تحتل “السنة النبوية” مكانة مهمة جدا في رؤية الأستاذ فتح الله كولن الإصلاحية، نظرا لأنها -كما يرى الأستاذ فتح الله- الوجه الآخر للقرآن الكريم، والصورة المطبقة لحقيقة القرآن الكريم..، فكما أن القرآن المنظور تفصيل للقرآن المكتوب، والقرآن المكتوب ترميز للقرآن المنظور؛ فإن السيرة النبوية الشريفة هي القرآن المطبق.
منهج كولن تربوي سُنني
إن مظاهر عناية فتح الله كولن بهذا المصدر كثيرة لا تقف عن حد الدعوة إلى ضرورة الاهتمام بالسنة والسيرة، ولا تقف عند المظاهر الاحتفالية كما هو حال العديد من الدعوات في هذا الباب، بل الملاحظ هو تجاوزه لهذه المراحل إلى الأهم في الموضوع وهو الحرص على تنزيل السنة بدءا منه هو.. ففتح الله كولن من بين أكثر الدعاة ومفكري الإصلاح في الوقت الراهن تمسكا بالسيرة النبوية، فهو يعيش السنة ويحيى بها، بعد أن اختط لنفسه منهج حياة متصلة بالسيرة النبوية، وألزم نفسه به منذ عقود خلت.. وأما المنهج التربوي الذي اتبعه في بناء النماذج البشرية التي تؤثث مؤسسة الخدمة فمنهج نبوي مستمد من القرآن الكريم ومن السيرة النبوية.
تحتل “السنة النبوية” مكانة مهمة في رؤية الأستاذ فتح الله كولن الإصلاحية، لأنها في نظره الوجه الآخر للقرآن الكريم.
استنساخ جيل الصحابة
ومرد ذلك هو عقيدة الأستاذ الراسخة في هذا الباب وهي أن المنهج الذي نجح الرسول صلى الله عليه وسلم من خلاله في بناء رعيل الصحابة الكرام، سينجح يقينا في بناء “الإنسان الجديد” أو “جيل القرن الواحد والعشرين السعيد”.. وفي هذا الإطار تأتي عناية الأستاذ فتح الله كولن بسيرة الصحابة الكرام، باعتبارهم نماذج بشرية تربّت في مدرسة النبوة وتلقّت أنوارها من الرسول صلى الله عليه وسلم، من منطلق أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يربّيهم إما بتلقّيهم المباشر منه، أو من خلال ما كان يقذف فيهم منه من أنوار تصيب الذين حوله فتطبعهم بطوابع خاصة، وترتقي بهم إلى المقامات النورانية العالية، وتطبع أرواحهم بالسموّ والارتقاء.
ويمكن تقسيم هذه العناية إلى ثلاثة جوانب:
الجانب الأول: ذاتي مرتبط بطبيعة شخصية الأستاذ فتح الله، إذ جعل من السنة النبوية منهجا شخصيا يتمثل في الاجتهاد في اتخاذ شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة يقتدي بها في جميع تفاصيل حياته. والظاهر -من خلال ما يرويه تلامذته عنه- أنه حريص على تطبيق السنة النبوية حرصا لا مثيل له، وليس هذا غريبا على مربّ عاش حياته كلها وقلبه متشبث بعصر الصحابة أو بما يطلق هو عليه “عصر السعادة”..
يعمل كولن على تنزيل مبادئ السنة في الحياة الواقعية، لأن السنة ليست مجرد مظهر احتفالي في رؤية الخدمة، بل هي منهج حياة.
الجانب الثاني: هو الجانب التطبيقي للسنة والسيرة النبوية.. فاهتمام الأستاذ بصورة خاصة، والخدمة بصفة عامة بهذا الجانب يتجلى على الخصوص في العمل على تنزيل مبادئ السنة في الحياة الواقعية، لأن السنة ليست مجرد مظهر احتفالي في رؤية الخدمة، بل هي منهج حياة؛ لأن عددا كبيرا من المنخرطين في “الخدمة” قد لا يُقنعون المتلقي في تحديد ماهية السنة وتعريفها، لكن عندما تعايشهم عن قرب تلمس في تصرفاتهم وأقوالهم مظاهر من السنة وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة الصحابة الكرام.
الجانب الثالث: وهو الجانب المتصل بالتأليف.. فالأستاذ اهتم بالسيرة من خلال تدشينه لسلسلة من المحاضرات والخطب حول السنة والسيرة النبوية، وقد صارت أصلا لكتاب هو اليوم من أهم كتب السيرة في العصر الحديث، وهو “كتاب النور الخالد” الذي يعد رؤية حركية للسيرة النبوية الشريفة.
لقد سعى الأستاذ فتح الله من خلال اهتمامه بالسنة إلى تفعيل أخلاق القرآن الكريم من خلال نماذج بشرية حية تتحرك بين الناس، إنها النموذج السلوكي الذي تحضر فيه القيم وتتجلى فيه قيمة التاريخ باعتباره أحداثا وقعت ليس فيها للخيال مكان. لقد كان مطلب الأستاذ فتح الله كولن وما يزال هو الارتباط الكلي بالسنة من خلال العمل على إيجاد نماذج بشرية في مستوى الصحابة الكرام.
وبهذا تركز سعي الأستاذ فتح من خلال هذا الاهتمام إلى بناء “وعي جمعي”، وكتاب النور الخالد هو أداة من أدوات تحقيق ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: من كتاب “أشواق الأمل”
Leave a Reply