كان حديث المتكلمين ينصب عند دراسة أسماء الله الحسنى على تعديد الأسماء التسعة والتسعين الواردة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة” (رواه البخاري)، وذكر معنى كل منها فحسب كما فعل الإمام الجويني في “الإرشاد”.
ومن المحاولات البارزة والجديرة حقًّا بالمطالعة في هذا المجال، كتاب “الرازي” “لوامع البينات في شرح أسماء الله تعالى والصفات”؛ فقد كان أكثر توسعًا في المعنى من جميع الوجوه اللغوية والكلامية والروحية، وهو أشبه بكتاب في التصوف بسبب اللمحات الروحية في كل اسم يشرحه من أسماء الله تعالى.
ولعل أبرز من تكلم أيضًا في هذه المسألة بشيء من الاختلاف والجدة “أبو حامد الغزالي” في “المقصد الأسنى”، إذ بعد شرح كل اسم من التسعة والتسعين يأتي بدقائق هذا الاسم، وينبه إلى حظوظ المسلم من كل اسم منها. وقد أشار إلى أن حظوظ الناس من أسمائه تعالى متفاوتة، وعلى قدرها تكون سعادتهم وكمالهم، فمنهم من يكون حظه أن يسمع لفظه، ويفهم تفسيره، ويعتقد بقلبه ثبوته لله، فهذا منحوس الحظ نازل الدرجة كما يرى “الغزالي”، أما حظوظ المقربين فهي ثلاثة:
الحظ الأول: معرفة هذه المعاني على سبيل المكاشفة والمشاهدة حتى يتضح لهم حقائقها بالبرهان.
الحظ الثاني: استعظامهم ما ينكشف لهم من صفات الجلال على حال يشوقهم إلى الاتصاف بما يمكنهم من هذه الصفات، ليقربوا بها من الحق.
الحظ الثالث: السعي في اكتساب الممكن من تلك الصفات، والتخلق بها، والتحلي بمحاسنها، وبه يصير العبد ربانيًّا.
رأي فتح الله كولن في تجليات الأسماء الحسنى
يتحدث “كولن” دائمًا عن تجليات الأسماء الحسنى في الكون من حولنا وفي الإنسان، فأسماء الله ليست بلا معنى أو موضوعة للحفظ أو الدعاء فقط، بل يجب أن نستشعرها لأنها مرتبطة بنا، وتعمل في الكون من حولنا، يقول “كولن”: “وحينما نطلق كلمة “اسم” يتبادر إلى الذهن جميع أسماء الله الحسنى، ولله تعالى أسماء بعدد تصرفاته في الكون.. إن الكون عبارة عن تجليات الأسماء الإلهية، الذي يتموج في كل مكان هو أسماء الله عز وجل، وحينما يقال “اسم” فكل هذه التموجات تتبادر إلى الذهن”.
ويقول “كولن”: “إن لله أسماء تتجلى في جميع أرجاء الكون، وحسب هذه الأسماء فإن كل شيء يسير سيرًا حثيثًا نحو الكمال”. فكل الكون يسعى نحو الكمال؛ الحجر والنبات والحيوان والإنسان.. فالحجر يتفتت فيكون ترابًا يحتضن النبات ويكون له أصيصًا، والنبات يعطي الحيوان مداد الحياة، والحيوان يمد الإنسان لإتمام دوره وكماله.
و”كولن” هنا متأثر بالأستاذ سعيد النورسي، فقد امتلأت رسائل النور بكثير من الكلمات والصفحات عن تجليات الأسماء الحسنى؛ حيث يرى النورسي أن للأسماء الحسنى تجليات متنوعة لا تحد، فتنوع المخلوقات ناشئ عن تنوع تلك التجليات، وحيث إن صاحب كل جمال وكمال يرغب في مشاهدة جماله وكماله وإشهادهما، فإن تلك الأسماء -لكونها دائمية وسرمدية- تقتضي ظهورًا دائمًا سرمديًّا، لذا يتجدد الكون كل آن بمئات الرسائل ليطالعها ذوو الأنظار والشعور. ومثَّل النورسي بأمثلة كثيرة لتلك التجليات، منها قوله: “الوالد الذي يشفق على أولاده يشفق أيضًا على جميع الصغار، بل حتى على ذوي الأرواح تبين نوعًا من أنوار اسم الله الرحيم المحيط بكل شيء”، وقوله: “إن شفقة سيدنا يعقوب عليه السلام التي هي أسطع نور في أسطع سور القرآن سورة يوسف تُظهر اسمي “الرحمن الرحيم”، وتُعلن أن طريق الشفقة هي طريق الرحمة، وأن ضماد ألم الشفقة ذاك إنما هو (خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (يوسف:64).
