مفهوم تحرير الإنسان في الإسلام لا يعني فقط تخليص البشرية من ظاهرة استعباد الإنسان من الرقّ الذي طالما استهدفه، إن مفهوم الحرية الإنسانية في الإسلام يتسع فيشمل صون الآدمي من كل وضع تـُقهر فيه النفس البشرية، وتُسَاس بما لا يحتمله الحسّ السليم والوازع الفطري السوي، فتحريم الإسلام للزنا مثلاً، إنما هو حماية المرأة من شرّ ما تُسَام به من هتك وهي تبيع عرضها، لكن الحضارة المادية، وباسم الحرية الشخصية، شرعت للبغاء ومكّنت أن يُشهَّرَ عنه في أكثر مدن وحواضر العالم.. والأمر يقال عن الخمر؛ إذ المدمن فردٌ مستلَب، عبدٌ لداء نفذ فيه، داء يُعَدُّ المجتمعُ عنه مسئولا حين رخََّص للمسكر، و”كلُّ مُسْكر حَرام” أن يسوَّق، وأن يتعاطاه الناس بلا مانع.

وقل مثل ذلك عن آفات القمار، وألوان السمسرة، والاحتكار، و..أليس عالم الحضارة المادية هو الذي يعدم سنويًّا الفوائض التي لا تُحصى من النعم والمنتجات، إبقاءً للسعر عاليًا.. أليس هو الذي يحتكر ترخيص التصنيع في المجالات الحيوية كحقل صناعة الأدوية، توفيرًا للدواء الذي تعجز عن دفع ثمنه البلاد الفقيرة لصالح شعوبها؛ لأن دوائر الاحتكار العالمي ترى في هذا الترخيص حدًّا لابتزازها من الكسب الشَّرِه؟!.

 مفهوم الحرية الإنسانية في الإسلام يتسع فيشمل صون الآدمي من كل وضع تـُقهر فيه النفس البشرية، وتُسَاس بما لا يحتمله الحسّ السليم والوازع الفطري السوي.

الحرية الحقيقة في الإسلام:

يرى “كولن” أن الحضارة المنتظرة التي سيؤسس لها النهوض الإسلامي الراهن، ستعمل بلا هوادة على علاج كل هذه السلبيات التي تُرهق في الإنسان إنسانيته، وتُخرجه عن سَوِيته؛ لأنها آثام في حقيقتها مناقضة لجوهر الطبيعة الإنسانية المهيأة للخير والرشد، فالشر والظلم ليس من الفطرة السليمة، ومسؤولية الإنسان أن يتمرس بالخير، تساميًا إلى منزلة التكريم التي خصَّ الله بها الإنسان.

إنها آثام وتعديات شاذة، تبرّرها فلسفة نابعة من فكر لا أخلاقي، أو بالأحرى لا ديني، بعيد عن روح الرحمة والتشارك، أدى إليه التحلل من أحكام السماء، وسوّغتها الاستنامة إلى أحكام الإنسان المحادد لله، الباغي في الأرض، المنكِر لقوانين الروح والغيب.

—————————————-

المصدر: سليمان عشراتي: “الانبعاث الحضاري في فكر فتح الله كولن”، دار النيل للطباعة والنشر، ط 2، 2013، ص: 197-199.

ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.