في ظل هذه الظروف الصعبة التي يعيشها الأستاذ فتح الله كولن، وظروف مرضه، ورغم الهموم التي تحيط به، سمعت الأستاذ فتح الله كولن ينادي من بعيد: ” تعالوا حلّقوا بالإيمان، ورفرفوا في الأعالي، ولا تحبسوا أرواحكم في المضايق.”[1] ثم يوجه تلامذته إلى الحياة الأبدية. متحديا الحواجز والمضايق لتجهيز أرواح محلقة بالإيمان. “أما أنتم فوجهتكم إلى الحياة الأبدية. [2]

في ظل هذه الظروف الصعبة والأزمات، رأيته يرسل رسائل الصداقة، ويستنشق الأفراح لينسج خيوط الألفة والصحبة، ويقول “دعونا نضع يدًا بيد مرة أخرى، ونتكلم بقلوبنا، ونُسمع النجومَ ما يدور في صدورنا”[3].

مررت عليه وهو يعبد الطريق، ويجهز برامج للعيش مع كل أمم الأرض من دون كلل.  ويبني لبنات المحبة. ويسلك طريق العشق لحل الأزمات والسير من الخلق الى الحق، لأن هؤلاء في نظره الذين يسلكون “الدربَ بعشق واشتياق خلف دليلهم، تذوب الجبال لهم قيعانًا مستوية، ويصير الحَزن أمامهم سهلاً، ويجتازون لجج الدماء والصديد بسرعة البرق، وينطفئ فَيح جهنم إذا مرُّوا بها. لا مجال للحديث عن تعثُّرهم في الطرق، أو كفِّهم عن المسير ونكوصِهم عنه أو رجوعهم القهقرى، بل يسيرون من الخلق إلى الحق لا يحيدون، لا تطأ أقدامهم الأشواكَ حين يسلكون طرقها بل يطيرون…لا يترددون ولا يستسلمون للشكوك ولا يرتبكون”. [4] لأنهم عرفوا الطريق الصحيح، انها طريق العشق التي رسمها لنا القران.

لقد رأيته ينبجس من جديد كالبرعم متحديا الأوضاع، ويعقد العزائم، ليؤكد أن هذا الأنين لن يستمر أبدا. لن يستمر هذا الأنين حتى يوم القيامة، “رب مفاجأة يخبّئها القدر”[5]

سألت الأستاذ فتح الله كولن في صمت: ما مصدر الطاقة المتجددة التي تغذي روحك على الأمل المتواصل؟ وما سر هذه القوة التي تشحنكم بالتفاؤل الدائم؟ وذلك النسيم العليل الذي يجعلك تستنشق روح العشق في ظل الأزمات؟ وما تلك الأفكار المتناثرة التي تتساقط عليك مثل أوراق الشجر، فتنفخ فيك روح التجدد واليقين بالله؟ وكلماتك المتدفقة التي تفوح بالأمل وتزرع روح الصمود في شخصيته وتلامذتك، ما مصدر معجمك في كل ذلك؟

أجابني الأستاذ فتح الله كولن من بعيد عبر منبر نسمات.  لقد عثرت على الوصفة السحرية لعلاج هذه الأزمات ولتقوية روح الأمل في النفوس والعقول؛ بما وجدت في الاسلام مما يتوافق مع طبع الانسان نعم ” إن توافق روح الإسلام مع طبع الإنسان، ودفعه له نحو الرقيّ المادي والمعنوي، … هذا كله جعلَنا حتى في أحلك المراحل ظلمة-نتنسّم عبَقَ معاني “الحقُّ يعلو ولا يُعلَى عليه”، ونفتح أعيننا ونغمضها على حقيقة﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾(الأعراف:128)، ومن ثم فإننا لم نقع في اليأس والقنوط البتة. “[6] إنه القرآن الذي أسمع نداءه من بعيد: “إليَّ تعالَوا، ينابيع نورٍ أنا، إذا تفجَّرتْ أَطفأتْ، وإذا انبجست سقَتْ والطمأنينةَ نشرتْ، والسكينة أشاعت… فما بالكم لا تسمعون، وإيّاي لا ترجون؟[7]

نعم فالأستاذ فتح الله كولن وجد في القرآن ما يفجر فيه طاقة للأمل، فتجعله يعيش من أجل أن يعيش الآخرين. وما يشق له ينابيع للعمل الدائم؛ ومنابع يستقي منها ليغذو كالشجرة الذي تظل شامخة وسط الأعاصير والرياح. فهو يرى أن هذا الكتاب الرباني نزل من نقطة ترى الماضي والحاضر والمستقبل، حيث وضع أفضل نظام للكون وهو قادر أن يصنع المستحيل. لهذا فلا بد من الرجوع إليه للانتفاضة من جديد بمنهج سليم. وبوصفة سحرية وبمعادلات آمنة لحل كل هذه المشاكل ومقاومة الأزمات، للوصول إلى شاطئ الأمن والأمان. وقد أكد في كثير من المناسبات أن الإنسانية ستبقى ” تتجرع الآلام وتعيش في الأزمات طالما كانت بعيدة عن أسس التربية القرآنية. ولكن عندما تتصادق الإنسانية مع القرآن ستفهمه وتدرك مراميه وتستسلم له فتصل إلى شاطئ الأمن والطمأنينة. أي لن تجد القلوب ولا العقول غذاءها ولا سعادتها إلا عند توجيهات القرآن وأوامره.[8]”.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مقال لا تحبسوا أرواحكم 2018-04-29

(2) مقال لا تحبسوا أرواحكم 2018-04-29

[3] مقال أوان الرجوع الى النفس18/04/29

(4) مقال الطرق2016/12

(5) مقال أنين الأرض ذ/ فتح الله كولن 2018/10/31

[6] مقال دنيا في رحم الولادة 2016/10.

[7] مقال فجروا ينابيع القرآن 24/11/2018

[8] مقال كيف يتجدد شباب القرآن؟30/10/2018