تحت مسمى “التصدي للانقلابيين” أردوغان يرتكب أفظع الجرائم البشرية باعتقاله الحوامل والأطفال الرُّضَّع في مخالفة واضحة للقوانين الدولية ومبادئ وقرارات محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، وضاربًا عُرض الحائط كذلك بالقانون رقم 5275 الخاص بإنفاذ الإجراءات الجنائية والأمنية المتعلقة بـ”المرأة الحامل، والمرأة حديثة الولادة، والمرأة صاحبة الطفل الصغير” على النساء اللائي تمَّ اعتقالهنَّ بتهمة “الانتماء إلى منظمة إرهابية” في ظل حالة الطوارئ، الأمر الذي تسبب في حصول انتهاكات فظيعة بحق هؤلاء النساء وأطفالهن الرضّع.

نائب معارض ينتقد اعتقال الرضَّع

انتقد فاروق جرجرلي أوغلو، نائب حزب الشعوب الديمقراطية، اعتقال السلطات التركية الأمهات وأطفالهن الرُّضَّع، مشيرًا إلى أن السلطات التركية ترتكب العديد من الجرائم في حق الشعب التركي.

وتابع نائب حزب الشعوب الديمقراطية حديثه قائلًا:” إن هناك 35 سيدة حامل في السجون، 37 امرأة يرضعن رضاعة طبيعية حتى ستة أشهر في السجن بشكل غير قانوني، وبشكل يخالف للدستور”.

وأضاف جرجرلي أوغلو:” أن النظام التركي يعامل الأطفال والنساء في السجون بغير شفقة ولا رحمة، مؤكدًا على استخدام أردوغان لسياسة القمع والسيطرة”.

المعتقلات يروين حكاياتهن

موقع “أحوال تركية” التقى بالنساء اللاتي قضين فترة من الوقت في السجن بعد محاولة الانقلاب، وشرحوا أوضاع الحوامل والأطفال الرضّع في السجون التركية، والتي تكشف بجلاء عن خطورة الوضع في السجون، مع رفض التصريح بأسمائهن لأسباب أمنية.

تبدأ الحديث السيدة ب. د. التي اعتقلتها السلطات مع شقيقتها بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي، تحكي معاناتها فتقول: “وضَعتْ شقيقتي حملها في 30 نوفمبر 2017م، ثم أوقفتني السلطات وإياها في 18 ديسمبر 2017، ولم يكن ابن شقيقتي “عاكف” بلغ بعدُ من العمر 20 يومًا. ثم صدر قرار اعتقال بحقنا، وأرسلونا إلى سجن بكر كوي في إسطنبول. الطفل عاكف ينشأ الآن في ظروف السجن، وقد بلغ عمره ثمانية أشهر. وكان والده اعتقل أيضًا في وقت سابق بنفس التهمة. لشقيقتي طفلٌ آخر في عمره الرابع، وهو يعيش عند جده وجدته بعيدًا عن والديه وشقيقه الصغير منذ ثمانية أشهر”.

وتواصل السيدة ب. د: “بدأ الطفل عاكف يتقيأ باستمرار منذ مارس 2018. وزعم الطبيب في مستوصف السجن أن الأمر طبيعي لا يحمل خطرًا. لكن القيء ازداد، ومن ثم تحول إلى قيء دموي، ونقل بعد ذلك إلى المستشفى. لم تسفر الفحوص الأولى عن نتيجة واضحة، وتأخر الحصول على الأدوية نحو 7 أو 10 أيام، واستمر الطفل في التقيؤ الدموي في غضون ذلك، مما استدعى نقله إلى المستشفى مرة أخرى. فقال الأطباء هذه المرة إن الطفل يتقيأ بسبب الحساسية وارتجاع المعدة. وللاطلاع على سبب الحساسية نصح الأطباء عبثًا والدة عاكف بقائمةٍ من الأطعمة يتناولها يوميًّا لتحديد الغذاء المسبب للحساسية! لكن ذلك لم يتحقق في ظروف السجن بطبيعة الحال. ولله الحمد صحة شقيقتي وطفلها جيدة حاليا، ويواصل تناول الأدوية. لم تكن لعاكف أي لعبة في ظل قانون الطوارئ، إلا أن السلطات منحته أخيرًا قبل نحو أسبوع ألعابًا ولو كانت محدودة.”

