لما أُطلق سراحه قدّم طلبًا لوزارة الأوقاف ليوظف مجدَّدًا، فتأخّر الردّ، فرجع إلى أرضروم، يقول: “انطلقت من إزمير وحقيبتي بيدي وشعور غريب ينتابني، كما نزلت بها قبل ست سنوات وحقيبتي بيدي والأحزان تتجاذبني”. ولما قضى مدة في أرضروم رجع إلى إزمير ليعظ في جامعي “صَحْلَبْجِي أُوغْلو” و”آلْسَنْجَق”، جاء تعيينه في 23 فبراير/شباط 1972 “واعظًا أول” بأدرميت، يقول: “بين أدرميت وإطلاق سراحي ثلاثة شهور، لكن هذه الفترة ليست فترة انتظار تماماً، عُدت إلى إزمير بعد أن زرتُ أرضروم لمدة قصيرة، لأعظ في جامع صَحْلَبْجِي أُوغْلو، ولما اعتقلْت نقل أصدقائي أثاث منزلي إلى شقة في منطقة “صادق بك”، فلما رجعت من أرضروم استأجرنا منزلًا فورًا في “مكتوبجي” بـ 500 ليرة.
ثم ألغت الأوقاف إذننا في الموعظة، وسرعان ما مُنِعت أنا والأستاذ “شعبان دُوز” والأستاذ “عثمان قَرا” من الوعظ، كانت الإدارة العُرفية تضغط على الأوقاف لتبعدنا جميعًا عن إزمير. وعلى وزارة الأوقاف شاءت أم أبت أن تخضع لهذا الضغط، ولا يمكن أن نعِظ إلا بقرار آخر، كان “إبراهيم علوي بك” موظفًا في الشؤون الإدارية آنذاك، فدعاني إلى أنقرة، وقال لي: “أين تريد سوى إزمير؟” كان “إسماعيل بُيوُكْشَلَبِي” في أدرميت، فرجوت أن يكون لي جليساً، فقلت: “أدرميت”؛ فعُينت فيها، أمّا الأستاذ شعبان دُوزْ فعُيِّن في “نازِلِّي”، وعثمان قَرا – رحمه الله – في “طُرْغُتْلُو”؛ نعم، طلبت أدرميت إلا أنني لم أكن أنتوي الذهاب إليها، زارني في منزلي مفتي أدرميت رمزي بك ومعه السيد عارف جاغان ذو الخدمات الجليلة والقاضي نجم الدين كُوَنْلي – رحمه الله -، وأصروا وكأنهم يتوسلون إليّ لأذهب إلى أدرميت: “من فضلك، ستخدم الدين هناك أيضًا!” لن أنسى ذاك الودّ، وليس لي أن أُعرِض عن رغبتهم الملحّة هذه”.
يقول الحاج عارف جاغان بك عن انطباعه الأول عن الأستاذ فتح الله: “حبّ عظيم في قلبي للعلماء ربتني أسرتي عليه منذ طفولتي، نويت زيارة قبر “الشيخ إبراهيم حقي” – رحمه الله – مؤلف كتاب “معرفت نامه” في أرضروم، فقررت زيارته مع أسرتي، وصلنا من طريق ممر زِيكَانا عبر طِرابْزُون، ثم علمنا أنه مدفون في تِلُّو، وما ضاع جهدنا إذ رأينا الشيخ محمد قِرْقِنْجي.
وعند عودتنا من أرضروم بتنا ليلة في “آيْدِنْ”، وتناولنا الفطائر المحشوة، وجئت لأحاسب فقيل لي: حسابكم مدفوع، دفعه “الحاج كمال أَرِيمَزْ” على طاولة مقابلة، لا أعرفه ولا يعرفني، لكنه رأى أسرتي محجبة ففعل ذلك… سألناه: لم فعلت ذلك؟ فقال: منزلي في طريق سفركم، أدعوكم للفطور، أول من حدثَّني عن الأستاذ فتح الله هو، فلم أَعِ ما يقول تمامًا؛ وبعده مفتي أدرميت فحدثنا عنه كذا وكذا وكذا، فانتهزت فرصة لزيارة سكن كستانه بزاري بإزمير، فاعتذر الأستاذ فتح الله عن الموعظة بمرضه، وكان يسكن في كوخ خشبي؛ تحدثت إليه، وقلت: ليتك تأتي إلى أدرميت، وعلمت بعد ذلك أنه كان سيأتيها بنفسه، وعندما جاء كان “صاري خُوجه” هناك، فذهبنا معًا للموعظة، فلما انتهت ذهبت مع الشيخ صاري إلى المكتب أسأله ما رأيه فيه؟ وماذا أفعل، أألزمه؟ وعهدي بالشيخ أن ذلك يغضبه، فقال: “ماذا تقول يا بني؟ إنَّه ذو علمٍ لَدُنيّ، إنه يبيّن حقائق الإيمان. “فاستمسكت به أكثر؛ وجاءني بعد 1972 “سليمان قَراكُلَّه” يصر عليّ لأشاركه الأنشطة السياسية، إذ سبق أن مارست شيئًا من السياسة في عهد “الحزب الديمقراطي”، وعزفت عنها بعد الانقلاب، فقلت: عذرًا، أنظِرني أسبوعًا لأفكر، فسألت عنه الأستاذ فتح الله فعرفت أنّه لا يعيرها اهتمامًا، فاعتذرْت”.
للخدمات التي تحققت خلال عدة أعوام في أدرميت مكانة خاصة في وجدان الأستاذ فتح الله، يقول: “خدمة أدرميت سبقت غيرها، قام أهلها بواجبهم، خاصة السيد عارف جاغان وابن أخيه السيد عبد الله الذين تحمّلا كثيرًا من النفقات، علاوة على ما يأتي من القُرى للطلبة الفقراء من مواد غذائية كالزبد والبيض والجبن واللبن”.