أدّى ظهور فلسفة صراع الحضارات، وما تبعها من تراجع قيم الإنسان الحقيقية، إلى ضرورة إيجاد بديل ينقذ الإنسانية من ذلك المأزق الذي تعانيه، ومن ثم فقد برزت دعوات في الشرق والغرب تدعو إلى الحوار كوسيلة لبناء حضارة عالمية تعيش فى كنفها شعوب ومجتمعات العالم المعاصر.
وإيمانًا من القائمين على نسمات برسالتها الحضارية الإنسانية، فقد تمَّ تخصيص الإصدارة الحادية عشر للحديث عن قيم الحوار والتسامح في فكر كولن، وكيف تجلت هذه القيم في صورة مبادرات حية على أرض الواقع يطبقها أبناء الخدمة، وقد عرض هذه الأفكار والرؤى نخبة من الكُتّاب والمفكرين متعددي الجنسيات والأفكار والأديان.
بدأت الإصدارة الحادية عشر بكلمة افتتاحية لرئيس التحرير الأستاذ صابر المشرفي، بعنوان “لكي نؤسس أجيال التسامح”، أكَّد فيها على أنَّ الحوار صار ضرورة عصرية، بفضل التقدم التقني الهائل الذي أزال الحواجز الزمانية والمكانية بين الأمم والشعوب، ووضح أن تعايش الناس معًا له طريقان لا ثالث لهما، إما استعمال القوة، وهو طريق نهايته دمار وخراب العالم، والطريق الثاني يتلخص في تفاهم الأحرار فيما بينهم واتفاقهم على إرساء عقد اجتماعي للتفاهم، وأشار إلى أن العديد من المبادرات قد أخذت بزمام المبادرة في الدعوة إلى الحوار والتسامح، ومن الرواد الذين احتلوا مكانة بارزة في هذا الصدد الأستاذ “فتح الله كولن” رائد حركة الخدمة، الذي أسس في بداية التسعينيات حركة تدعو للحوار والتسامح رافعًا شعار “افتح صدرك للجميع، افتحه أكثر ما تستطيع”.
وفي دراسته الموسومة بـ”مفهوم التسامح والحوار عند فتح الله كولن” صدّر الباحث والكاتب الأكاديمي التركي يوكسل تشاير أوغلو دراسته بالقول إن الحوار هو أول ما يتبادر إلى الأذهان إذا ما ذُكر اسم الأستاذ “فتح الله كولن”؛ لأنه ربما لا يوجد إنسان آخر سواء في العالم الإسلامي أو في العالم الغربي يسعى إلى إقامة حوار مع مختلف فئات المجتمع ونثر بذور المحبة والتسامح بقدر الأستاذ كولن. وقد تناول الباحث في مقاله ترعيف الحوار وماهيته، ثم عرّج على أسس الحوار مذكِّرًا بأن أهم أسس الحوار عند كولن هو تصوره ورؤيته للإنسان ذلك المخلوق المكرم المشرف المحترم، ثم عرّج الباحث على أهمية الحوار في يومنا الحاضر، واختتم الدراسة بمتطلبات الحوار.
أما الباحث والكاتب السوري سليمان أحمد شيخ سليمان، فقد تناول في دراسته المعنونة بـالتسامح والحوار في حركة فتح الله كولن(الخدمة) مفاهيم التسامح والإخاء والحوار والعيش المشترك كمحاور رئيسة وركائز مهمة قامت عليها حركة الأستاذ كولن، وقد تناول هذه المحاور من بُعدين اثنين: أحدهما: البُعد المجتمعي، أي عملية التسامح والحوار داخل المجتمع التركي أولاً والعالم ثانيًا. والثاني: البُعد الديني، أي عملية التسامح والحوار بين أتباع الديانات المختلفة في تركيا وفي العالم بأسره.
وفي دراسة بعنوان”إعادة تقييم المفاهيم العقائدية دور أكبر لحركة كولن نحو تطوير الفهم الديني، مستمَدٌّ من القرآن والإسلام”، أكّد إيان فراي الدكتور في كلية اللاهوت في ملبورن، وعضو لجنة التعاون بين الأديان التابعة لمجلس الكنائس في فيكتوريا أن مبدأ الحوار بين أبناء الديانات الإبراهيمية يتماشى مع تعاليم القرآن والدور المحوري الذي يلعبه الإسلام في التطور الديني. ويقدم القرآن الدافع وراء تعاون أصحاب العقائد المختلفة ووسيلة القيام بذلك، بهدف تحفيف حدة الصراع الحالي بينهم. كما تركز الدراسة على الظروف المحيطة بسعي فتح الله كولن لإقامة حوار مع مجتمعات الأديان الأخرى بعيدًاعن المبادرات السياسية، بهدف حماية مجتمعات المسلمين وإفادتهم بشكل مقصود، وذلك في سياق العلاقة بين الإسلام والمسيحية واليهودية.
كما أكد بيم فيلهلموس فالكينبرج أستاذ اللاهوت بجامعة رادبود في نايميخين، والتي حملت عنوان”مساهمة فتح الله كولن في دعم الحوار الإسلامي المسيحي في سياق التعاون الإبراهيمي” أن المسيحيين المشاركين في الحوار مع فتح الله كولن يجدونه واحدًا من أهم شركاء الحوار مع المسلمين المعاصرين.
هذا إلى جانب جملة من الدراسات لمفكرين آخرين من جنسيات وأديان مختلفة كالكاتب الأكاديمي الأستاذ الدكتور ناصر سنة، والشاعر الملقب بالحادي الأستاذ العربي السيد عمران، الذي حملت دراسته عنوان “رؤية كولن الشعرية في التواصل مع الآخر”، وقد ختمت موضوعات الإصدارة الحادية عشر بدراسة الأكاديمي المغربي المعروف الأستاذ الدكتور محمد جكيب، والذي قدم دراسة بعنوان”رؤى البيان والجمال في فكر فتح الله كولن.
وختامًا نتمنى لقرائنا أن تسهم نسمات في إثراءهم معرفيًّا وفكريًّا، وأن تُنمّي ملكاتهم الإبداعية وقدراتهم في التأمل، وأن تكون عاملا مساعدًا في تغذيتهم روحيًّا وقلبيًّا.
لتحميل الإصدارة الحادية عشر pdf، يمكن الضغط على الرابط التالي: