نشر البروفيسور الدكتور سعاد يلدريم، أحد علماء الإسلام البارزين، رسالة تعزية في وفاة الأستاذ الجليل فتح الله كولن هوجا أفندي، مشيرًا إلى صفاته الجليلة وأثره العميق في العالم الإسلامي. وجاء في رسالته:
“إنا لله وإنا إليه راجعون”
لقد ودعنا اليوم أستاذنا فتح الله كولن إلى دار البقاء، ذلك الذي كان مثالًا يحتذى به على مستوى العالم بعلمه، وكتبه، ومحاضراته، وأسلوبه في الحياة. لقد غادر هذه الدنيا امتثالًا لقوله تعالى:
﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ [الفجر: 27-30].
في ستين عامًا من التآخي والعمل معًا، رأيته دائمًا يعيش على طريق الله وعلى منهاج السنة النبوية الشريفة. لقد كان مرشدًا لمئات الآلاف من المؤمنين من ثلاثة أجيال تعلقت به. نسأل الله أن يبقي هذه الأجيال دائمًا في خدمة ما تعلموه منه. اللهم اجمعنا جميعًا مع أستاذنا في جنتك.
عاش الأستاذ فتح الله كولن حياته التي امتدت لـ85 عامًا كعبدٍ عرف ربه حق المعرفة. بدأ في التوجيه والإرشاد منذ أن اعتلى المنبر في سن الرابعة عشرة. لقد عرّف الناس على رسول الله ﷺ أفضل تعريف، وكان من أبرز أعماله في هذا المجال كتابه “النور الخالد”، الذي تُرجم إلى حوالي ثلاثين لغة.
لقد امتثل هوجا أفندي قول النبي ﷺ: “أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم” (رواه البيهقي في “كنز العمال”)، وكان يوضح أن معرفتهم تقرب إلى الله كما جاء في الحديث: “علَماؤُهُم يذكِّرون باللهِ النَّاظِرينَ إليهم” (رواه الإمام أحمد في “المسند” وابن ماجه).
كان الأستاذ فتح الله كولن مجددًا بحق، وأحد تلاميذ بديع الزمان سعيد النورسي، الذي اعتبره قدوة وسيدًا. وكما أشار النبي ﷺ في الحديث الشريف: “إنَّ اللهَ يبعثُ لهذه الأمةِ على رأسِ كلِّ مائةِ سنةٍ من يُجدِّدُ لها دينَها” (رواه أبو داود)، فإن حركة الخدمة التي قادها الأستاذ فتح الله كانت وسيلة لخدمة الإسلام في مساحات شاسعة من العالم، بداية من العالم التركي. وعلى غرار الأنبياء والرجال العظام، عاش حياته في مواجهة المصاعب والشدائد.
الحمد لله، خدمته لم تنتهِ بوفاته. فإن نعمة الله على البشرية لا تنفد. بفضل وسائل الاتصال الحديثة كالإنترنت، يمكن الوصول إلى كتبه ومحاضراته ودروسه المباشرة في أي لحظة، بل وبشكل مرئي.

هناك مئات الآلاف ممن يشهدون لصالح هذا الأستاذ الجليل كما أشهد أنا. أنتم جئتم من العديد من الدول، كممثلين لهم. نسأل الله أن يجزيكم جميعًا خير الجزاء، كما نسأله أن يرحم من لم يتمكنوا من الحضور وأعلنوا شهاداتهم من مختلف أنحاء العالم عبر وسائل الإعلام.
ولكن من يكسب الأجر الأكبر من هذه الشهادة، هم أولئك الذين يشهدون في كل مكان حول العالم، وليس أستاذنا فقط. نسأل الله الرحيم أن يجمعنا جميعًا في جناته بشفاعة سيدنا محمد ﷺ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من هو سعاد يلدريم الذي أمَّ جنازة الأستاذ فتح الله كولن اليوم؟
الأستاذ سوات يلدريم (مواليد 1941، إرغاني، ديار بكر) هو أستاذ بارز في علم التفسير وعلوم القرآن.

وُلد سعاد يلدريم في عائلة علمية لها تاريخ عريق في الشريعة. والده محمد زكي يلدريم وجده الحاج حسنو يلدريم كانا من بين الذين شغلوا منصب مفتي مدينة إرغاني. أما جده لأمه، مصطفى إينال، فكان أحد الولاة خلال الفترة العثمانية، ووالده الحاج إبراهيم، الذي ينتمي إلى قبيلة كافاشاشي، كان عضوًا في مجلس أعيان (مجلس الشيوخ) العثماني.

تخرج يلدريم من كلية الإلهيات بجامعة أنقرة عام 1964. شغل منصب مفتي مدينة أدرنة لفترة قصيرة بين عامي 1964 و1965. بعد انتهاء خدمته العسكرية كضابط احتياط لمدة عامين، عمل مفتشًا في رئاسة الشؤون الدينية في الفترة من 1967 إلى 1968.
في عام 1968، انضم إلى جامعة أرضروم أتاتورك كأستاذ مساعد في اللغة العربية وآدابها، وأجرى أبحاثًا في بغداد خلال الفترة من 1970 إلى 1971. في عام 1973، حصل على درجة الدكتوراه عن أطروحته التي تناولت “تفسير قرآن نبينا”.
حصل على لقب أستاذ مشارك في التفسير عام 1977، وعُين رئيسًا لقسم التفسير في كلية أصول الدين بجامعة أرضروم أتاتورك بين عامي 1977 و1987. كما أجرى أبحاثًا في جامعة باريس السوربون بين عامي 1974 و1975.
خلال عامي 1987 و1988، قام بتدريس مقررات المرحلة الجامعية والدراسات العليا كأستاذ متعاقد في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، كلية التبليغ، في المملكة العربية السعودية. بعد ذلك، عُين أستاذًا للتفسير في كلية أصول الدين بجامعة مرمرة، حيث شغل منصب رئيس قسم التفسير بين عامي 1989 و1993. شغل منصب عميد كلية اللاهوت بجامعة سكاريا لمدة ثلاث سنوات بين عامي 1993 و1995.
بينما كان يتابع تعليمه في كلية أصول الدين بجامعة مرمرة، حصل على إجازة منها وعمل محاضرًا في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا بين عامي 1998 و2000.
وهو متزوج وأب لثلاث بنات.
لدى سعاد يلدريم 13 كتابًا مكتوبًا ومترجمًا، بالإضافة إلى أكثر من سبعين مراجعة ومقالًا علميًا.