فسحة في بساتين غيث الزمر
كان الموعد ذلك الصباح، سيبدأ بدعوة موجهة لنا للفطور في بيت سيدات نساء الزمر.. كنت سمعت عن معنى “الزُّمَر” من قبل، فلم أسأل الأَبْلاَ عائشة عن التفاصيل.
أحسست وأنا في طريق عبوري لجسر البوسفور، أن من يرتب لي هذا الموعد يلتقط أسئلتي وخواطري مساءا، ليترجم أجوبتها نهارا، وكأنه علم بتساؤلاتي التي حيرتني ليلة البارحة، عن وضع النساء ودورهن في هذا الصرح الخدماتي.. فأنا وجدت أَبْلاَهات كثيرات، مشرفات التربية والتعليم في المدارس والمؤسسات العلمية، لكن لم أجدهن في المواقع المسؤولة.
في المنطقة الأوروبية، وقريبا من منطقة أُسكُدار السياحية، دخلنا مؤسسة ضخمة البناء، فسيحة المدخل، محفوفة بزهريات من النباتات الخضراء، وورود التوليب. دفء المكان جعلني أتخلص بسرعة من عبْء ثقل معطفي الشتوي، وبينما كنت أحاول طيه فوق راحة يدي دخلتْ الدكتورة إكسيل مسرعة وهي تحمله عني وترحّب بنا:
– “هُوش كالدينيز، هُوش كَالْدِينِيز” مرحبا مرحبا.
– “هُوش بولدك”..
من دون مقدمة استقبال في مكتبها، وبلغة إنجليزية راقية دعتنا مباشرة لمائدة الفطور. توجّهنا نحو قاعة الاستقبال، جلسنا حول طاولة ممتدّة على طول القاعة، مجهزة بمعدات تقنيات الاتصال، مفرشها الأبيض المطرز بألوان زهور إسطنبول المتفتحة، يسحر عيون الزائرين.. زينت جنباتها بصحون وأكواب راقية اللون والشكل والمظهر.. في الوسط وضعت تشكيلات من الأجبان المغلفة بنكهات مختلفة؛ جبن بالثوم والفلفل الأحمر، وجبن مزين بالسمسم والحبة السوداء، زيتون أسود بحجم حب العنب، تين تركي ممزوج بحبات لوز مهروس وسمسم أبيض، أطباق مربي، وعسل مختلف طعمه ولونه.
إكسيل سألتني عن اسمي وهي تحاول فهم سبب زيارتي لتركيا. كانت تستمع باهتمام كبير وأنا أفسر لها قيمة التواصل المعرفي والفكري، والاستفادة من دراسة المناهج التعليمية والتجارب الناجحة لمدارس المستقبل ومدارس النجاح والتميز في بعض الدول، ومنها تركيا.. أخبرتها عن تقرير التنمية العربي لعام 2011 إعداد الأجيال الناشئة لمجتمع المعرفة، والذي ساهمت فيه بقراءة حول عن دور التنشئة الدينية والاجتماعية والأسرية والإعلامية في تطور مهارات طالب جيل المعرفة. كانت مستمتعة بالحوار، بل مستوعبة تماما لعمق الأسئلة التي طرحتها عن مستقبل المرأة في العالم الإسلامي ومن ضمنه المرأة التركية.
تحتسي كأس الشاي التركي الأسود وهي تحرك رأسها في إشارة توافق مع ما أطرحه من أسئلة حول دور المرأة التركية في المعرفة والسياسية واللمجتمع المدني.. بهدوء تام وبأسلوب علمي أكاديمي عميق أوضحت لي إكسيل، مدى نضج ووعي الرقي المعرفي الذي بلغته المرأة في مجال الخدمة العلمية والاجتماعية والإنسانية في تركيا.
إكسيل هي بنت فقيرة من قرية نائية، لم تكن لديها الإمكانيات المادية لمتابعة دراستها الطبّية في إسطنبول.. فكان الفضل يرجع لأهل الهمّة من الأصناف الذين رشحوا اسمها في لائحة المنح الموزعة على أبناء بلدهم من الفقراء.
إكسيل:
– أنا يا مريم كنت سأتوقف عن الدراسة لولا تدخّل فرسان الهمّة، وأيّ فرسان يا أستاذتي.. فرسان أصناف حملونا على جياد المعرفة البيضاء، واحتضنونا في بيوت الحدائق التربوية الخضراء، وسهروا على إبلاغنا أعلى الدرجات.. راعونا في المأكل والمشرب والملبس، أكرمونا في الأعياد والمواسم، سجلونا في سجلات الميلاد مع أبنائهم وبناتهم، تبنّونا بنوة الأب والأم بالرعاية والسهر والتوجيه والترشيد، إلى أن رشدنا وتشبعنا بقيم المحبّة والإخلاص والتضحية من أجل إسعاد الآخر. هذا هو سبيلنا في منهج نظام معارف هذه التربية، وهذه هي قيم ومبادئ الخدمة أستاذة مريم..
تتابع إكسيل، وهي تترنّح بنشوة فيض إشعاعية، تطل بنورها على موائد الفكر والمشاعر وتناغم الأرواح:
– اليوم أنا طبيبة جراحة متخصصة.. كيف لي أن أتنكر لمن خدموني واحتضنوني وأنا ابنة الفقراء الذين لا يملكون قوت يومهم، فما بالك بالإنفاق على تعليم ابنتهم في كلّية الطبّ؟ كيف لي أن أدير ظهري لمن أوصلوني لقمم هرم المعرفة؟! علمتني الخدمة -سيدتي مريم- أن أعمال كل إنسان له منها حصيل، وأن ثلاث هي دربي إلى حسن المئال، صحبة وهمة وزمرة، أعمال كل طالب له منها حصيل.. أدعو الله أن يقدرني على رد الجميل، وأن يجملني بنورتسلسل وصل الحبال.. حان دوري اليوم لأتكفل بعشرة طلاب من أبناء الفقراء، أرعاهم وأحتضنهم بالتوجيه والترشيد والكفالة المادية والمعنوية. هذه هي معادلة التسلسل الترابطي لأبناء رعاية الخدمة…
كانت مجموعة من سيدات أنيقات، تدخلن القاعة وتعبرن ممرًّا طويلاً في اتجاه قسم من أقسام المؤسسة… تابعتُهم من بعيد وأنا أواصل حواري، فشكلهم ليس بشكل طالبات، ولكن مع ذلك سألت الدكتورة إكسيل:
– هل تقدمون في هذه المؤسسة دروس دعم للطالبات؟
إكسيل:
– لا أَبْلاَ مريم، هذا مكتب خاص باجتماعات الزمر، واليوم عندنا لقاء مع زمر الهندسة المعمارية.
تذكرني الأَبْلاَ عائشة صاحبة تصميم البرنامج العلمي بإسطنبول:
– “أفيت أفيت”، نعم تتذكّرين مريم أَبْلاَ؟
– أتذكر ماذا يا عائشة؟
عائشة:
– نحن هنا في مؤسسة الزمر للكوادر من النساء التركيات، وقد كنت سمعت عن نموذج للزمر في مدارس الفتح.. وشرحوا لك طرق اشتغالهم في مجال تطوير استراتيجية المناهج…
– نعم صحيح تذكرت، ولكن ما علاقة الزمر بالهندسة وبالدكتورة إكسيل؟! فهي طبيبة جراحة كما فهمت..
إكسيل:
– سيدتي منهجنا الخدماتي يقوم على مبدإ الزمر والصفوة في حسن تطوير الخدمات إن على مستوى المعرفة أو الفكر أو الهندسة أو الطب والعلوم المختلفة.. ففي كل حي، وكل مدينة وقرية، هناك مكان لاجتماع الزمر في لقاء أسبوعي قد يمتد إلى لقاء شهري، يجتمع فيه أطر تخصص معين بالتناوب.
أسأل باستغراب:
– تخصص معيّن وبالتناوب؟! ماذا تقصدين دكتورة إكسيل؟
إكسيل:
– أقصد مجموعات من زمر أي أطر، الجراحة والطب، الهندسة والمقاولات، الاقتصاد والتكنولوجيا، الإعلام والتواصل، الفلاحة والزراعة، الفكر والثقافة، الفن والرياضة، الاختارع والبراعة، التربية والتعليم، المرأة والأسرة. يطرحون آخر ما يواجههم من مشاكل ثم يقدمون قراءات متطورة ومستجدة عن حلول المشكلات. فمثلا أحيلك على مجالي كمتخصصة في جراحة الآورام، نجتمع شهريا كخبيرات جراحة الأورام من كافة مستشفيات وعيادات إسطنبول، نعرض لمشاكلنا التي نواجهها في عياداتنا في قاعات عملياتنا مستشفياتنا. اللقاء يكون التحضير له مسبقا بأبحاث تقدمها لنا خمسة من الطبيبات بالتناوب. وهذا المنهج يكسبنا العديد من مهارات التميز المهني والتفوق العلمي في التخصصات التكنولوجية والمعرفية البحثية الدقيقة.
كنت أتابع عرض الدكتورة إكسيل عن كيفية اشتغال الزمر، وأنا أردد في نفسي:
– يا سلام كم هو جميل حيز اشتغال هذا المبدإ الزمري في إحياء الهمم الساكنة؟! كم هي راقية نساء الخدمة حين يتولين قيادة المركبة العلمية، غير غافلين قيادة المركبة النورانية في بيوتهم وأسرهم ومؤسسات مجتمعهم؟! سبحان مَن سخّر لهؤلاء استلهام معان قرآنية في منهج الارتقاء المعرفي بالصفوة المختارة.. سبحان مَن غرس حبّه وحب كتابه في قلب صفوته، فملأوا أرواحهم وعقولهم بمعانيه ومفرداته، لم يشرحوها شرحا تعبديا، وإنما زاوجوا بين معانيها التعبدية المعاملاتية لبناء مجد حضارة تنطق بوحي السماء…
بكلّ إعجاب وتقدير ودّعنا الدكتور إكسيل ممثلة نساء الخدمة في هذا الصرح العلمي الزمري الهامّ، وكلنا أمل في الاستفادة من تجربة الزمر في مجال تخصصاتنا العلمية والفكرية.
طفل فلسطيني يغرق عيون “كيمسه يُوكْمُو”
“كِيمْسَه يوكْمُو” (هل من مغيث؟!) مؤسّسة للإغاثة العالمية في قلب إسطنبول.. و”رُومي فُورُوم” مؤسسة خدماتية تركية في قلب واشنطن. ومن إسطنبول إلى واشنطن قدر لي زيارة محراب تعبد الأطهار، حيث قلوب فتية نابضة بالإيمان، عزائمهم لا تعرف المستحيل، تحمّلوا أنين بكاء أستاذهم وهو يقول: “القرآن مهجور، فهل أحييناه؟! القرآن محبوس في الصدور، مهجور في حراك الحياة، فهل فعّلناه؟!”.
مسَحُوا دمعه، وعادوا لمراجعة ذواتهم.. فتحوا كتاب الله، أعادوا الوصال معه، بعد هجر طويل ضَمّوه إلى صدورهم وكأنهم يعيشون لحظة نزوله.. حملوا مشعل رسالته، واعتلوا به أطباق فضاءات العالم، حيث تتصارع الأهواء واللذات والمغنم…
عدّتهم همة، ومدرستهم قلم، وقلمهم كتاب… مثقلون بطاقاتهم الإيمانية، بآلام رسالتهم الإنسانية، بالمحبة يتحرقون، بدموع الشوق.. أرواحهم توّاقة للعناق، وأفكارهم مصقلة بطاقات إبداعية.. إنهم زمرة فتية يضربون في كل الأرض، بحثًا عن حسن الفهم وقدرة العمل.
في إسطنبول التقيتُ بفارس من هؤلاء الفتيان.. إنه مدير “كِيمْسَه يُوكْمُو” الإغاثة المتألق في حسن العناية بضيوفه، الأنيق في كل شيء، في لباسه، مكتبه، طريقة كلامه ودقّة ملاحظاته.. كل شيء كان يحكي متحدثا عن سرّ رباني إيماني غريب في أطوار هذا الرجل.. عيونه تحكي قصصا صامتة من الورع والتضرع والبكاء خشية من الله…
لا أدري لم انتابني هذا الإحساس الذي وافقته في الحدس بعدما قدم لنا عرضا حول نوعية الخدمات الإغاثية، ولجان التطوع التي يشرف عليها شباب من أبناء الخدمة من حول العالم.. بدأ الشريط يعرض في أجواء صمت مهيب، يرافقه الإحساس بمشاعر الحزن والآسى على أمّهات أرامل وأطفال جياع جراء الحروب والكوارث الطبيبعة.. مرت ثوان حول قضية السودان وكارثة التسونامي، وفياضانات تركيا، ودارفور ولبنان وغزة.. عند فقرة فلسطين أوقف المدير الشاشة، ليخبرني بلغة إنجليزية راقية:
– سيدتي مريم، هذا الطفل يتحدث بالعربية وكأنه يستغيث.. أنا لا أعرف اللغة العربية، ولكن كلما شاهدت المقطع كلما تأثرتُ بأنين نبرات هذا الطفل، لدرجة أكاد لا أسيطر فيها على نفسي.
في الصورة طفل فلسطيني لا يزيد عمره على سبع سنوات، يبكي وينعى موكب جنازة العروبة.. يستنجد بالأحرار، ودموعه الملائكية تتماوج مع شعور عزة نبرة صوته المقهور… وبكلمات شبّهتها بقصيدة “أنا طفل فلسطيني” للشاعر الصقلاوي كان يردد:
أنا طفل فلسطيني،
تقرأني البرامج والإذاعات،
وتنشرني الجرائد والمجلاّت،
وتقرضني الفجائع والملمّات،
وتحصدني القنابل والرصاصات،
وتعلكني المحافل والبيانات،
وتكتبني وتمسحني القرارات،
وتعرضني وتلغيني الدعايات،
وتسقطني من الجمع الحسابات،
وتعرفني السماوات…
أنا طفل فلسطيني،
أنا اليتم الذي استفحلْ،
أنا الجوع الذي يشعلْ،
أنا مستنقع الأمراض حتى العظم منتشرا وفي المفصل…
أنا المسلوخ عن وطني،
وعن بدني،
تلبَّسني رداء العري واستشرى،
ولم يغفل…
أنا المعلول والمعتل،
أنا الصرخات في الحدقات تستأصل،
أنا النور الذي يسمل،
أنا الحلم الذي يسحل،
ولن يقتل،
وأصلب عند مئذنة بصدر القدس والكرمل،
وعند كنيسة للسلم صلى،
قلبها المقروح أحزانا ولم تدمل…
يمر العام مشحونا بآلامي،
ويأتي آخر مثقل،
فمن يدري، ومن يسأل؟!
الطفل يبكي، ويستغيث ومدير المؤسسة أمامي، تكاد أنفاسه تنقطع من شدة رجفة مشاعره، ولطمات أمواج ضميره، يبكي ويداه ترتجفان من وقع نبرات صوت هذا الطفل… كنت أبكي في خشوع صمت مهيب خيم على وجوه كل الحاضرين لغة الدموع تجوب الوجوه النيرة، ونظراتهم التي ضببتها الدموع تخبر عن صدى تموج الأرواح السامية التي حبست أصواتهم في صدورهم…
كانت عيون المدير، تحكي بلغة عيون زياد لتخبرنا عن أحوال من لا نعرف بما يفكرون، ولا ندرك بما يهمسون لأنفسهم، ولا بما يخطر على أحوالهم؟! هؤلاء هم مَن يوصلون نبض قلوبهم إلى قلوب أهل القلوب…
فسبحان من وحّد لغة المشاعر النبيلة الطاهرة، وسبحان من سخّر لنا نعمة الوصال الروحي مع من نناصرهم!.. وما نحن برحمة الله من القاطنين…
رومي واشنطن.. ومطعم دراويش نيويورك
كان زياد يحيي بودّ بالغ مدير مركز “كيمْسه يوكْمو” الإغاثي، بينما عدتُ بذاكرتي إلى السيد عمر مدير مؤسسة رومي بواشنطن.. فالشبه بينهما كبير؛ رومي مؤسّسة خيرية تركية تخدم ببرامجها في أمريكا روح المحبّة الإنسانية، بعيدا عن التحيز للدين والمذهب.. رومي توزع الأكل في الحدائق والمنتزهات على المشردين، فلا تسألهم عن دينهم، أو عن هويتهم، أو عن أعراقهم وجنسياتهم، توفر لهم السكن أيام البرد القارس، فتفتح باب سفارة الإسلام واسعا، ليدخله المغتربون…
توقعتُ أن رُومِي واشنطن، مثل مطعم الدراويش بنيويورك حيث حملني القدر في ماي الماضي من عام 2012 إلى زيارة علمية لمكتبة نيويورك.. كنا أربعة زملاء من المغرب حضرنا لقاءات علمية عديدة في جامعات ومؤسسات بحث، وانتهى بنا المطاف في اليوم الثالث للقاء مع القسم العربي في مكتبة نيويورك وزيارة المتحف الإسلامي المبهر لزواره بمتحف نيويورك.. في المساء خرجنا من جولة المتحف والمكتبة، بإحساس جوع لا تتحمل مكابدته الأقدام بحثنا طويلا في شارع رقم 5 الشهير في نيويورك عن مطاعم حلال. جبنا محلات ومحلات، بحثا عن قطعة لحم بنكهة طعم الحلال، وقفنا عند آخر شارع الخمسة من جهة المسرح الشهير في منْهاتن، أخيرا عثرنا على مطعم الحلال، إنه مطعم تركي اسمه “مطعم الدراويش”..
يا سلام.. فأنا أعشق المشاوي التركية، وقفت عند أعتاب بابه، وقلت لزملائي:
– كفانا مشيًا، فهذا هو عين المراد.. مطعم حلال وتركي، وأهله دراوييش من أهل الله..
دخلنا المطعم. الجوع أنهك قوانا، وهد صلابة أجسامنا. كنا ستة، أربعة من المغرب، واثنان من مصر. المصابيح باهتة الضوء كأنها شموع. سألت زميلتي الأستاذة سهام:
– لم المكان مظلم، والضوء خافت لهذا الحد؟ أوَ هذا طقس من طقوس مريدي الدراويش؟
قالت لي وهي تبتسم:
– يا مريم، هنا نيويورك.. دعيك من دروشة أهل زاويتك المغربية، فالكهرباء له ثمن، بل حتى السلام يدفع عنه بالدولار!.
أجبتها أن أهل الله من الدراويش لا يغترون بمال ولا جاه.. ما لك تحكمين عليهم بحكم أهل التقشف من عباد الدولار؟!
وأخيرا حضر النادل ومعه كتاب يحمل لائحة الفرج.. من دون طول تصفح في الأوراد، طلبت مشاوي لحم مشكل.. ومن الزملاء المصريين من اختصر، شوربة وسلاطة وآيرن لبن..
تطلعت في ملامح وجه النادل التركي، لعلي أتوسم فيه نشوة الوصال، فالأرواح جنود مجنّدة، وأهل الحال أرواحهم يشرق عليها جمال.. لكن سبحان الله، وجه هذا الفتى لم تنطبق عليه أوصاف أهل الحال. تأملت في لوحات الطرق المولوية التي ملأت صالة المطعم، أخذت بعض الصور تذكارا، لكنني ما زلتُ مصرّة على الجلوس.. لم تعد قواي تسمح بالوقوف ومع ذلك مصرة أنا على الاستمتاع بأخذ الصور مع اللوحات الفنية لدراويش نيويورك..
الأستاذ سمير يمرق بسهم نظراته مدخل الباب، سهام تخطف لي الصور، بعيون المترصد نحو الباب.. الجوع نطق، فسكت اللسان.. الطاولة ما زالت فارغة، وبريق العيون يتلألأ كبريق عيون القطط في الظلام… وأخيرا وصل النادل بطبق فيه خبز تركي.. يكفي لاثنين ونحن ستة أشخاص.. نطقت الأستاذة سهام، فانطلق سهم إشارتها نحو كاهن مذبح القربان.. بعد دقائق معدودة من الانتظار، بعيون متصلة نحو مدخل الباب، وصلنا طبق ثان من الخبز، طبق فيه كسرتان، يكفي فقط لاثنين، ونحن ما زلنا ستة أنفار.. كل منا طلب وجبة بفاتورة لا تقل عن 40 دولار، والأصول تقول طبق خبز لكل نفر.. مع من نتكلم؟
فالنادل قدم الطبق وطار كالسهام، هنا نيويوك والوقت له حساب.اقتسمنا كسر الخبز كالمتسوّلين الجياع، نلتمس طلة من صاحبنا، ندعوه فيها للمزيد، فنحن ستة والخبز لا يكفي إلا لاثنين.. نادل آخر مبعوث بطلبية لزبناء، تأثر من هذا المنظر، ولكن هنا نيويورك لا حق له في الاقتراب من مائدة زميله، ومع ذلك عز عليه منظرنا ونحن نتقاسم كسرة خبز بلا إدام، أسرع نحو المطبخ وجاءنا بطبق ثالث، رمقه من بعيد النادل الرسمي لطاولتنا، فأوقفه ورده بطبقه عن المكان…
انتفضت روحي وقامت قيامتي من هول ما رأيت في مطعم الدراويش الأتراك. لم أتدخّل ولم أعقب على هول ما رأيت.. فالمشهد أكبر من أن يعبر.. درويش صوفي من الأتراك يمنع كسرة خبز عن إخوته من أهل الإسلام.. إلهي ما هذه أخلاق الدراويش، وما ينبغي لها أن تكون؟!. ما هذه أخلاق أحبّتي في تركيا، ممن يضعون جنب كل محل، سلة من الخبز، ويكتبون فوقها “من ليس معه فاتورة لشراء الخبز، فليأخذ من هذه السلة!”. وشتّان بين فاتورة أهل الأحبة والفاتورة في مطعم الدراويش. فاتورة الدراويش تفوق 260 دولارا، ومع ذلك منعت عنا في غفلة من عيون زملائي طبقًا من كسرة خبز!.
