يشهد العالم العديد من الصراعات السياسية، والأزمات الاجتماعية، وتتأجج نيران العداء بين كثير من أتباع الديانات والطوائف والإثنيات، فما هو السبيل لحل تلك الصراعات، وما الحل لكي يتعايش العالم في سلام دائم، وتسود روح المحبة في أرجاء المعمورة؟
في الحوار الذي أجرته معه جريدة الوطن المصرية على حلقتين، الأولى في 9 أبريل/نيسان 2017، والثانية في ١٢ أبريل/نيسان ٢٠١٧، سئل كولن عن رؤيته في كيفية القضاء على مشكلة الصراعات والنزاعات، فأجاب قائلاً: لقد أكدت طوال حياتي على فضائل التسامح والحوار والتعايش المجتمعي، وانطلقتُ من قاعدةِ: “افتح صدرك للجميع، افتحه أكثر ما تستطيع” وقاعدة “أَشعِرْ الناس أن في قلبك لكل واحد منهم متكأً”. وهذا المنهج في التعايش ليس بدعًا في القول ولا العمل، بل هو منهج نبوي أصيل طبقه النبي ﷺ وخاصة في وثيقة المدينة المنورة مع الذين كانوا يحملون أفكارًا مختلفة.
ثم بدأنا فعاليات دعونا فيها الجميع إلى نبذ الخلاف والعصبية والاجتماع على كلمة سواء بيننا. انطلقت هذه الفعاليات من تركيا منتصف التسعينات من القرن المنصرم، ودعونا فيها إلى التعاون للخلاص من الانقسامات التي تعاني منها بلادنا سواء بين العلمانيين والمتدينين أو بين العلويين والسنيين أو غيرها من أشكال الانقسامات.
لقد أسهمت المؤسسات التعليمية والتربوية التي أسسها أبناء الخدمة في نحو 170 دولة من دول العالم في ترسيخ مبدأ الحوار، خاصة في المناطق التي تعاني من هذا الداء.
وقد لاقت هذه الجهود ترحيبًا شعبيًا واسعًا، والتقى على مائدة واحدة أناسٌ كانوا بالأمس القريب لا يعرفون سوى لغة التحزب والعصبية الطائفية، فصاروا يناقشون قضاياهم بكل هدوء وبلغة راقية. وقد حمل أبناء الخدمة أصداء هذه الفكرة إلى كل مكان رحلوا إليه أو أسسوا فيه مؤسسات تعليمية وتربوية.
فكلنا نعلم بالطبع أن مشكلة الخلاف ليست قاصرة على مناطقنا فقط، فكل المناطق في العالم تعاني من مرضِ تأجيج الخلافات بين الناس وإثارة التصادم بينهم، والإنسان في الواقع هو من يصنع هذه المشاكل، فحيثما وُجد الإنسان فإن المشاكل تتشابه والحلول أيضا لا تختلف.
وقد تبين للناس من شتى الألوان -بعد الاطلاع على هذه الخبرة-أن الاختلافات لا تؤدي بالضرورة إلى نزاعات، بل إذا قوبلت برحابة صدر فإنها تتحول إلى ثراء في المجتمع.
منهج التعايش ليس بدعًا في القول ولا العمل، بل هو منهج نبوي أصيل طبقه النبي ﷺ وخاصة في وثيقة المدينة المنورة مع الذين كانوا يحملون أفكارًا مختلفة.
لقد أسهمت المؤسسات التعليمية والتربوية التي أسسها أبناء الخدمة في نحو 170 دولة من دول العالم في ترسيخ هذا المبدأ، خاصة في المناطق التي تعاني من هذا الداء؛ ففي جنوب “الفيليبين” مثلا فتح محبون للخدمة مدرسة أسموها “مدرسة التسامح الفيليبينية”، وهي تتواجد في منطقة يقطنها 50% من المسلمين و50% من المسحيين، ويغلب على هذه المنطقة طابع التوتر والتجاذب بين هؤلاء الأطياف. لكن المدرسة تعطي التلاميذ الفليبينيين مسلمين ومسيحيين دروسًا إيجابية وذات جودة عالية في كيفية التعايش مع الآخر. ويعمل فيها كوادر محلية من المسلمين والمسيحيين على السواء، وكذلك الأمر في البوسنة والهرسك بين البوسنيين والصرب والكروات، وفي إقليم كردستان بين الأكراد والعرب والتركمان والقوميات الأخرى، وفي مناطق أخرى من العالم نجحت بفضل الله تلك المدارس في تأسيس هذه القيمة ورعايتها والقضاء على القبح الناتج عن التهميش والإقصاء.
لقد أكدت طوال حياتي على فضائل التسامح والحوار والتعايش المجتمعي، وانطلقتُ من قاعدةِ: “افتح صدرك للجميع، افتحه أكثر ما تستطيع”.
لكن ما يحز في النفس الآن أن الحكومة التركية بعد إغلاقها لكافة المؤسسات في تركيا تبذل كل جهدها وتنفق أموال الشعب للعمل على إغلاق هذه المؤسسات في الخارج بدلاً من الاهتمام بمشكلاتها الداخلية، والتصدي لظاهرة الإرهاب التي بدأت تتنامى في الفترات الأخيرة وتحصد الأرواح بلا وازع من دين أو إنسانية.