في البداية لم تكونوا –معاشر رجال الخدمة- مهيَّئين للانفتاح على العالم، سواء من الناحية البيداغوجية أو السيكولوجية أو الاجتماعية. تريدون أن تنفتحوا على الإنسانية، أن تبنوا مدارس، أن تؤسسوا مساكن للطلبة، أن تنشئوا جامعات. ستلتقون بديانات مختلفة وثقافات متنوعة لا تعرفونها. طبائع مختلفة، أمزجة مختلفة، فهوم مختلفة. انطلقتم إلى أرجاء العالم دون أن تتلقوا أدنى تدريب في هذا الباب. كان لديكم رأسمال وحيد: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا)(مريم:٩٦). إن الذين ينطلقون بإيمان، وينجزون أعمالا صحيحة قوية مدروسة سيجعل الرحمن لهم الود في قلوب أهل الأرض والسماء، ويضع لهم القبول في كل مكان ولو كانوا اليوم قلة. إخوانكم آمنوا بالله حقا، وأدوا جميع أعمالهم دون خلل أو تقصير. لم يعكروا إنجازاتهم برياء أو شهرة، لم يلوثوا أعمالهم بحب الدنيا، لم يشوّهوها بشهوة السلطة والمقام والتطلع إلى المناصب، لم يطمحوا إلى أن يكون لهم شأن دنيوي، لم يلوثوا هذا الخير، هذا هو معنى “الصالحات”، أي أنجزوا عملا صحيحا قويا لا عيب فيه ولا خلل، وبالتالي تكونت “دائرة صالحة”، وانطلقت العجلة وساروا في هذا الطريق.
(سيجعل لهم الرحمن ودا) حرف السين تدل على المستقبل، وتعني أنهم إن ثبتوا على هذا الطريق، سيضع الله لهم القبول بعد مدة في الأرض والسماء. الود شيء أعمق من المحبة، أي ستكنّ لهم القلوب محبة خاصة. هؤلاء عاشوا عيشة الزهاد، بذلوا بسخاء، أعرضوا عن ملذات الدنيا، بل تركوا آباء وأمهات يبكون من ورائهم في كثير من الأحيان، تركوا زوجات جديدات، تركوا أطفالا صغارا. أنا على يقين بأنكم إنما نويتم “الهجرة الإرادية” لكي يفتح الناسُ قلوبَهم لاسم الله الجليل ولكافة مبادئكم وقيمكم الأصلية والفرعية. وفي المقابل وضع الله لكم القبول في الأرض والسماء، وفُتِحت لكم القلوب.
تصوروا أن عبيد النفس الأمارة بالسوء يعملون منذ سنوات ليشوشوا الأذهان ضدكم ويشوهوا صورتكم المشرقة في أنحاء العالم، لكنهم فشلوا، غاب عنهم القبول الذي وضعه الله في القلوب، غاب عنهم ذلك الود. فُتِحت لكم القلوبُ على مصاريعها. هؤلاء المغرضون ذهبوا إلى بعض البلدان عشرات المرات، هددوهم أحيانا، وألقوا بين أيديهم أطنانا من الأموال أحيانا أخرى، اختلقوا ألف نوع من الأكاذيب للتشويش، ولكن لم يستطيعوا أن ينتزعوا الود الذي وضعه الله لكم في القلوب.