إن «الخدمة» بمؤسساتها المختلفة إنما هي قوة اندفاعية لحياة المجتمع، إنها روح سام وعقل اقتحامي وَثَّاب. وهي ليست ابنة حقبة زمنية معيّنة، بل هي الحقبة الزمانية المعنية نفسها، وهي إحدى التجارب الحية التي تغري الباحثين للمزيد من الدراسة والبحث والتقويم..
فهذه الخدمة تعني في كثير مما تعنيه أنّ هناك طريقة أخرى للعيش، طريقة مجدية، وذلك بواسطة تعاون العقل والتجربة، وتناغم العقل والوجدان، والروح والمادة. كما أنها تعمل من الناحية السيكولوجية على جعل العامل فيها يعود إلى نفسه، ويصالح ذاته، ويلتقي وجوده، ويستخرج من هذا الوجود قواه الفاع لة غير المنظورة، ويسخّرها للتجديد والإبداع والابتكار، وبذلك يتخلص من جحيم وجوده الداخلي الذي تؤججه فيه السكونية والبطالة واجترار الزمن الميت، بينما تظل غريزة الحياة الملتهبة في داخله تستحثه لكي يلقي بنفسه في دوامة العمل، ويكرّس وجوده للفعل والانفعال.
فرجل الخدمة يأسف شديد الأسف ويرثي لأولئك الناس الذين يضطرون -لسببٍ ما- إلى قضاء هذه الحياة بهذا الشكل الفاتر والتافه والمدمر. فرجل الخدمة لا يعرف الراحة، ولا يستنيم لها، ولا يقبل أنْ تغلبه. وكلما جنح إلى شيء من الراحة، أحسَّ بألم في روحه يفزعه ويقضّ مضجعه. إنه كالطائر الذي انطلق من قفصه يموت ولا يعود إليه مرة أخرى.
Leave a Reply