ينظُمُ فتح الله كُولَنْ فيما يتعلَّق بأهمِّيَّة العِلم والغاية المنتظَرَةِ منه كلامًا من ياقوت الحِكمة فيقول:
بما أن الحياة الحقيقيّة بالنسبة للإنسان تقوم بالعلم والعرفان؛ فإن مَنْ يهملون التعلُّمَ والتعليم يُعَدُّون أمواتًا وإن كانوا على قيد الحياة؛ ذلك لأن الغاية من خَلْقِ الإنسانِ هي النظرُ والتأمُّلُ وتحصيلُ المعرفة ونقلُ ما تعلَّمَه إلى الآخرين.
إن صحّةَ القراراتِ والتدابير التي يتَّخِذُها أيُّ فردٍ تتناسبُ مع ما يتمتَّعُ به من عقلٍ ومنطقٍ، والعقلُ والمنطِقُ بدَورِهما يتنوَّران ويترقَّيان بالعلم والمعرفة نحو الكمال.
لا تظهرُ إنسانيَّةُ الإنسانِ واضحةً إلا عند محاولته التعلُّم ثم تعليمَه غيرَه وتنويرَه إيّاه، ومنْ لا يحاول أن يتعلَّم -مع كلِّ جهلِهِ- ولا يُفكِّرُ بذلك ولا يُجَدِّدُ نفسَهُ بما تعلَّمه ولا يكون قدوةً لغيره إنما هو إنسانٌ بالصورة فقط وليس بالسريرة.
إن المنصبَ والمقامَ الذي يُستحصلُ ويُكتَسَبُ بالعلم والمعرفة أسمى وأدومُ من المناصب والمقامات المُكتَسَبَةِ بالطرق الأخرى؛ ذلك لأن العِلْمَ يُبعِدُ صاحبَه في الدنيا عن السوء ويجعله من أرباب الفضائل، كما يجعله من أصحاب السعادة في الدار الآخرة بما يحصل عليه من منصبٍ ومرتبةٍ لم يكن يتخيّلهما.
إنَّ الغاية من تعلُّم العِلْمِ هي اتّخاذُ المعرفة مرشدًا وهاديًا للإنسان، وتنويرُ الطرق التي ترقى بالإنسان نحو الكمالات الإنسانية؛ لذا فالعلوم التي لا تتناول جانبَ الإنسان الروحي تكون عبئًا على صاحبها، وكلُّ معرفةٍ لا تُوَجِّه الإنسانَ إلى الأهداف السامية ليست إلَّا عبئًا على القلب والفِكْرِ لا فائدةَ منها.
إنَّ قَدرَ كُلِّ شخصٍ وقيمتَه مرتبطةٌ بمضمونِ ووَفْرَةِ العلم الذي حصَّله، ومنْ يستغلّ علمه في مجال الشائعات تكون قيمتُه بقيمةِ تلك الشائعات، أما منْ يستغلّ علمَه ويستعمله كمَوْشورٍ في تحليل الحوادث والأشياء، ويوجِّه علمه لإضاءة المناطق المظلمة والتحليق بها وإنارتها بعلمِهِ ومعرفتِهِ للوصول إلى الحقائق الموجودة فيما وراء الطبيعة، فَقَدْرُه وقيمتُه بمقدارِ علوِّ تحليقِهِ .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: على أونال، فتح الله كولن ومقومات مشروعه الحضاري.