يستغل أردوغان الفقر المدقع الذي تعاني منه اقتصاديات العديد من الدول الأفريقية والأسيوية، فيلعب على وتر المساعدات المالية لإقناع نظرائه في تلك الدول بمد ذراعه والعبث في الأمن الداخلي لتلك الدول، والقيام بعمليات اختطاف لنشطاء ومعارضين وصحفيين أتراك في خارج تركيا. وقد ركبت السنغال مؤخرًا قطار أردوغان بفضل وعودٍ بتقديم 7,5 مليار يورو على شكل مساعدات مالية واستثمارات.

لم يلعب النظام التركي مع السنغال على ورقة المساعدات المالية فحسب، بل شرع في تعيين موظفين شبه رسميين للقيام بعمليات سرية ضد النشطاء والمعارضين تحت ستار “موظفي سفارة إضافيين”.

المغادرة خوفًا من الاختطاف

ونظرًا لأن عمليات الاختطاف تلك التي تقوم بها المخابرات التركية في السنغال تتم خارج إطار القانون، اضطر بعض المعلمين الأتراك إلى مغادرة داكار خوفًا من ملاحقات موظفي السفارة “الإضافيين”. كما يؤكد المعلمون أن حوادث الملاحقة لم تحصل قبل وصول هؤلاء الأشخاص الغامضين إلى مبنى السفارة التركية.

وتفيد المعلومات المتاحة أن الحكومة السنغالية قد تواطأت مع طلبات أردوغان في ملاحقة المعلمين الأتراك مقابل الحصول على مساعدات مالية ومزايا أخرى لم تعرف طبيعتها بعد. ومن الجدير بالذكر أن الملاحقة شملت الأتراك الذين يعيشون هناك منذ عام 1998، ولم تقتصر على من هاجروا بعد “الانقلاب” الفاشل عام 2016.

السنغال تستجيب للضغوط

وقد أكَّد المراقبون أن الحكومة السنغالية قد استجابت للضغوط التركية، فأقدمت على إغلاق عدد من المدارس التي أسسها أتراك في البلاد، ولم يشفع لتلك المدارس مساهمتها في تقديم نوعٍ استثنائي من التعليم شهد به جميع أطياف الشعب السنغالي وفي مقدمتهم مسؤولو الحكومة في السابق. واليوم، وبعد أن وصلت ذراع أردوغان إلى داكار، فقد تملك الخوف قلوب أكثر من 90 عائلة تركية من ملاحقات المخابرات التركية المروعة والغير القانونية، والتي كان من نتيجتها فصل الكثير من الأتراك من عملهم واعتقالهم.

يُذكر أن الكثير من تلك العائلات غير قادرين على مغادرة السنغال بعد أن جرى حجز جوازات سفرهم. ومن المثير كذلك أن السلطات السنغالية ألغت تصاريح العمل الخاصة بالمعلمين، ورفضت تسجيل الأطفال حديثي الولادة من أبنائهم.

خليفة المسلمين خُدعة للسنغاليين

وبحسب شهود عيان فإن تركيا تعتمد على منظمات غير حكومية مقرها في السنغال، من أجل التستر على نشاطات غير قانونية، تجمع عبرها معلومات حول الأتراك القاطنين في داكار. وبحسب المقابلات التي أجريت مع شهود عيان، فإن البعثة الدبلوماسية التركية تستخدم رواية إسلامية تصور الرئيس أردوغان كقائد للمسلمين على مستوى العالم، تحاول عبرها إقناع مواطنين سنغاليين بالتعاون من أجل جمع معلومات سرية حول الأتراك.

وقد شملت النشاطات التركية في السنغال مضايقات وتخويف وترهيب وتهديد تحت مظلة منظمات رسمية، شملت منظمة الاستخبارات الوطنية (MIT)، ووكالة الجاليات التركية ما وراء البحار (YTB)، والوكالة التركية للتعاون والتنمية (TIKA)، ومنظمة الشؤون الدينية (DIYANET)، جميعها مسنودة بدعم إعلامي من قبل وكالة أنباء الأناضول (AA)، والمؤسسة التركية للإذاعة والتلفزيون (TRT)، ومعهد يونس إمره، ومؤسسة معارف التعليمية.

وفي ذات الوقت، اعتمد النظام التركي على منظمات موازية غير رسمية ممولة من الحكومة، شملت منظمة اتحاد الديمقراطيين الأتراك الأوروبيين (UETD)، ومؤسسة البحوث السياسية والاقتصادية والاجتماعية (SETA)، ومنظمة التراث التركي في الولايات المتحدة. لكن المروع هو استخدام منظمات “إنسانية” في عمليات الملاحقة، شملت منظمة المساعدات الإنسانية الدولية (IHH).

مناشدات للمنظمات الدولية

بعد استعراضنا لحالة النشطاء الأتراك العاملين في السنغال بمن فيهم المعلمين والأكاديميين والصحفيين، تبيَّن لنا أن العمل في دول ذات اقتصاد متردٍّ مثل السنغال، قد تكون مروعة في ظل نفوذ النظام التركي المتوسع بفعل بطاقة المساعدات المالية. لذا نناشد المجتمع الدولي وضع آليات أكثر فعالية لمنع مثل هذه الإساءات والملاحقات في الوقت المناسب وبطريقة هادفة. وينبغي كذلك أن تكون الديمقراطيات المتقدمة والمنظمات الدولية أكثر استعدادًا للتعامل مع الأزمة الإنسانية الناجمة عن السلوك العدواني التركي حول العالم.