هنا نيويورك، هنا مطعم الدراويش.. ماء دروشتهم علقما، وأكل مديحهم حنظلا، وأجسام شطحاتهم كأنها خشب مسندة، وأرواحهم بلا رائحة… ساعتها تيقّنت أن الفرق شاسع بين من تربّوا على مبادئ الحب والتراحم بـ”رومي” وهم في واشنطن، وبين مبادئ جوع الدولار التي اكتسحت قلوب العارفين في مطعم الدراويش بنيويورك!..
زمان الفعل والعطاء
زياد وهو يتحدث بالتركية مع السائق يخبرني:
– أستاذتي، سنتوجه الآن إلى مقر جريدة “زمان”.
فشعرتُ بأن الزمان سيعيد نفسه لزمان الوصل بالأندلس.. كان المبنى الزجاجي ضخما وممتدًّا بأجنحته نحو اليسار، بسلسلة من المكاتب الراقية تدار فيها جلسات عصف ذهني، تؤطر الإعلاميّين المبرزين في عالم سباق منافسات الصحافة…
في مدخل الجريدة طابعة قديمة تؤرخ لتراث تاريخ النشر الصحفي بتركيا… كنّا نتوجه يمينا عبر صالات ضخمة تتخللها مكاتب مكتظّة بصحفيين شباب وشابات، يئزون كخلايا النحل المصحوبة بملكتها.
يستقبلنا الإعلامي “كريم”، وهو يرحّب بنا بلغة عربية فصيحة.. أوقف الحديث بها عند بدء تفصيله لمحطات تاريخ تطورات جريدة زمان، وبلغة إنجليزية فصيحة كان يتابع مسيرة تفاعل هذا الصرح الإعلامي مع قضايا المجتمع، مركّزا على أن منهج الصحافة الخدمي يقوم على أساس إبراز إيجابيات المجتمع، وتفادي الصراعات والانفعالات مع المخالفين أيًّا كان توجههم السياسي، أو لونهم الحزبي، أو مشربهم المذهبي.
الأساس كما أوضح لنا “كريم”، هو إبراز وحدة توازن مصالح المجتمع، والاتفاق على المشترك، دون التمركز حول الخلافات والصراعات…
– أستاذة مريم -يضيف “كريم”- هذا المنهج هو الذي تميزت به جريدتنا التي كانت منذ زمن قصير محظورة من قبل فئات المجتمع المدني، لتتحول في وقت وجيز إلى أكبر صحيفة في تركيا. واليوم دخلت كل بيت، وأكسبت الجمهور الثقة في نفسه قبل الثقة في مادتها الإعلامية. نعم يا سيدتي، أصبحت الجريدة مفخرة كل مواطن مثقف، بل أصبحت رمزا يناطح شموخ النخبة المثقفة.
كنت أسأله وهو يطلعنا على فضاءات المؤسسة الفسيحة والممتدة، فضاءات مجهزة بأحدث وسائل النشر، بل مكاتب تضم سلسلة قنوات مرئية تركية، تذكرت منها الآن “سمانْيُولُو”، أحاول التركيز على باقي الأسماء، لكن المرحلة التي أكتب فيها وأنا أقلب قنوات الإعلام المرئي، هي مرحلة جد حرجة، يعيشها كل مواطن عربي، جراء تتبع الأحداث الدامية لمظاهرات مصرفي ثورة الحرية 25 يناير 2011، والتي تخلد تاريخ تحول عميق في فضاء الحراك السياسي العربي، أو ما سمّي بأحداث الربيع العربي.. تهز الكيان، وتفجر المشاعر الملتهبة بمستقبل كرامة الإنسان العربي المقهور.
أسجّل خواطري وأوصالُ أنفاسي تكاد تنقلع من شدة وقع حدث التحام ثورة الشعب المصري، ثورة بلا لون ولا حزب ولا طائفة.. ثورة الغضب.. ثورة انتفاضة وتفجر مقاييس بوصلة الكرامة العربية… الآن فقط بدأت أستوعب جيّدا معنى المعاني في فهم سر المنهج الخدماتي.. المنهج هو عبارة عن سلسلة متشابكة الأطوار، ممتدة الأفق، متلاحقة الأبعاد، مترابطة الأركان.. أصلها ثابت في الأرض، وفروعها ممتدّة بترابط أغصان الأصل نحو عنان السماء. إذا مرض جدع أو غصن، تم إحاطته بفروع أغصان أخرى، وجذبه في لفائف سميد ورق البردي، لصيانته حتى يشتدّ عوده، ويصلب في رحلته السامية نحو الأفق.
كان فضاء مطعم جريدة زمان فسيحا ومتميزا بحضور “آدم أبي” أشهر طباخي إسطنبول على الإطلاق.. إنه -كما أخبرني زياد- محبوب كل الرجال، يعزونه ويثنون عليه كثيرا، بينما يغرْن منه النساء لشدة إطراء الرجال على طيب نكهة أطباقه. وفعلا، فها هي شهادتي تضاف بعدما ذقتُ من لطائف نكهات مائدته، إلى قائمة شهادات الرجال، وسجّلت بلساني شهادة إعجاب بسحر مذاق نكهات أطباقه. فتحيّاتي القلْبية لك يا “آدم أبي”.. يا من امتزج سحر طعم أطباقك التركية الزكية برائحة شم نسيم بركات.. من ذاقها قبلي.. فتح الله عليه وعليك وعلى كل من ذاق لذّة الوصال الروحية…
خرجنا من جريدة زمان، وأنا أتحسّر على زمان الإعلام العربي.. زمان الصحف التي حولت إلى منشفة لمسح زجاج النوافذ والسيارات.. صحف مليئة بحوادث القتل والاغتصاب والرشاوى والنهب والسرقات.. صحف الفضائح وتتبع العورات.. صحف القيل والقال وتهميش معنى المقال… أين أنت يا “زمان” الفعل الإيجابي؟! أينك يا “زمان” تفعيل الإرادة وتقويتها في نفوس أبناء أمّتي؟! أين نجدك في عالم غاب فيه بعض الإعلاميين عن وهب قلوبهم لفكرتهم ومبدئهم؟! أين “زمان” السلطة الرابعة من تجاوز الذات والتخلص من دسائس الانحياز وأضواء الشهرة على حساب المتلقين؟!.
