في نوفمبر عام 2004م؛ سأل صحفيٌّ الأستاذ كولن: “من أين يتم إمداد هذه الطاحونة بالماء؟”، وهو اصطلاحٌ تركي يعني: “ما هو مصدر المال الذي يُضَخ في مشروعات كولن؟”. وقد أكَّد الأستاذ كولن أنه سُئل هذا السؤال عدة مرات من سياسيين وصحفيين أتراك؛ يظنون أن ثمة مصالح شخصية أو خططًا خفية كامنة خلف مشروعات الحركة. وقال إن العديدين لن يمنحوك كوبًا من الشاي دون ضمان حصولهم على كوبين في المقابل. ومع ذلك؛ يواجه الأستاذ كولن هؤلاء بآخرين كرَّسوا أنفسهم لدعم الأعمال الخيرية المستوحاة من تعاليمه. وعنهم يقول: “هؤلاء قومنا الذين يعطون ويعطون. ويمكنك القول إنهم مدمنون على العطاء. ولو قلتَ لهم لا تعطوا؛ ركبهم الحزن والبؤس”. واستطرد يحكي قصة رجل متقاعد حادَثَهُ قبل إحدى فعاليات جمع التبرعات.

دعا كولن أقربائه أن يظلوا فقراء، لئلا يُثيروا شكوكًا في أنهم يتربَّحون من نفوذه

لم يستطع الرجل التبرع بأيّ شيء؛ لأنه لا يملك شيئًا. وحينما كان الأستاذ كولن يُغادِرُ المبنى؛ لَحِقَ به الرجل على الدَرج وناوله مجموعة مفاتيح، وقال: “هذه مفاتيح منزلي. لا أملك أيَّ شي أتبرع به غير هذا المنزل؛ من فضلك خُذ المفاتيح”. لكن الأستاذ كولن أعاد إليه مفاتيحه، وطلب منه ألا يحمل نفسه ما لاتطيق، وليُعطِ حين يكون لديه شيءٌ يعطيه. وتابع الأستاذ كولن مُثنيًا على أهل الأناضول بوصفهم معجزة تدعم المشروعات التي يرونها جديرة بذلك، والتي تساعد في حل مشكلات العالم ومشكلات شعبهم ومستقبله. وعلَّق قائلاًا: “إن قادة تركيا لم يستطيعوا توظيف هذه الطاقات الكامنة في شعبهم.

اختار كولن أن يعيش حياة تَقَشُّف مكرَّسة للعبادة وللقراءة. ولعدد من السنوات عاش في زاوية مسجدٍ محلي في مساحة تكفي بالكاد ليتمدد فيها جسده.

لم يملك الأستاذ كولن نفسه ثروة شخصية ليستطيع دعم المشروعات. لقد اختار أن يعيش حياة تَقَشُّف مكرَّسة للعبادة وللقراءة. ولعدد من السنوات عاش في زاوية مسجدٍ محلي في مساحة تكفي بالكاد ليتمدد فيها جسده. وبالإضافة إلى عدم امتلاكه ثروة أبدًا؛ فقد دعا لأقربائه أن يظلوا فقراء، لئلا يُثيروا شكوكًا في أنهم يتربَّحون من نفوذه[1]. وقد ظهر في العديد من مناسبات جمع التبرعات، وزار أفرادًا من الأثرياء لمحاولة إقناعهم بدعم تعليم حديث وجيد. وناهيك عن تشجيعه الناس على التبرع بالمال، فقد ظل الأستاذ كولن بعيدًا، رغم ذلك؛ عن أي معاملات مالية، بل شجَّع داعمي المشروعات على الإشراف المباشر على طريقة توظيف مساهماتهم. وقد أدّى ذلك لترسيخ الاطمئنان والثقة في نزاهة الأستاذ كولن وأمانته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] Aslandogan and cetin(2006)

المصدر: حركة فتح الله كولن تحليل سوسيولوجي لحركة مدنية متجذرة في الإسلام المعتدل، هيلين روز، تنوير للنشر والإعلام، القاهرة، 2015، طـ1، صـ141/ 142.

ملحوظة: عنوان المقال من تصرف محرر الموقع.