ويشرح “كولن” تجليات أسمائه تعالى في مواطن عدة من خلال شرح أسماء الله الحسنى، وهذه بعض الأمثلة:
أولاً: لفظ الجلالة الأشرف “الله”
يرى “كولن” أنه ليس من المناسب البحث عن أصل هذه الكلمة واشتقاقها، وعلل ذلك بأن ذات الله أزلية، فكذا اسمه من الأزل هو “الله”، ولكن هناك بعض الكلمات الشبيهة بها سيقوم بشرحها.
يقول كولن: “إن كل شيء منوط بالله، وكل شيء قائم بالله، ونور وجه الكائنات وضياؤه لفظة “الله”، وكل مكان لا توجد فيه كلمة الله، فسيكون ما فيه من العلوم والمعارف عبارة عن خيال وسراب”.
وسحب هذا الحكم على العلوم والتقنيات والفنون في القرن العشرين بأن سبب مأزقها وسبب التردد والفرضيات والنظريات دون يقين هو أنها لا تستند إلى كلمة الله. فلكل شيء في الكون حقيقة وأساس يستند إليه، وإن صرحًا فنيًّا رائعًا مثل الإنسان لا يمكن إسناده إلى بعض الفرضيات كأن يستند إلى الأميبا، أو الديدان، أو الصدفة.
وخلص كولن إلى أن المؤمنين بالله هم الذين سيوجهون العلوم والمعارف إلى مجرى جديد وعلى أسس متينة، وأن الله هو المعبود الحق والمستحق للتعظيم والإجلال.
تحليل “كولن” لبعض الألفاظ القريبة من لفظ الجلالة: شرح “كولن” بعض الألفاظ القريبة من لفظ الجلالة التي سبقه بها الإمام فخر الدين الرازي، ولكن الرازي يرى أنها مشتقة من لفظ الجلالة، حيث أورد رأيين لمن يقول بعدم الاشتقاق، ومن يقول بالاشتقاق -وصل بها إلى تسع مشتقات من لفظ الجلالة- و”كولن” يؤيد الرأي الأول القائل بعدم الاشتقاق كما يظهر من كلامه، وكذا الفخر الرازي إذ يراه اسمًا انفرد الحق تعالى به كأسماء الأعلام.
وإليك تفسير “كولن” لما أسماه ألفاظًا قريبة من لفظ الجلالة، وهي تنحصر في أربع كلمات:
أ- أَلَهَ، يَألَهُ: “أله” بمعنى عبد، لأنه تعالى هو المعبود أي المتفرد باستحقاق العبودية، و”ألهت إلى فلان” أي سكنت إليه. إن الإنسان يسعى دائمًا للوصول إلى الكمال، وفي سبيل ذلك يسعى دونما كلل أو ملل.. والله ذو الكمال المطلق هو الذي سيمنحه ويدله على الكمال”. إذن، المحطة الأخيرة للباحثين عن الكمال هي “الله”، وبالتالي فهناك مناسبة بين لفظة “الله” وكلمة “أله” كما يقول “كولن”.
بـ- أَلِه، يَأْلَه: يقول “كولن”: “ألِه بمعنى لجأ، يقال أله الفصيل، أي ولع بأمه، فكما أن الفصيل يجعل عجزه وفقره شفيعًا فيلجأ إلى أمه.. فكذلك الإنسان العاجز الفقير كسير القلب مهيض الجناح المغلوب على أمره، يلجأ إلى رحمة الله ورأفته، والحقيقة أنه ليس هناك من يستجار به، فيعود النفع على المستجير إلى الحق سبحانه وتعالى”. إذن، معنى الالتجاء هذا، مكنون في لفظ الجلالة كما يقول “كولن”. وقريبٌ من ذلك قول الغزالي: “إن حظ المسلم من لفظ الجلالة هو “التأله” ويقصد به أن يكون مستغرق القلب والهمة بالله تعالى لا يرى غيره، ولا يلتفت إلى سواه.
