانب الروحي للأشياء. ازداد توجه علماء الطبيعة نحو الجانب المادي الصرف للأشياء. وكانت النتيجة أن الصراع بين الدين وعالم العلم انقلب إلى “صراع بين الدين والعلم”.