يلحّ “فتح الله كولن” على وجوب إعادة اللحمة بين الدين والدنيا. ولهذا فإن دَور العالم الشرعيّ يغدو اليوم أساسيًّا، بالنظر إلى أن الأمّة بصدد تدشين مرحلة من الوثوب والفكاك النهائي من دائرة التردّي. والإصابة التي أودت بالأمة أضرّت بالروح، وعلاجها ينبغي أن يكون روحيًّا بالأساس، لأن العقيدة هي العامل. الإطار الذي يهيّئ الأرضية التي تقام عليها دعائم النهضة. فإذا تعافت الروح، تيسّر على الأمة أن تستدرك كل ما فاتها في حقول المعرفة الدنيوية والمهارات المدنية.
إذا تعافت الروح، تيسّر على الأمة أن تستدرك كل ما فاتها في حقول المعرفة الدنيوية والمهارات المدنية.
إستراتيجية كولن:
تترقى هذه الإستراتيجية إلى أهدافها بمنطق التدرّج. فالأمة التي عاشت طيلة أجيال متلاحقة تحت وطأة الجحود وضعف التمسك بدينها، لا يمكن أن نركّز – ونحن نرشدها إلى مبادئ دينها وفلسفة عقيدتها- على الجوانب التي تبدو ثانوية قياسا بالأساسيات.. من هنا رأيناه يعتمد خطّة تقديم الأهم على المهمّ، ليس لأنه يرى أن العقيدة تفاريق وإقطاعات تؤخذ بالتجزئة، كلا، إنما همّه أن يسلك بالجماهير والنخب التي طالما غيّبتها الأيديولوجية الإلحادية عن الشرع، المنهج التذْويقي المفيد.
لا ينبغي أن يتهوّر المسلمون فيجعلوا من نقاط الخلاف المعلن نقطة الانطلاق إلى بناء الغد ونشدان النهضة.
فبدلاً من أن تستثار أمامها قضايا ذات طابع استكمالي، توضع أمامها المبادئ الروحية التي – حين يتحقق استيعاب الجماهير لها-، فإن قابلية الاستكمال تتهيّأ لدى تلك الجماهير. وعندئذ تجد الناس يسعَون هم بذواتهم إلى استيفاء شروط تديّنهم.. ومن ثم فلا ينبغي أن يتهوّر المسلمون فيجعلوا من نقاط الخلاف المعلن نقطة الانطلاق إلى بناء الغد ونشدان النهضة.
يري “كولن” أن تعميم قيم العقيدة وإشاعة التدين على نطاق جماهيريّ واسع يقتضي التدرّج بالناس، وإِخراجهم من تغريبيتهم بحكمة التيسير.
ذلك لأن “كولن” يرى أن تعميم قيم العقيدة وإشاعة التدين على نطاق جماهيريّ واسع يقتضي التدرّج بالناس (وإِخراجهم من تغريبيتهم بحكمة التيسير) والسير بهم برشد عبر منهج يتيح لهم أن يكتشفوا عظمة دينهم من خلال التعرّف على أسسه الإنسانية وأركانه الأخلاقية، فإذا ما تم لهم حظٌّ من ذلك، انقلبوا بأنفسهم إلى التفاصيل الشرعية يحتضنونها، وإلى الجوانب العقدية يعتصمون بها، ويستكملون كلية إيمانهم.
——————————-
المصدر: سليمان عشراتي،الانبعاث الحضاري في فكر فتح الله كولن، دار النيل للطباعة والنشر، ط 2، 2013، صـ 106-107.
ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.