رؤية من وحي زماني الغابر
من زمان نحو زمان معنى الزمان… تُرى أي زمان هو؟ إنه زمان رحلة عشاء على شرف أبناء الأجاويد؛ جمال، وأنس، وزياد آل بيت أم سداد. إنها مائدة عشاء تحكي قصة العشاء الأخير مع الحواريين.. إنه وحي من زماني الغابر في حلم الرؤى، وزماني الحاضر في خمس المكان.. إنه زماني المقبل بعد السفر إلى ماوراء الأزمان.. ومابين زمان وزمان، تدق نواقيس مراسيم أعياد فصول الزمان…
كنت أشعر بوهن في جسمي، حسبته جراء برنامج يومي المليء بنسائم سحر الزمان.. أتراه كذلك؟ “لا يا مريم” تجيبني خواطري بلهجة ألطاف سر خفية..
ففي أمكنة ذات خصائص ربانية، تنفجر لغة الضياء بلهجة خاصة تخالط القلوب والأرواح… أحسست -وأنا أدخل المكان- أن روحي تطير بأجنحة الوصال.. لماذا هذا الإحساس يا مريم؟. هو مكان عادي وفضاء جميل يطلّ بشرفته على منظر بديع. لا أدري ما الذي استولى على كياني فجأة، وأيقظ في وجداني رغبة وصال لا تقاوم؟!
أنا هنا في هذا المكان الفسيح الأنيق، المحفوف بالنباتات الخضراء وفي غفوة نفسي امتدّ بصري إلى ركن من أركان قلب المكان.. فار له كياني قبل استحضار ذاكرة أفكاري، وانفجر له ستار الشوق.. نعم هو ذاته المكان، هو نفسه المقام.. أهو مقام فتح الله لوليمة فكر مشاعر الإنسان؟!
– قل لي يا زياد، هنا أطللت من نافذة بيتي على عصارة عطر هذا المكان.. أهو مكان يطل منه صاحب المقام؟! أهو عرش تربع نفوس الذاكرين العطشى لجو النور القرآني؟! قل لي يا زياد، بالله عليك أخبرني، فأنا لا أملك الصبر على تقلب عالم أحوالي؟
هنا -يا سيدي- سقيت الوديان التي أوشكت أن تجف.. هنا انهمرت دموع الأنهار لتسقي جداول بساتين وحقول وزهور.. هنا رأيت في رؤياي كيف ينفجر ستار العشق بنفحات الروح والريحان.. هنا سمعت أنين صوت فارس العشق والوجد، وهو يبعث الفرحة في الوجود…
نعم هنا -يا زياد- سمعت من يسمع بالقرآن كل عالم الوجود، من يتنفس بالقرآن فيرتعش ويكاد يغيب عن المكان والزمان… قل لي رجاء، فقد فاض بي المقام والمكان والزمان…
ما أبدعك من مهندس في ترتيب لون المكان، وجمع الزمان بالزمان، لتتوحد في صمت لغة الأرواح السامية المتجاوزة للزمان…
في ابتسامة وديعة، يقول لي:
– نعم يا مريم، هذا هو المكان…
مريم:
– أحقًّا هو هو المكان؟!
زياد:
-نعم يا سيدتي، هو بذاته…
مريم:
– زياد، أيمكنني أن أستسمحك في التبرك بمكان رؤياي التي رأيتها ليلة سفري لإسطنبول؟!
زياد:
– صعب جدا يا سيدتي، فهنا نحترم أصول معاني هذا المقام…
كدت أفقد أملي في نيل حظوة تفسير رؤياي، لأنظر إلى زياد وهو يشاور لي بإذن الجلوس في محراب مجدد الزمان:
– أأجلس حقا يا زياد؟!
نعم سيدتي، فقد وصلتني إشارة سرى صداها ضمن أطياف ألطاف مدد المقام. كنت أجلس وأنا أردد: “نعم يا حفيدة صانعي الزمان بحراس المكان”.
هنا التقيت في عالم الرؤيا أناسًا لا أعرفهم، يحدثهم بحرقة أنين البكاء صاحب المكان.. سبحانك يا الله، ما أرحمك بعبادك.. سبحانك يا بديع السموات والأرض.. سبحانك ربي، أحمدك وأستغفرك وأتوب إليك.. يا عالما بما وراء الأستار.. يا من يظهر كل شيء، متخفي وراء ستر الأستار.. إلهي إليك أتضرع، وأنا في هيبة جاذبية سحر المكان.. أدعوك وأتوسل إليك، أن تفسر رؤيتي التي طالما خبأتها ولم أقصصْها على إخوتي.. فأنا اليوم أعيش الماضي والمستقبل.. أعيش الحاضر بعين رؤية الماضي.. هذا المكان تقاسمت فيه حظوظ المنام.. وفيه وقفت في مرآب مرسى بحر العبور.. هنا -يا إلهي- وقف علي رجل النور بقميصه الرمادي ملتحفا ببردته البيضاء.. هنا وفي غابر مر الزمان الممتد إلى طفولتي، سلمني برقة نسيج الحرير، بردته المنسوجة وعصاه الممدودة.. هنا وثق روابطي بجذور معاني الكلمات، وهو يضع البردة على كتفي ويسلمني العصا وبصوت حيي عذب حان يردد:
– أنا -يا مريم- الخطيب، أنا الخطيب في زمن ندر فيه الخطباء..
وبمقاييس القلب المملوءة بالقرآن، ولطافة مزينة بنضج الكمال كان ينظر إليّ -وعمري آنذاك لا يتجاوز 15 سنة- ليعيد بعث الطمأنينة في روحي، بعدما أحس أن أوصال روحي ستنفك من فورة رجة الإقلاع نحو السياحة السماوية..
أتضرع إليك -يا خالقي- أن ترشدني لتفسير هذه الرؤيا.. أن توجه مشاعري لحجب ستار ما وراء الحقائق..