جـ- وَلَهَ، يلِه: يقول “كولن”: “وَلَهَ بمعنى تحيَّر، وذهب عقله، وهذه الكلمة تعبر عن مقام الحيرة، والحقيقة أن كل إنسان إذا تجلى له نور التوحيد تأخذه الحيرة والاندهاش”، فبعض الناس يظل سجينًا في قفص بدنه، والبعض الآخر يحاول تخطي مقام الأسماء إلى مقام الصفات، ولكنه يعيش في دهشة، ولكن الدهشة، والحيرة تختلف من شخص لآخر، وهذا المعنى مكنوز في لفظ الجلالة “الله” كما يقول “كولن”.
د- لاه، يليه: يرى “كولن” أن “لاه” يأتي بمعنيين الأول الاحتجاب: فيقول: “لاه – يليه، أي احتجب واختفى، لأن الله تبارك وتعالى لا يُرى بالعين، والحال أنه أظهر من كل ظاهر، فعدم رؤيتنا له إنما هو لكونه في ذروة الكمال أي لشدة ظهوره، بالإضافة إلى أن الله ليس له ضد ولا ند، والشيء إنما يرى إذا كان له ضد.. ولذلك نقول إنه مختفٍ من شدة ظهوره، يدعوه أرباب القلوب في مناجاتهم قائلين: “يا من احتجب لشدة ظهوره، وخفي عن النُّظار لعظيم نوره”. ويرى الرازي أن الاحتجاب دليل على القدرة، فهو سبحانه قادر على قهر العقول عن الوصول إلى كنه صمديته، وقادر على قهر الأبصار عن الانتهاء إلى جلال حضرته.
والثاني الارتفاع: يقول كولن: “لاه” يأتي بمعنى ارتفع أيضًا، والذي يقلب كل شيء في قبضة تصرفه كيف يشاء، لهو مرتفع ومتعال عن كل أنواع الشر والشركاء”.
خصوصية لفظ الجلالة
ومن خصائص لفظ الجلالة “الله” أن فيه من التميز ما لا نجده في الأسماء الأخرى كما يرى “كولن”، ويدلل على ذلك بقوله: “فإنك إذا حذفت منه الهمزة يكون الباقي “لله”، وإذا حذفت اللام الأولى يبقى “له” ويمكن أن يحمل على معنى “لأجله تعالى”، وإذا حذفت اللامين مع الألف يبقى “هُ” أي “هو”، وهذا الضمير يمكن أن نشير به إلى الله تعالى”.
فلفظ الجلالة معجز، فالإنسان حينما يذكر اسمًا من أسمائه تعالى يستحضر علاقة هذا الاسم بالموجودات، فحينما يقول: يا كريم، يستحضر إكرام الله له، وهكذا.. ولكن حينما يذكر اسم الجلالة، فإنه يكون قد تخطى كل الأماني والمطالب، وأعلن أن الله هو المعبود المطلق لا لشيء، بل لأنه هو الله.
الفرق بين لفظ الجلالة “الله” وكلمة “إله”: يرى “كولن” أن كلمة “إله” تعني المعبود، وذكر مرادفاتها في اللغات المختلفة، ولكنها لا ترادف لفظ الجلالة “الله”، فلفظ الجلالة “الله” جامع لأسماء الله الحسنى كلها؛ فعند ذكره، يسبق إلى الذهن الذات الأجلَّ العلي الذي له جميع الأسماء الحسنى المتجلية في الكون، أي مفهومها وحدة المعبود المطلق الخالق المطلق الرزاق المطلق.. إلخ. أما لفظ “إله” فيسبق إلى الذهن آلهة معبودة بحق وبغير حق، أما “الله” فلا يسبق إلى الذهن إلا الذات الإلهية، ولذا رأى “كولن” أن من الأفضل استعمال لفظ الجلالة، لأن لفظة “إله” ليست مرادفة للفظ الجلالة. يقول كولن: “ولما كان لفظ الجلالة “الله” اسمًا خاصًّا بالذات الإلهية قلنا في الشهادة “لا إله إلا الله”، ولم نقل “لا الله إلا الله”، فشهادتنا نفي لجميع الآلهة، ثم إثبات الألوهية لله تعالى المعبود المطلق وحده”.
وهو هنا متفق مع الغزالي في أمرين: الأول أن اسم الجلالة جامع للصفات الإلهية كلها، والثاني أنه خاص بالله بخلاف غيره من الأسماء فقد يتصف بها العبد.
ثانيًا: الاسمان الجليلان “الرحمن الرحيم“
أ- معناهما: يقول كولن: “إن لفظة “الرحمن” من الصفات المشبهة الدالة على المبالغة، وهي صفة خاصة بالله تعالى.. ومعنى الرحمن هو الذي يرحم رحمة لا نهائية، والذي يغذي بنعمه تغذية سرمدية، والرحيم أيضًا من أسماء الله تعالى مثل “الرحمن”، لكن “الرحيم” صفة لا تختص بالله تعالى، وهي تطلق على المخلوق أيضًا”.
