المثال الأوضح على موقف الأستاذ كولن تجاه القيم الحديثة للعلم الطبيعي والتكنولوجيا والعقلانية، وتقدير الذات الفردية؛ يتجلى في أنواع المدارس التي دعا لها في الثمانينيات، حينما افتُتِحَتْ أولى مدارس كولن في تركيا. فقد انتقد المدارس الدينية، التي كانت تُدرِّس الإسلام؛ والتكايا، والمدارس غير الرسمية للطرق الصوفية التقليدية؛ لأنها أكدت القيم الروحية والإنسانية والميتافيزيقية، على حساب التدريب العملي والتقدُّم.
توفِّر مدارس كولن، حول العالم؛ تعليمًا ممتازًا في مجالات العلوم الطبيعية والتقنية الحديثة، مع تلقين القيم؛ وذلك من خلال معلِّمين ومديري مدارس يُمثِّلون القدوة.
ومن ناحية أخرى؛ انتقد كولن المدارس العلمانية التركية والأكاديميات العسكرية؛ لأنها تنقل المعرفة العلمية الحديثة، والمهارات التقنية؛ لكنها تفشل في نقل القيم الروحية والأخلاقية التي حملتها التقاليد الإسلامية. ورأى أن جذور المشكلة تكمُن في الافتقاد للتكامل بين الجديد والقديم، وبين الحداثة والتراث، وبين المعرفة العلمية والدينية، وبين المهارات التقنية وبناء الشخصية. واقترح الأستاذ كولن إنشاء مدارس توفِّر تعليمًا ممتازًا في حقول العلوم الطبيعية والتقنية، جنبًا إلى جنب مع القيم الأخلاقية والروحية، التي تُنَمِّي الإنسان بجملته. كان هدفه تأسيس مدارس من الدرجة الأولى؛ تجمع أحدث الإنجازات التقنية مع تشكيل الشخصية بإيجابية، والالتزام بالقيم العليا.
يرفض كولن مزاعم البعض بأن الإسلام دينٌ”رجعيٌّ” يُمثِّلُ عقبةً في طريق التقدم. ويرى أن الإسلام هو “الطريق الوسط”، الذي لا يرفض أو يُدين النهج العلمي الحديث، ولا يؤلِّهه كذلك.
ويُعارض الأستاذ كولن مساواة التحديث بالتغريب، كما يفترض بعض المثقفين في تركيا والعالم الإسلامي. ويرفض مزاعم البعض بأن الإسلام دينٌ”رجعيٌّ” يُمثِّلُ عقبةً في طريق التقدم. ويرى بدلا من ذلك أن الإسلام هو “الطريق الوسط”، الذي لا يرفض أو يُدين النهج العلمي الحديث، ولا يؤلِّهه كذلك.
وحتى يشارك الفرد في الحداثة من منظور نقدي؛ روَّج الأستاذ كولن لأهمية المعرفة والتدريب بأحدث الوسائل في مجالات العلوم الطبيعية والتقنية، جنبًا إلى جنب مع التحول الشخصي إلى القيم الأخلاقية العليا، وحب الإنسانية، والشخصية الإيجابية، وشجاعة العمل على تحسين ظروف المجتمع. وهذا يتلخَّص في كلمات الأستاذ التالية:
انتقد كولن المدارس العلمانية التركية والأكاديميات العسكرية؛ لأنها تنقل المعرفة العلمية الحديثة، والمهارات التقنية؛ لكنها تفشل في نقل القيم الروحية والأخلاقية التي حملتها التقاليد الإسلامية.
“لو كان للمثقفين والمؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام من مهمة حيوية يضطلعون بها لأجل خير البشرية؛ فلن تكون سوى نقل الدراسات العلمية الحديثة من المناخ الملوَّث بالتطلُّعات المادية القاتلة، والتعصُّب الأيديولوجي؛ وأن يوجّهوا العلماء إلى القيم الإنسانية الحقيقية”.
وتوفِّر مدارس كولن، حول العالم؛ تعليمًا ممتازًا في مجالات العلوم الطبيعية والتقنية الحديثة، جنبًا إلى جنب مع تلقين القيم؛ وذلك من خلال معلِّمين ومديري مدارس يُمثِّلون القدوة، وأكثرهم مشاركون في الحركة وقد تشبَّعوا بالقيم التي يُروِّج لها الأستاذ كولن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: هيلين روز، حركة فتح الله كولن تحليل سوسيولوجي لحركة مدنية متجذرة في الإسلام المعتدل، تنوير للطباعة والنشر، القاهرة، طـ1، 2015م، صـ209/ 210.
ملاحظة: عنوان المقال من تصرف المحرر.