السيدة م. ي. البالغة من العمر 37 عامًا هي الضحية الأخرى التي قضت في السجن ثلاثة أشهر، وقد تمكنت من إنجاب توأم بعد خضوعها لمعالجة، وهي تروي ما عاشته في السجن قائلة: “لقد عشت بعيدًا عن طفليّ التوأمين 109 أيام بعد أن وضعتهما عقب حمل خطير. أرسلوني إلى السجن بعد 7 أيام من الاحتجاز، وانقطع طفلاي عن الرضاعة بعد محاكمة خضعت لها منتصف الليل. من سيدفع ثمن حرمان طفليّ من حليب أمهما يا ترى؟ الكلمات تعجز عن تصوير ما واجهته من صدمة بعد المحاكمة والاعتقال. كيف يمكن لي أن أصف لكم ما عانيته؟ لقد حاولت شفط الحليب من ثدييّ في ظروف غير صحية وإرساله إلى طفليّ يومًا أو يومين في الأسبوع. ولم تسمح السلطات برضع طفليّ عشر دقائق حتى أيام المقابلة المغلقة. وعندما اشتقت إليهما أخذتُهما إلى السجن، إلا أنني لم أستطع البقاء معهما أكثر من ليلة واحدة، لأنهما كانا مصابين بالربو التحسسي والالتهاب الرئوي، وازداد مرضهما في ظروف السجن، مما دفعني إلى الاتصال بزوجي لينقلهما إلى المستشفى، ومن بعده إلى المنزل. كانت الدموع تنهمر من عيني في كل ثانية قضيتها في السجن. والأمرّ أن حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان، الذي صوَّتُّ لصالحه طيلة 15 عامًا من حكمه، مَنْ كان يمارس هذا الظلم عليّ وعلى أمثالي”.

في حين أن السيدة ف. ز. تصف المشهد في السجن في ظل وجود الأطفال بقولها: “كان لدينا في السجن صبيان، مضى على أحدهما سبعة والآخرِ ثمانيةُ أشهر، بالإضافة إلى صبية ذات 15 شهرًا. لم تكن هناك نظافة مناسبة للأطفال الرضع، ومساحات مخصصة لحبوهم ومشيهم. كما لم تكن أسرّة ومرافق حمام خاصة لهم. لم تقدم إدارة السجن للنساء صاحبات الأطفال السجاد والبسط والبطانيات ليفرشنها على الأرض. وفي الأيام القادمة تم اعتقال امرأة حامل في شهرها الرابع والنصف، وولدت في السجن. يبلغ الطفل الآن من العمر 17 شهرا، ولا يزال في السجن حاليا”.

هنا تتدخل السيدة ج.ك. لتقول بأن السلطات كانت توظف الحمل للحصول على اعترافات من النساء: ” لم تسمح السلطات بنقل امرأتين حاملين إلى المستشفى إلا بعدما بقيتْ بضعة أيام على موعد الولادة. كانت إحداهما مصابة بداء السكري، وكثيرًا ما تنقل إلى المستشفى. لقد شاهدتُ قدوم كثير من حديثات الولادة إلى السجن برفقة قوات الدرك. وأحفظ 5 أسماء من النساء اللائي ذهبن للمستشفى للولادة، ومن ثم عُدْن إلى السجن مرة أخرى في نفس اليوم. كما أعرف عديدًا من الحوامل كان المدعي العام يستدعيهنّ إلى مكتبه الخاص ويسألهن ما إذا كنَّ يرغبْنَ بوضع حملهن في السجن أم المنزل، ثم يطالبهنّ بإعطاء بعض الأسماء.”

وعندما أتى الدور على السيدة أ. ع. تبدأ حديثها وهي تبكي: “كانت إحدى النساء تضطر إلى شفط الحليب من ثدييها وسكبه في القمامة. كان السجن حافلاً بالحوامل. ولما اقترب موعد الولادة لإحداهن لم يبلغ المسؤولون أسرتها، فضلاً عن أنهم أجبروها على وضع حملها وهي مقيدة بالأصفاد، وفصلوا بينها ومولودها الجديد، ولم يسلموه لها إلا بعد 6 أيام.”

أما السيدة ل. ج. فقد أدلت بتصريحات تدل على أن نظام أردوغان يحتجز النساء الحوامل والأطفال الرضّع كرهائن؛ حيث روت ما شهدته قائلة: “لاحظتُ أن القاضية كانت ترغب بالإفراج عن سيدة أجهضت قبل مدة، إلا أنها كانت تخاف من اتخاذ القرار بنفسها، فسألت المدعي العام، فأجاب الأخير قائلاً: “يا سيادة القاضية، نحن كذلك نريد أن تستمر محاكمتها طليقة، إلا أن زوجها هارب من العدالة، وهي لا تزودنا بمعلومات عن مكان زوجها!”.