الخطيب الذي ألبسني بردته في منامي، لم يكن هو الخطيب الذي بحثت عنه في مساجد تطوان، فتركت تفسير رؤيتي إلى شاطئ آخر من رحلة حياتي، وإلى رحمة الله التي تسبق أحلامنا ورؤانا…
أدعوك -يا عالم الغيب- وأنا أنحني أمام عظمتك إجلالا وتوقيرا، أن تلهمني في هذه الفترة القصيرة من هذا الدعاء، سر شلالات رحمتك الإلهية وهي تقدر ومن تاريخ ميلادي في آجال الأقدار بيوم خامس في شهر خامس، ليمتد إلى الزمن الآتي.. فيصلني بمراتب سمو الخامس.. ومن الخامس أشم رائحة قميص يوسف، تمر تحت إكليل سماء ركن زاوية نقطة اللقاء…
يا ربي أدعوك وأتوسل إليك.. فقد أطللت يوما من نافذة العجائب والغرائب، وتصفحت حكايات الأبطال… وكنتَ هناك -يا سيدي- في ركن تلك الزاوية، كنت تدير بعلم رأسك العالم النوراني. أما أنا فكنت ألوح لك بروحي كيتيمة محرومة، تبحث في وحشة الأيام المظلمة عن ولي نعمتها.. وأخيرا رأيت الخطيب، رأيت الرجل الذي زارني يوما في غابر الزمان، فانزاحت من على قلبي الأستار، وزال سحر وحشة الظلام. فانقلب حلمي إلى رمز ضياء بهجة العيد، وعلمت أنني سأصل يوما إلى ساحل مرفأ قبطان السفينة المفقود…
يا رب، عاجزة أنا عن متابعة سير هذه الرحلة السماوية على أرض هذا المقام.. عاجزة أنا عن تلقي هذه الذبذبات الكهربائية التي تلامس روحي وكياني وعقلي وأنا متربعة على حرف هذا الركن. ارحمني يا سيدي ويا خالقي ويا مولاي ويا ولي نعمتي، من ضغط وصال الروح بمن تحمل أعباء السياحة في بحار نور القرآن والفكر والخطابة، والهجرة في أقطار الدنيا من دون أن يكل أو يمل…
إلهي، أنا هنا اليوم أمد يد الضراعة نحو السماء وأتوسل إليك أن تحوّل عقلي وروحي وأنفاسي -بمدد قوة هذا المكان- إلى تجاوز أبعاد الزمان، والإبحار في عمق نبض الحياة.. اجعله -يا خالقي- ميناء انطلاق إلى عصر النور، إلى نقطة انطلاق نحو أعالي المعنى، إلى البساتين المحفوفة بنبات المعرفة، إلى نقطة التقاء القلوب المتوهجة بجمرة العشق الإلهي…
كان صدق الدعاء نابعا من انبعاث حالة وجدانية لمن ذاقت طعم وصال حياء وزهد من أحيا بفكره وروحه جدران هذا المكان…
عشاء بنسيم لطائف سحر الزمان
أم سداد تخترق بصوتها الحاني وهج مشاعري لتخبرني بأن العَشاء جاهز… اجتمعنا على مائدة ممتدة لا هي منقوشة الخشب ولا هي مذهّبة اللون.. مائدة تنطق بسر كبير، توحي بشكلها أنها فخمة ليس على الطراز الفرنسي، وإنما على الطراز التركي.. تحكي بامتدادها، امتداد أواني وصحون وكؤوس شراب أهل الصفا.. مفارشها زيّنت بألوان موسم ربيعي.. تحكي لي في صمت، وأنا أداعب ثوبها، عن نكهات تنوع الأطباق الفكرية والوجدانية والاقتصادية، التي كانت تدور في فضاءات مفرشها التركي الأنيق.
ضيوفها أناس عقدوا العزم على ركوب القطار السريع، في زمن القطار البخاري، ليتجاوزا باختراعهم المبدع الزمان والمكان، ويصلوا في أقرب وقت إلى كل زاوية من زوايا الوطن.. يسيحون وهم يحملون في أيديهم مصل لقاح الممانعة ضد وباء فيروس قاتل يهدد هويتهم وانتماءهم، فطافوا من فوق هذه المائدة بعقولهم وأرواحهم أرجاء أقاليم السلطنة العثمانية، قبل أن ينزلوا بأجسادهم وعدتهم وبيوتهم وعلمائهم ومفكريهم… كنت أسمع بخشوع لحكايات هذه المائدة المباركة وهي تخبرني عن ذكريات ملاحم تاريخية بطولية عايشتها مع فرسان المبادرة والتولي والهمم.
أم سداد:
– ما ألذ هذه الشوربة!.
تقطع أم سداد رفيقة رحلتي النورانية، على المائدة سرد ذكرياتها، فتتوقف لتستمع في ود إلى حديث ضيفتها.
مريم:
– نعم ما أطيبها يا أم سداد!. فأنتم الأتراك تشتهرون بالتفنن في أصناف الشوربات.
وبينما كانت أم سداد تنعم بلذة طعم الشوربة وتطعم صغيرها جمال، كنت أحاول الرجوع إلى سماع حكي المائدة عن سلسلة أصناف أطباقها وزوارها في حضرة صاحب المقام فاتح سر الموائد الربانية… فيبادرني زياد قائلا:
– مرحبا بك وبضيفتك في هذا المجلس المبارك… دعيني أعرّفك بالدكتور جمال، ابن الأجاويد الكرام؛ وبالدكتور أنس، ابن فكر المعرفة والعرفان.
كان جمال وأنس يحكيان بلغة عين ناطقة بحمد الله، عن سر حياء لغة العيون.. عن قلق بال من تتجافى عيونهم عن المضاجع داعين ربهم ساجدين له.. عن من افترشوا فراش التجرد والبساطة والتواضع… عيون جمال مليئة بالنور والبساطة، وعيون أنس مستغرقة في التفكير تحكي بلسان الحال ما هو أبلغ من لسان المقال… وثلاثتهم متكاملون بشخصيتهم، مترفعون عن حياة البذخ.. نصبوا عقولهم وأرواحهم في مراتب جندية خيام قلوب المئات الألوف من البشر. ومع ذلك يجدون الوقت للترحاب بنا اليوم فوق مائدة تزاحم عليها الزوار من هنا وهناك طمعًا في شم رائحة نسائم اللطف الثملة بمحبة فتح الله…
كنت أحاول اختراق جدار محراب تعبد من لم يتعودوا على حضور الناسكات في مراكز تعبدهم.. وفي قرارات نفسي أتضرع لخالقي أن يزيل عقبة عقدة الذكر والأنثى من فضاءات سر رحاب الجلسات النورانية.
“يا سلام، يا زهرة!.”، أقولها لضيفتي وهي تبادلني نفس الشعور. “ما أجمل التحام الأرواح في حب الله من دون استحضار شيطنة عقبة الذكر والأنثى”.. وما أدراك ما عقبة الأنثى في عالم الرجال؟! ما أروع أن تنسجم العقول وتتفانى الأرواح في حمل سر أمانة الأمانات.. أمانة رب العباد، بعيدا عن هاجس الفتنة!..
زهرة:
– صحيح أنا أحس بك يا مريم..
تجيبني في صمت مهيب، وهي تشاركني همّ حرقة ورم عقدة الفتنة الذي سيطر على خلايا عصبية لبني الذكور في عالمنا العربي قد يصعب استئصاله!..
– ترى يا مريم أنستطيع ببركة سر هذا المقام أن نقفز على هذا الحاجز، ونتحرّر بفكرنا وبُعد أفقنا من هذا القيد المكبل لتوافق أرواحنا ورؤانا؟!
أرد عليها:
– صعب يا زهرة.. يا من تحلمين ببعد مسافة الرؤيا، إلا إذا رحمنا ربنا وجعل قدرنا يتوافق مع إشارات أصحاب ألطاف معينة.
“زهرة” تهمس مرة أخرى في نفسي وهي تتذوق طعم سمك البوسفور الطيب:
– أيمكن أن ينسلخوا عن غلاف عقلهم الجمعي الصلب، وترك عقدة فتنة الأحاسيس اتجاه دخول المرأة إلى معابد النساك والزهاد؟!
