إن رحمة النبي ﷺ وشفقته تُشكِّلان بُعدًا من أبعاد فطنته. ويمكن رؤية عمق آخر في فطنة رحمة النبي صلى الله عليه وسلم وشفقته. أجل، لقد كان سيدنا محمد ﷺ هو الممثل الوحيد لتجلي صفة الرحمة والرحمانية لله تعالى في الأرض. واستعمل هذه الصفة كإكسير شاف لفتح القلوب والتربع على عرشها. ذلك لأن صفة الشفقة والرأفة واللين في الإنسان هي العامل الثاني في جذب الناس وفتح قلوبهم بعد صفة الإخلاص والتجرد الحقيقي. لقد كانت رقَّة وجمال العالم الداخلي للرسول ﷺ وقابليته غير الاعتيادية ورحمته وشفقته –اللتان كانتا بُعدًا آخر من أبعاد فطنته-من عوامل نجاحه التي استعملها واستغلها، ومن دلائل نبوته كذلك.

لقد كان سيدنا محمد ﷺ هو الممثل الوحيد لتجلي صفة الرحمة والرحمانية لله تعالى في الأرض. واستعمل هذه الصفة كإكسير شاف لفتح القلوب والتربع على عرشها.

لقد أرسله الله تعالى رحمة للعالمين. أجل، لقد كان مرآة مجلوة تعكس رحمة الله تعالى… كأنه كان نبعًا وسط الصحارى أو حوض كوثر. تقاطر عليه الجميع وفي يد كل منهم وعاؤه. يشرب حتى يطفئ ظمأه ويروي غلته ويملأ وعاءه. أجل، إنه بسرّ بُعد الرحمة المتجلية فيه مثل حوض كوثر للجميع، من أراد استطاع الاستفادة منه.

غير أنه بهذه الفطنة الرائعة جعل الرحمة الموجودة في فطرته شباك رحمة لصيد القلوب، فمن وجد نفسه في ذلك الجو الساحر وجد نفسه في طريق الجنة وفي قمة الوجد. هكذا كانت “الرحمة” في يد رسول الله ﷺ مفتاحًا سحريًّا. فبهذا المفتاح فتح مغاليق أقفال صدئة لم يكن أحد يتوقع فتحها بأي مفتاح، وأشعل شعلة الإيمان في القلوب. أجل، لقد سلّم هذا المفتاح الذهبي إلى محمد المصطفى ﷺ لأنه كان أليق الناس به، والله تعالى دائمًا يُسلّم الأمانة لمن هو أهل لها؛ لذا، سلّم مفتاح القلوب التي أعطاها أمانة للناس إلى من هو أكثر أهلية له من بين كل الناس وكل البشر. إلى محمد ﷺ أجل، لقد أرسله الله رحمة للعالمين، فقام ﷺ بتقييم هذه الرحمة بشكل متوازن جدًا، لأن التوازن شيء مهم في موضوع الرحمة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: فتح الله كولن، النور الخالد محمد صلى الله عليه وسلم مفخرة الإنسانية، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ8، 2013، صـ246.