وهو هنا متفق مع الغزالي في أن “الرحمن” لا يسمى به إلا الله تعالى، أما “الرحيم” فقد يطلق على غيره. وكذلك الرازي يرى أن “الرحمن” انفرد واختص به الحق تعالى كلفظ الجلالة، ولذا جيء به بعد لفظ الجلالة للمجانسة.
بـ- الفرق بينهما: يعقد “كولن” مقارنة رائعة بين كلمتي “الرحمن والرحيم” فيقول: “إن كلتا الكلمتين مشتقتان من “الرحمة”، وتعبران عن رحمة الله عز وجل لنا. في حين أن إحداهما تعبر عن رحمته الشاملة العامة في أوسع تجلٍّ لـ “الواحدية”، وأما “الرحيم” فهو تجلٍّ لـ “الأحدية”. إن كلمة “الرحمن” متوجهة إلى “الأزل”، بينما تتوجه كلمة “الرحيم” إلى “اللايزال”؛ بمعنى أن الله أوجد الكون والكائنات من العدم، وكل الكائنات تعكس تجلي اسم الله “الرحمن”، وكلها تخضع تحت “الرحمانية”، وفي “الرحمانية” نوع من الجبرية، فالله خلق الكون، ولم يستأذن الحيوان ولا الطيور ولا الأحجار، فهذه الجبرية تنبع من واحدية الله تعالى؛ إنه مالك الملك يتصرف في ملكه كيف يشاء، ولكن شاء الله أن يودع في الإنسان الإرادة، فاقتضت حكمته أن يجزي بالحسنى من استعمل إرادته في الخير وبالعكس، وذلك هو تجليه تعالى بـ”رحيميته”.
ويخلص “كولن” إلى أنه:
أ-“الرحمن” سر الوجود و”الرحيم” سر الإرادة: فيقول: “لولا “الرحمن” لم نأت إلى عالم الوجود ولانعدم الكون وسائر الموجودات، ولولا “الرحيم” لما كنا نستعمل “الإرادة”، ولكنا نعجز عن إدراك دقائق صنع الحق عز وجل، فـ”الرحمن” بسط الكون أمام أنظارنا مثل كتاب كبير، و”الرحيم” منحنا الإرادة لكي نقرأ ذلك الكتاب فنحول باقات الأنوار التي نلتقطها من ذلك الكتاب إلى إيمان في قلوبنا. وكذلك مكننا “الرحيم” من أن نجتاز حدود الكائنات ونقترب من سواحل الأسماء الحسنى”.
2- ذاته تعالى لا تدرك: فيقول: “إن إدراك ذات الباري عز وجل غير ممكن، فلو حاولنا أن نشرح بألف اسم من أسمائه، بل بمليارات منها، لما استطعنا أن نأتي بشيء يذكر في بيان ذات الباري. يقول سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه: “العجز عن درك الإدراك إدراك”، وفي الخبر: “ما عرفناك حق معرفتك يا معروف”.
ثالثًا: الحكيم
من أسماء الله تعالى الحسنى “الحكيم”، ويرى كولن أن معناه: لا مكان للعبثية واللامعنى في الكون، فقد ازدان الكون بحكم شتى حتى الورقة على غصن الشجرة التي قد تبدو بلا فائدة، لا ندري كم تحوي في ثناياها من الفوائد، فالله خلق الكائنات بهذه الصورة وأظهر لنا عبْرها تجليات اسمه “الحكيم” كما يقول “كولن”.
رابعًا: الحي القيوم
يرى “كولن” أن وجوده تعالى من نفسه وحياته، وقيوميته من ذاته كل موجود سواه منه، ومن تجلي صفاته وأسمائه. ومعنى الحي القيوم: “الذي لا يوجد أي شيء قائم بنفسه دون أن يستند إليه، ولا يمكن لأي موجود إدامة وجوده دونه، ولا يمكن إيراد أي تفسير للغز الحياة دون أخذ قيوميته -التي تعني قيامه بذاته، وقيام كل شيء به- بنظر الاعتبار”. ويرى أن اسم “القيوم” يتوجه إلى ذات الله، وإلى أفعاله في الوقت نفسه، فبالنسبة إلى ذات الله، فهو يعبر عن قدم الله وبقائه، أما الجانب المتوجه إلى أفعاله، فهو تعبيره عن دوام الموجودات، فإن دوام الموجودات متعلق بدوامه تعالى. ويؤكد أن كل ما يذكر في دوام الموجودات من قانون ونظام، هو أشياء اعتبارية نسبية، ومن ثم فوجود الموجودات يستلزم وجود من يطبق هذه القوانين ويسوقها للعمل وهو الله تعالى. فهو لا يقول بالطبائع، ولا يرى ترابطًا عقليًّا بين الأسباب والمسببات، فالله هو المؤثر، وما هذه القوانين الطبيعية إلا نواميس وضعها الله تعالى لتسيير الكون.
