إن الحج فريضة من الفرائض الخمس كما قال الله تعالى:﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ﴾(آل عمران: 97)، وهو شعيرة شاملة وواسـعة إلى درجة أنه لا يوجد نظير لها من ناحية الشمول والوسعة فوق هذه الكرة الأرضية، ولا عند أي جماعة أخرى. إضافة إلى أنه شعيرة تؤسس الوحدة الاجتماعية بين المسلمين، ففي كل سنة يتوجه مئات الآلاف من الناس إلى بيت الله من جميع أنحاء العالم ضمن شريط مبارك من الزمن.
معنى الحج
إن كلمة الحج في اللغة تعني القصد والتوجه، وليس من الصحيح حبس معناه ضمن إطار القصد والتوجه فقط، فالحج في الشريعة يطلق على زيارة تتم في وقت مخصوص وأيام محددة من أيام السنة للقيام بشعائر معينة في أماكن معلومة محددة حددها لهم صاحب الشريعة ضمن أصول وشعائر معينة نحو: منى وعرفة والمزدلفة .. ويبدأ الحج بالإحرام وهو شرط، ومن أعمال الحج: الطواف والسعي والوقوف بعرفة ورمي الجمار….
الكعبة قبلة جميع الأديان السماوية، ومركز للتوحيد ولا يوجد هناك أي بيت أو مبنى يكون نظيرا لها أو مثيلا من هذه الناحية.
الكعبة بيت التوحيد
تمتد الكعبة بتاريخها -وبكل ما تحويه من معان مقدسة-إلى آدم عليه السلام وإلى ما قبل خلقه، ثم إلى إبراهيم عليه السلام الذي أعاد تعميرها من جديد بعد تعميرات عديـدة سابقة. والكعبة بيت التوحيد المرتبط بالملة الإبراهيمية، وبالحقيقة الأحمدية قبل الخلق وفي مرحلة العماء، ورحم للنور المحمدي، وهي قبلة جميع الأديان السماوية، ومركز للتوحيد بحيث لا يوجد هناك أي بيت أو مبنى يكون نظيرا لها أو مثيلا من هذه الناحية.
لماذا الحج ؟
إن الهدف الأساسي من توجه مئات الآلاف من النـاس إلى هذا المكان السامي كل عام هو أن يؤدوا وظيفة العبودية لله تعالى ويزدادوا قرباً منه بالعبـادات التي يؤدونها، حيث يجددون عهود إيمانهم، ويتطهرون من أدران آثامهم، ويتنفسون مشاعرهم وأفكارهم من خلال منافذ هذه العبادات، ويتذكر كل واحد منهم واجبـه نحو الآخـر ومسؤوليته تجاهه. ويؤدون جميع أمورهم الاجتماعية والاقتصادية والإدارية والسياسية ضمن خلفية وعلى أرضية من العبادة المتوجهة لله تعالى ومن الشعور بالعبودية له، حيث ترقّ القلوب، وتتسع المشاعر حتى تبلغ طور مدّها وتصاعدها، فيعودون إلى بلدانهم بعزم جديد وبقوة جديدة وشوق نضر.
الحج شعيرة إسلامية تؤسس الوحدة الاجتماعية بين المسلمين، وهي شعيرة شاملة وواسـعة ولا يوجد نظير لها من ناحية الشمول والوسعة فوق هذه الكرة الأرضية، ولا عند أي جماعة أخرى.
رحلة الشعور
يذهب كل واحد منا إلى الحج عندما نـدرك أن الأدران قد أصابت مشاعرنا ولوّثتها. وعندما نبدأ بالسفر يخيل إلينا أننا ولجنا من باب لم نعرفه ولم نعهده في السابق إلى عالم آخر من المعاني، ونؤدي الشعائر، الواحدة منها تلو الأخرى، ونحس بها ونصل إلى أعماق معانيها. وبينما نحن في الطريـق ونقطع الجبال المهيبة، ونشبع أعيننا وقلوبنا بعلامات الإسلام وشعائره، نشعر بهبوب نسيم الحج الدافئ. ونحن نحس بهذا النسيم الدافئ أينما كنا سواء على مقاعد السـيارات أو في غرف القطارات أو البواخر أو على مقاعد الطائرات أو في غرف الفنادق أو في صالونات وقاعات المسافرين أو حتى في الأسواق. ومهما كنا متعودين على وسائل السفر هذه أو على هذه الطرق، فإن الأيام والأسابيع التي يستغرقها السفر تكون مملوءة بمعان روحية متناغمة، وبهبات وأفضال، حتى كأننا نستحم بمشاعر القرب والوصـال وبأنواع الجمال والشعر والرومانسية، فيكتسب الروح قوة والقلب اطمئنانا، ونحسب أننا أمام باب سري يؤدي إلى عالم خاص مملوء بأنواع من الجمال الساحر. وهذه الرحلة المباركة والمشاعر التي تتخللها تَهَبُ لعالم الأحاسيس لدينا قابلية حدس وشـعور إلى درجة أننا نحسب والاطمئنان يلفنا -ونحن بحالة روحية خليطة من البهجة، وأحياناً بحزن خفيف ناتج عن حالة المراقبة الداخلية للنفس-وكأننا نخطو في رواق من أروقة الآخرة.
المصدر: ترانيم روح وأشجان قلب، فتح الله كولن، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة ، الطبعة الرابعة، ٢٠١0، ص: 65
ملاحظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر .