إن الإضافات التي أضافها الأستاذ فتح الله كولن في فهمه للإسلام والدعوة هي أهم ما يميز حركة الخدمة باعتبارها جماعة تختلف في فلسفتها وفي منهجها عن باقي الحركات والجماعات.
ونذكر بعض الإضافات فيما يلي على سبيل المثال لا على سبيل الحصر داعين الباحثين للحفر والتنقيب في هذا المجال الواسع الرحب.
1-البذل والإنفاق
فلقد جاء الأستاذ فتح الله كولن بعمق آخر لمفهوم الزكاة والإنفاق، فالزكاة كما يرى الأستاذ فتح الله كولن في حدود ما نص عليه الشرع هي “الحد الأدنى من الإنفاق”، ولذلك فإن تفسيره لقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾(المؤمنون:4) تفهم على أنها فتح لباب الإنفاق على نطاق واسع، وذلك في إطار ما يمكن أن يطلق عليه “الفداء” الذي يعني العطاء دون حدود كما كان حال الرعيل الأول في العهد المكّي. فحدود الإنفاق مفتوحة، وهذا العنصر من أهم ما أضافه الأستاذ لمفهوم الجماعة، إذ ارتبط الفعل الحركي عند عدد واسع من الناس بالإنفاق.
إن الإضافات التي أضافها الأستاذ فتح الله كولن في فهمه للإسلام والدعوة هي أهم ما يميز حركة الخدمة باعتبارها جماعة تختلف في فلسفتها وفي منهجها عن باقي الحركات والجماعات.
2- هيئة المتولي
ارتباطا بالنقطة السابقة أوجدت الخدمة عنصرا آخر له أهمية دقيقة وهو “هيئة المتولي”، أو “مؤسسة المتولي” التي كونت العمود الفقري للخدمة. تحمّلت هذه المؤسسة مسؤولية إنشاء شركات مستقلة عن الأفراد وتتمتع بالمسؤولية المعنوية وفق أسس مستلهمة من نظام الوقف. لكنها أكثر تنظيما من نظام الوقف وأكثر اتساعًا في نشاطها، بل إن هذه الشركات قد تحولت بفضل مؤسسة المتولي إلى مؤسسات عالمية يُنهَج في تدبير شؤونها أكثر المناهج والأفكار تطورا في مجال الاقتصاد والتدبير. وتمثل هذه المؤسسات اليوم الواجهة الاقتصادية القوية للخدمة وهي تتحرك دون أي ارتباط عضوي يربطها بالأشخاص بما في ذلك الأستاذ فتح الله كولن نفسه.
3-الاهتمام بالتربية والتعليم
ولعل أهم إضافة أضافها الأستاذ فتح الله كولن هي تلك الروح التي زرعها في التعليم وفي نظام التربية. فقد ألحّ على ضرورة توجيه الناس وتوجيه الخدمة إلى الاهتمام بالتعليم واعتبار ذلك اختيارا إستراتيجيا. وقد نجح الأستاذ فتح الله كولن والخدمة في ابتكار أنماط جديدة للرفع من مستوى جودة التعليم والتربية وتكوين الأجيال، بينما كانت القطاعات الإسلامية بصفة خاصة أبعد القطاعات عن التعليم حيث كانوا يرونه مجالا دنيويا تشتغل به الدولة.
ظل الأستاذ يوصي بالتعليم ويحرص على إبراز أهميته، حتى صارت كل الاتجاهات الفكرية بما في ذلك الاتجاهات الإسلامية وغير الإسلامية تتطلع إلى فتح المدارس وتتنافس في ذلك. لقد جعل فتح الله كولن من التربية والتعليم هاجس كل أسرة تركية، لأنه ظل يلح في كل دروسه ومواعظه على أهمية هذا الموضوع وخطورته. لقد أعاد الأستاذ فتح الله صياغة المدرسة والمعلم والتعليم والعائلة كأسرة واحدة، وصاغ هذا النموذج في المعاهد التي أسسها، منتجا فلسفة تعليم تتداخل فيها المدرسة والأسرة، وفقا لنموذج وفلسفة تعليم وتنشئة إنسان يتحمل كل أنواع تضحيات سلك التدريس. هذا النموذج ربى عددا كبيرا من كوادر المدرسين الذين يخدمون ويمارسون التعليم بإخلاص في كل مكان في العالم.
عمل الأستاذ فتح الله كولن على إحياء القيم النبيلة في أوساط المهنيين ودفعهم إلى تنظيم أنفسهم، وامتصاص كل الاختلافات الفكرية والأيديولوجية والمذهبية والدينية.
4– القطاعات المهنية
ومن الإضافات الأخرى التي أضافها الأستاذ فتح الله لمفهوم الخدمة تنظيمه لقطاعات المهنيين، وهو القطاع الذي يعتبر أكثر مجالات الخدمة توفيقا، وأكثر المجالات توفيقا لدى الأستاذ.. لقد أعاد الأستاذ فتح الله تنظيم هذه القطاعات وأعاد توجيهها في الاتجاه الأفضل بعد أن انحرفت عن الأهداف والقيم التي كانت تقوم بها في القديم من خلال ما كان يعرف بتعاونيات الفتوّة وجمعيات الأخوّة باعتبارها مسلكا صوفيا يقوم على قيم دينية سامية مثل الفداء والتكافل والصدق والعطاء دون انتظار البديل، وعلى التواضع والإيثار.
كل هذه القيم النبيلة عمل الأستاذ فتح الله كولن على إحيائها في أوساط المهنيين ودفعهم إلى تنظيم أنفسهم، ولعل أهم شيء يميز هذه القطاعات المهنية وأهم إضافة ميزت الخدمة هي تمكنها من امتصاص كل الاختلافات الفكرية والأيديولوجية والمذهبية والدينية في مجتمع حمل السلاح وأراق الدم من أجل اختلافاته وحزبيته سنين طويلة.
لقد نجحت حركة الخدمة في أن توحّد المجتمع التركي حول الجوانب المشتركة، وأن تقيم جوا من التعاون والتكامل بين جميع فئات المجتمع.
المصدر: محمد جكيب، “أشواق النهضة”
Leave a Reply