خامسًا: الحفيظ
يرى “كولن” أن ثمة حفظًا عجيبًا يسود الكون برمته، فماهية الإنسان وجوهره محفوظان في خلية منوية، وأدق تفاصيل مزاجه وطبيعته ومستقبله محفوظة في كروموسوماته، ولو تحولت هذه الكروموسومات من 46 إلى 44 أو 48، لتحول الإنسان إلى مخلوق آخر، وكذا حفظ الله الشجرة في البذرة، والدجاجة تحت قشرة بيضتها، وكذا كل الموجودات، لها نصيب من اسم الله “الحفيظ” من مبدأ وجودها إلى نهايتها.
سادسًا- المؤمن
يرى “كولن” أن اسم “المؤمن” من الأسماء المهمة بالنسبة للمعتقدين بالله تعالى، ويشرح السبب في كونه من الأسماء الحسنى: بأنه مصدر للثقة والاطمئنان، فهو الذي يمنحنا الثقة والاطمئنان، وهو الذي زين الأنبياء بصفة الأمن والأمان والإيمان؛ ولذا يربطنا هذا الاسم بالأنبياء، وتربط الأنبياء بالله تعالى.
هذه كانت نماذج فقط من آراء “كولن” حول تجليات الأسماء الحسنى في الكون، وإلا فهو لم يترك مجالاً إلا وتحدث عن تلك التجليات. من خلال ما سبق من حديثٍ حول أسماء الله الحسنى يتبين التالي:
يتفق “كولن” مع أهل السنة في أن أسماء الله الحسنى توقيفية. وتحدث “كولن” كأهل السنة عن معاني تلك الأسماء، ولكنه انفرد عنهم بإظهار تجليات تلك الأسماء في الكون، وحظ كل اسم من حياة الإنسان والأكوان، ولعله في ذلك متأثر إلى حد بعيد بالإمام الغزالي وبديع الزمان سعيد النورسي.
ومحاولة ربط أسماء الله الحسنى بكل شيء في الكون، وبيان أثرها وعلاقتها بالكائنات لها تأثير كبير في الوجدان.. فينبغي التنبه إلى هذه المسألة في مجال تعليم العقيدة، بدلاً من القيام بشرح الأسماء أو معانيها اللغوية بصورة جافة تكون مجالاً للحفظ لا للعمل ولا للتقوى. وهذا ما يتطلبه بالفعل علم الكلام إذا أريد تجديده وتقديمه بما يخدم النشء والإنسان بعامة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) مدرس العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر / مصر.
المراجع
(١) خواطر من وحي سورة الفاتحة، محمد فتح الله كولن، ترجمة: أجير إشيوك، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة ٢٠١٥.
(٢) كليات رسائل النور، سعيد النورسي، ترجمة: إحسان قاسم الصالحي، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة ٢٠١١.
(٣) كتاب لوامع البينات شرح اسماء الله تعالى والصفات، فخر الدين محمد بن عمر الرازي، المطبعة الشرفية، مصر.
(٤) المقصد الأسنى في شرح الأسماء الحسنى، أبو حامد الغزالي.
(٥) نحو عقيدة صحيحة، محمد فتح الله كولن، ترجمة: أورخان محمد علي، عبد الله محمد عنتر، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة ٢٠١٤.
(٦) نفخة البعث شواهد الحياة بعد الموت، محمد فتح الله كولن، ترجمة: نور الدين صواش، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة ٢٠١٥.
(٧) أضواء قرآنية في سماء الوجدان، محمد فتح الله كولن، ترجمة: أورخان محمد علي، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة ٢٠١٠.
(٨) النور الخالد محمد صلى الله عليه وسلم مفخرة الإنسانية، ترجمة: أورخان محمد علي، دار النيل للطباعة النشر، القاهرة، 2013.