أجيبها:
– أظن ذلك يا “زهرة”، فلغة عيونهم تختلف عما عهدناه في أصحاب العقول الصلبة.. إنّ روحي تحدثني أن من نجلس معهم اليوم -يا عزيزتي- قد انسلخوا تماما عن غلافهم المتكلس، كما تنسلخ الفراشات عن أجنحتها لتجدد استمرارية حياتها في العوالم السماوية، وارتقوا إلى عالم الروحانيات من كثرة آداب جلسات التأمل والخلوة مع الله.. عيونهم عزيزتي متفتحة بنور انفعال مَن يبحث عن طرق التقرب إلى الله، وليس التقرب إلى الأجساد الفانية…
كان الطباخ راقيا في آداب تحيته، راقيا في محياه، راقيا في خدمته التي كانت تحكي لي عن سر كرامات شهدها بنفسه وأخبرني للحظة وهو يناولني صحن السمك البوسفوري الشهي، وبصمت لغة أهل العرفان، قائلا:
– الحديث طويل يا مريم أمازيغ وعرب الأندلس، ولكن أتركيه لمرة أخرى. فأنت في حضرة مَن رافقوا صاحب المقام بالزمان والمكان، واليوم هو دورهم في الكلام، لذلك أترك لهم حديقة استنبات الأزهار الأندلسية. فهؤلاء -يا سيدتي الكريمة- وحتى أريح تماوج أسئلتك المحيرة، هم من قال لهم الأستاذ “كونوا أرضًا لتنبت فيكم الورود، فإنّ الورود منبتها التراب”…
أخبري بهمساتك الروحانية -يا سيدتي مريم- ضيفتك، بأن تلامذة الأستاذ ألجموا أنفسهم عن الرغبات الجسدية، وانجذبوا بأرواحهم المشتاقة نحو سماء سمو معالي الكمالات الإنسانية. دفعتهم خلوتهم للبناء الروحي، فأفرغوا قوالب العزلة عن الافتتان بملذات الدنيا الفانية، وأعرضوا بتعبّدهم عن أمزجة الانكسارات الروحانية…
مريم:
– شكرا يا سيدي ويا سيد القوم بخدمتهم.. فقد اختصرت عليّ وعلى رفيقة رحلتي مسافة السؤال بجوابك الشافي، والذي نزل -يا سيدي الكريم- بردًا وسلامًا على محيط قلبنا، ونفحات روحنا. شكرًا يا سيدي شكرا.
كان يأخذ مني طبق السمك ليناولني بابتسامة لطيفة طبق الحلوى، وهو يوثق مع نفسي صلة تواصل أحسست أنها تمتد إلى زمن ما بعد الرؤيا.
أم سداد:
– دعينا نتناول الشاي في صالة الضيافة.
وقبل أن يتم العرض كنت أقف وأنا أردد:
– طبعا طبعا، نجلس هناك يا أميرة السداد.. وكيف لا أعشق الجلوس في محراب تعبد الأولياء والصالحين؟!
زياد:
– إذن أستاذتي مريم، فليكن كذلك، تفضّلي.
كنت أسرع في خطاي لأنتعش بأسرار مكان رؤيتي التي جعلها ربي في نهاية عام 2010 حقا…
نفحات من حدائق هبات إلهية
كان زياد يرحب بي ويقدمني للجلوس في ركن الصالة، وكأنه يعلم سري في ما لم أقصصه له من رؤياي، ويختار لي المكان المقابل لجلسة فارس المقام.. فعلمت أن هذا الرجل من أصحاب الحال، ومن الذين يفهمون ما يحيط بقلب الإنسان.. والحال هبة إلهية ونفحات أنس في ربوع القلوب، يستنشق نفحاتها مَن أزيح عنهم ستار الحجاب، وانكشف لهم كنز أسرار القلوب والنفوس.
أنس:
– اسمحي لي أستاذة مريم أن أحدثك قليلا عن فكر الأستاذ.
– نعم، تفضل أستاذي بكل سرور نريد أن نسمع.
كنت قرأتُ كتاب الدكتور أنس أركنة عن فكر فتح الله كولن، ولكن كان المكان يوحي باجتماع أسرار الفكر ببركة سر المكان، لأسمع من جديد ما لم أسمعه، ولأقرأ في عيون من يحيطون بي اليوم كلاما لم أكن لأستوعبه من خلال تقليب صفحات الكتب.
الأستاذ أنس:
– تعلمون جيدًا أن تركيا شهدت من بداية القرن التاسع عشر تحولات عميقة؛ استتباع مطلق للغرب، استغلال اليسار لخيرات البلاد، استبعاد الدين معاداة الإسلام جهرا… بعد السبعينات حصل نوع من التقارب، أو لنسمّه تعاطفا بين اليساريين الأحرار وبين رؤى وطرح الفكر الإسلامي، مما أدّى إلى انقلاب الثمانين الذي أضرّ بوجه عام بكلا الطرفين. بداية سنة 2000 بدأت تحركات سياسية تنحو نحو التغيير، علمًا بأن التحول لم يكن تحولا سياسيًّا، وإنما تحولا اجتماعيا بالأساس. وكما تعلمين أستاذتي، فكل تحول يدير عجلة بوصلته محرك، هذا المحرك الموجه لبوصلة تغيير الحراك الاجتماعي والسياسي في تركيا يرجع لشخصية الكاتب “إسماعيل قرا” والذي ألّف كتاب “تركيا التي يحلم بها الشيخ أفندي”. فكان لهذا الكتاب سحر عهد النهضة التركي، وأثر بعمق على وجدان الفكر النهضوي الداخلي. والكتاب هو عبارة عن فرضية رؤيا رآها الشيخ في منامه تحكي أن الرسول جاءه في المنام وقال له: “تركيا تركناها لأتاتورك”.. فالرؤية فرضية، لكن كان لها دلالات عميقة وقوية، نزلت بتفسيرات متغايرة على أمزجة متنوعة. فتركيا كما تعلمين كانت صوفية بامتياز إلى حدود العشرينيات من القرن، حيث تأسست الجمهورية، فمَنعت الطرُقَ الصوفية من الحراك الاجتماعي، وحوّلتها إلى جماعات، فظهرت أدبيات لهذه الحركة حملت شعار عدم الصدام مع السلطة.. منها رسائل النور لسعيد النورسي، هدفها روحي تربوي بعيدا عن الصراعات السياسية. وقد أنجبت هذه الرسائل -يا سيدتي- كيان المفكر المجدد محمد فتح الله كولن. تأثر بها ودرسها في المعاهد القرآنية التي كان يدرّس فيها.. والحال أن قيمة التلميذ نابعة من غنى ذاته، فتغير الأحوال والأطوار لا يزيد في هذا الغنى ولا ينقص منه.
فأثر شخصية الأستاذ النورسي لم تغير من شخصيته، بل بالعكس طوّرتها لتنتج التكامل بذاته، وهذه سنة الله في تاريخ المجددين الذين نصبوا أنفسهم عبر التاريخ في خيام المعرفة، وطوروا خطابهم ليصل إلى قلوب مئات الملايين من البشر؛ عقولهم لا مسكن لها في بيت المشايخ، وقوة طموحهم لا مأوى لها في زوايا تضيق بحدود جدران الانتماء للطرق والجماعات… نشوتهم إنماء الفكر الإنساني.. زادهم النضال الفكري والروحي.. سلاحهم القلم.. عدوهم التكرار والاجترار.. مدادهم سيل التضحيات وهجرة الأوطان في سبيل دعوة العقول الفاعلة وحماية مضاربات الزمر الاحتكارية…
يضيف أنس قائلا:
– المعادلة لم تكن مكتملة عند التلميذ الذي أحسّ بأن الرسائل النورسية تحتاج إلى فقه موازنات لدمج جوهر تزكيتها الروحية بنسمات عطر المعرفة العلمية.. فالأستاذ بدأ يدرّس علوم الفيزياء والكيمياء مع القرآن الكريم، ومن هنا بدأت حسابات العد العكسي في منهج بناء الفكر التربوي العلمي لدى المفكر فتح الله. فتح الله الذي انتصر بفضل الله على محكمة التاريخ التي فصلت علوم الدين عن الدنيا، ورسخت منهج القطيعة التامة بين العلم والدين زمن التردي والتراجع الحضاري، زمن التعصب الفقهي والمذهبي، زمن استقال فيه العقل المسلم عن الإنتاج وسلم خلايا دماغه للشروحات والمختصرات، فعطل بذلك دورة الإنتاج العلمي والمعرفي لحضارتنا.. كانت البداية مع تأجير بيوت لإقامة الطلبة الذين يدرسون في المدارس الحكومية من الأناضول. ومن بيوت السكن بدأ التفكير في فتح مدارس خاصة داخل تركيا لتمتدّ إلى ربوع العالم…
مريم:
– أودّ فقط أن أستفسر عن أمر.
