أمضى الأستاذ فتح الله سنتين وأربعة أشهر في أدرميت، ثم عُيِّن في 29/6/1974م واعظًا أول في مَغْنِيسا، والأمر فيها أصعب مما عليه في إزمير، يقول: “أقبل كثيرون على المواعظ، فالمسافة اقتربت والعوائق ارتفعت، لكنّ مَغْنِيسا لم تتحمّس للخدمة؛ ولم تأتِ لها بجديد، فكل ما فيها من وعظ وصحبة ومخيمات وغيرها امتداد للماضي؛ كلّ شيء كما كان، نعم ربما توافَد الناس فيها أكثر من أدرميت؛ لكن نسبته إليها خطأ، فالخدمة في تطور دؤوب بفضل الله عز وجل؛ أمّا أدرميت فقضيت فيها سنتين ونيّفًا بلغت الخدمة خلالها حدًّا أقَرَّ عيني رغم أني أتيتها على مضض – ولله في ذلك حِكَم – بل فكرت بالاستقالة، ولعلّ الأُلفة تفسِّر هذا؛ فما أشقّ أن يفارق المرء إِلفَه إلى غيره، فأخلائي في إزمير، وفراقهم كهجران الأحبّة لا يُطَاق”.
في مطلع رمضان الموافق 20/9/1974م بعد نحو ثلاثة شهور من تعيينه في مَغْنِيسا توفي والده رامز أفندي، فتزلزل من الأعماق، وبدا هذا في وعظه وحديثه عن هذا الحدَث في مذكراته، يقول عن حقبة ما قبل الحدَث بقليل: “أجل، كان عام حزن عندي، فيه مات صديقي العزيز القاضي نجم الدين كُوَنْلي في أدرميت، وبعده بنحو شهر توفِّي والدي؛ وقبيل وفاتهما رأيت رؤيا، رأيت مرة أو مرتين أنّ طائرتين تبحرانِ في أعماق السماء حتى اختفتا، وها قد غاب الفرقدان في شهر، اللهم فبلغهما رضاك.
ويوم تنفيذ التعيين في مَغْنِيسا قبّلت يد أبي وقلت: “أتأذن لي؟ سأباشر عملي”،
فقال: “انتظر إلى الخميس القادم”، ثم توقف وفكّر وقال: “اذهب، فهنا عينان اثنتان، وهناك آلاف العيون تنتظرك”؛ فعدت إلى إزمير، ولم يمض أسبوع حتى جاء نعيُه يوم الخميس، فعجِلْتُ إلى الحافلة، ومعي يوسف بَكْمَزْجي وكُوسَه محمود، وشيّعَنا مصطفى بِرْلِك إلى المرْأَب، فكانت المواصلات ميسّرة، ركبنا الطائرة من أنقرة ونزلنا بأرضروم ظهرًا.
الأستاذ فتح الله يزور قبر والده رامز أفندي في قرية قُورُوجُق في 20/10/1988
كم أحزنني أنني لم أكن بجواره لحظة الوداع، وكم أغمّتني غفلتي عن كرامته لما قال: “اذهب بعد الخميس القادم!” فذاك جرح ما زال يلتهب في أعماقي، وأنّى لي بأبٍ مثله؟
كان أبي دقيقًا في حياته، الصلاة هي جلّ ما يشغله، بكَّاء، وقته ثمين، إذا رجع من الحقل يتناول كتابًا قبل أن يخلع نعليه قيقرؤه ريثما يحضر الطعام، للقراءة عنده متعة خاصة، لسانه رطبٌ دائمًا إما بالقرآن الكريم وإما بتَكرار ما حفظه من شعر عربي أو فارسيّ، أنا لا أتذكر أنني حفظت قصيدة البردة بنفسي، ولكني حفظتها من كثرة تكرار والدي لها. وكذا الأمر في الشعر الفارسيّ الذي كان يسرده أبي في وعظه، كان يملأ وقته كلَّه بالعمل الصالح الزّاكي، ولا يعرف الفراغ، وله فضل عناية بالتفكر”.
ومضى الأستاذ فتح الله يعِظ في أماكن كثيرة عدا المساجد ويدرّس الطلاب، ويحاضر في مجالات عدة داخل الوطن وخارجه، وفي مقاهي المدن عامّة وإزمير خاصّة.