أنس:
– تفضلي أستاذة مريم.
مريم:
– كيف استطاعت هذه المدارس أن تنمو وتتطوّر بهذه السرعة لتمتد حول العالم بدون مواجهات داخلية؟
أنس:
– الظاهرة يا أستاذتي لها تفسير رمزي، لخّصه الأستاذ المفكر فتح الله في منهج بسيط جعله شعارا لاستمرارية وتطور العمل الخدماتي في البناء الحضاري: 1-لا تصطدموا. 2-اهتمّوا بعملكم وأنتجوا. 3-الإنجاز هو رهان التحدي، بالإنجاز تدفعوا عنكم الضرر، وتضمنوا الحماية والنجاح لمشروعكم العلمي والتربوي. 4-التفوق يدفع معارض الأمس إلى مساند ومؤيد للمشروع. 5-لا للسلبية، نعم للإيجابية في العمل. وهذه الرؤية أثّرت على كافة المكونات المجتمعية بكامل أطيافها وانتماءاتها السياسية والحركية والمذهبية. فكان طبيعي يا سيدتي أن يحدث هذا التغير خللا داخل التركيبة المجتمعية. فالسلطة تنبّهت إلى أن التحول مجتمعي، ومن الحماقة مواجهة مجتمع بكامله.. الدولة هنا لا تواجه اتجاهًا بعينه، أو حركة سياسية معينة، وإنما لو فكرت في الصراع فستصارع مجتمعا بأكمله. لذلك لا يمكن القول بأن السياسة هي التي أثّرت في الحراك الاجتماعي التركي، بل بالعكس، التحول كان اجتماعيا ولم يكن سياسيا.
مريم:
– نعم أستاذ أنس.
– هذه الملاحظة كان قد وجهها لنا الأستاذ شماس المتخصص في العلوم السياسية في جامعة الفاتح، حين شبه لنا التحول التركي بإيطاليا بداية القرن العشرين حيث مواجهة النظام الفاشي والحركة اليسارية، فالفاشية سحقت كل التيارات اليسارية، باستثناء الحركة اليسارية المنفتحة كرامش بقيادة كرامشي ذوي الأصول الألبانية المسيحية. فكرامشي يا سيدتي.. ومن داخل سجنه وضع مقاربة معرفية مفادها عدم الصدام مع النظام، وفي المقابل حث على تكثيف الحضور في كل وحدات الحياة، فسمّوا بـ”اليساريين الجدد” ونجحوا في إيطاليا.. وأنتم تعلمون جيّدا مدى تأثر الفرنسيين بالتوجه الكرامشي، وهذا شبيه بما حصل في التحول التركي.. فتركيا تأثرت كثيرا بإيطاليا، لأن أغلب التشريعات والعقوبات هي أصلا من القانون الإيطالي، وأول حزب أسّسه أتاتورك كان على غرار الحزب الفاشي الإيطالي رجب باكان. فبالمقارنة بين رسائل النور ورسائل كرامشي لا نجد -كما ذكر الدكتور شماس- فرقًا في الدعوة إلى عدم التصادم مع النظام، وإنما التركيز كان حول بنائها الفلسفي في روح الإرادة والإنجاز والفاعلية. فكانت فلسفة كيفية تفعيل القرآن دون اصطدام مع النظام أهمّ بديل اجتمع الناس حوله كمنهج رائد في منظومة الإصلاح الجذري للمجتمع، إصلاح يبدأ من تربية البيت إلى المدرسة، إلى المجتمع، إلى الثكنة، فالدوائر السياسية، والمقاولات التجارية والاقتصادية والإعلامية…
إلى هنا كان يقف الأستاذ أنس، ليفسح المجال لرفيق عمره الأستاذ جمال، ويمنحه الكلمة التي تجمل روح هذا التفسير.
* * *
نعم، “جمال” هو فيلسوف الأرواح، يعرف سر انجذابها، ويتذوق أسرار معانيها.. جمال، يحمل سر معاني المعنى في نواة ثمار الخدمة.. جمال، ابن مؤسس دور الخدمة.. هو دفء إشراقة شمس الصباح في سماء أهل المحبة.. جمال، هو نداء روح الفتح وشاعر توهج القلوب العاشقة في محبّة الله…
كانت الساعة تشير إلى الحادية عشر مساء. جمال الصغير تعب ونام فوق الكنبة، عائشة الجميلة الوديعة أيضا تتقلب وتشير لنا بإشارة حك العيون وهي علامة الأطفال التي تخبر الحاضرين بكل عفوية عن الرغبة في الخلود للفراش والنوم. كنت هناك أسمع قراءة “جمال” المبدعة لنصوص منبع العرفان والوجدان، وأنا أراقب في صمت نظرات السيدة أم سداد لفلذات أكبادها تهدؤهم في صمت بلغة صبر وحلم عهدوها وهم أجنة في بطنها، واستوعبوها جيدا قبل الفصام… نعم كانت تخاطبهم بلغة من نذروا أنفسهم وأبناءهم وأموالهم لخدمة الإنسان وقضاياه، وكانوا يتجاوبون معها في تناغم بديع وهم يعوضون أنانية الطفولة باللعب بعيدا عن أجواء البكاء وتكرار الطلبات، كما هو معهود عند من هم في أعمارهم من الأطفال.
مريم:
– الساعة متأخرة، والأطفال يحتاجون للنوم.
أم سداد:
– لا عليك سيدتي، هم سيرتاحون قليلا بالتمدد ثم نأخذهم للنوم في البيت، لا تقلقي.
الجلسة كان يحفها جو من العمق الفكري المفعم بروح الوصال والانجذاب نحو أفق سمو مراتب لغة الوجدان والعرفان الروحي. فرسانها ثلاثة، ورابعهم السيد مصطفى لم يحضر معنا الجلسة لكنه ومن علو الطابق الخامس من مستشفى “سَما” يرسل لي رسالة عرفانية بلغة تركية قائلا:
– هؤلاء يا سيدتي مريم هم أبناء الخدمة، هم أهل المحبة.. شغلوا بالمحبوب وفي محبته.. بذلوا أرواحهم، وباعوا كلّ فاني، وبوصال عشقه عمروا…
Leave a Reply